اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد الداودي
من يستطيع اليوم صنع حوارٍ شيّق مع الذات
قلة هم من يجيدون خلق الدهشة في هكذا حوار
والاصعب :_
ان تخرج بكل حيثياتك الى خارج الضوء وتسلط الضوء على ذاتك في نفس البقعه
هنا يا صديقي
اتذكر شيئا قرأته منذ فترة طويله لـ الراحل محمد الماغوط
كان يقول سأصنع من ورق قصائدي قصاصات وسألقي بها من نافذة السجن
وستذهب مع الريح الى البحر حينها ستجد حبيبتي فمسألة الخروج او الانسلاخ من الذات تكون اكثر حرجا لحظة الكتابة
واتذكر ايضا
قول البدر ،،،
وتملنّي الجدران واطلع لشرفه تحت السماء واسكر الباب خلفي
دائما ما تأتي مرحلة الوصول الى نقطة الكتابة الحرجه بعد امتهان الكتابة واقصد بالكتابة الشعر
جمال :- هذه حرفتك منذ عرفتك
فقط اخرج حيث الضوء فلا تكن مثل الحميدي الثقفي
|
\
أخي الجميل خالد الداودي
سلاماً ملؤه الذات المقطوفة ـ كرزاُ ـ من حياض العزلة واليباس..
إن كنت تعلم يا خالد أن الماغوط مهم حين يلقي بما كتبه من نافذة السجن، فأنا أعلم بأن وجوده داخل السجن كان هو الأمر الأهم، ولولا تلك العتمة المبهرة التي هو عليها خلف القضبان، لما أطلق إلينا أجمل أغاني الوطن والحريات، وتقبلها العالم رغماً عن أنف السخرية والفكاهة التي تشكل طلقة الماغوط، وبندقيته.
:
وإن كنت يا خالد.. تعلم بأن البدر (يظهر لشرفةٍ) من تحت السماء، فأنا أعلم أن ظهوره لم يكن برغبة منه، بل هي الجدران (وتملني الجدران) من أمرته كثيراً على الظهور، ذلك أن البدر في النسبة الغالبة من نصوصه لا يتحدث عن أمرٍ آخر، عدا سجنه الكبير، وما أقسى هذا السجن حين يحرض البدر على كتابة نص (المروحة تدرور).. فتعال معي نتساءل يا خالد:
متى تقطع الامروحة النور؟ متى تشقق الهواء؟ ومن أين سقطت قطع البلور على جسد البدر.. وهو القاطن عمق الصحراء، وهو الذي يتحرك تحت سماء من جمر صيف الخليج عادة؟.. لاحظ بأنه سقف السجن يا خالد، سجن الإنسان المهجور من الإنسان الآخر، حتى تكومت على مروحته أغبرة الزمان، وتشابكت بيوت العناكب فيها، وحين حاول (الظهور لشرفة) أو أنه جرب أن يتحرك ويلامس أحداً آخر، حرّك أولاً زر التشغيل الخاص بمروحته، حتى تساقط زمن السجن/ والمهجر/ والعزلة جراء دوران المروحة، فتأكسد الجو واختنق داخل الغرفة، وتناثر غبار الزمان مقطعاً خيوط النور التي بالكاد تنسل إلى عزلة البدر، وكان سقفه المطليّ منذ زمن قصي قد شاخت تجاعيده، وما أن هب الهواء عليه جراء دوران المرحة (المروحة تدرو.. تدرو).. حتى تساقط بياض السقف المتهشم من أعلاه، مشبهاً الطلاء والاسمنت المتشقق بالبلور، ذلك أن البدر لا يشير إلى شخوصٍ بعينها وقد دست له العذابات، بل إنه يتعمق دائماً في المطلق، ليجد نفسه الغريب/السجين/الطريد/ الذي يستطيع التآلف مع كل انكسارات الوجود.. حتى وصل ذروة الوحدة حين أطق رصاصة (ومن شح الدمع غنيت لك مرثية الدغلوب)!!.. وهل من كائن آخر يستطيع التآلف مع الوحدة أكثر من الدغلوب يا خالد؟!
:
عزيزي الجميل خالد: إن الحميدي الثقفي وجه قريب جداً من شرفة البدر التي طردته الجدران من دواخل غرفتها يوماً، فدعهم هكذا، يكتبون الموت بصيغة البقاء.
:
أما أنا.. فأعتقد أنك لازلت تحترم مسافة وجودي هنا، عن آلاف الأميال الضوئية التي تفصلني عن الحميدي هناك في أبعد الهالات والسديم.. أليس كذلك يا خالد؟.
لك نفحة الشطآن.. كما لك ما تبقى في دواخل الغريب من نبض، وشريان أخي الكبير خالد الداودي.
/