منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - [حروفهم معنا ]
الموضوع: [حروفهم معنا ]
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-15-2008, 02:45 PM   #18
أسمى

قَيْدٌ مِنْ وَرْدْ

مؤسس

الصورة الرمزية أسمى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 469

أسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعةأسمى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي



...........



مر علي ساعتان وأنا على هذه الحالة ، بكيت حتى خلت أني اغتسلت كلي بدموعي . أحسست أن الدمع الحار ، الذي سال غزيرا من مآقي ، قد غسل كل العناء في قلبي ، صليت خلالها العشاء ، كما لم أصلى مثل تلك الصلاة في حياتي . شعرت كم تكون الصلاة لذيذة حينما يكون القلب مشرعا لنداء السماء ، وكم تكون الصلاة ذات معنى حينما لا تستشعر حولك إلا الموقف .. والصحف تتطاير .
يا الله أي عالم علوي كنت تسبح فيه يا خالد ، وأنا أطارد سرابا .. وهما .. شيطانا . أأبلغ ما تبلغه ، وأنا ألهث خلف المحسوس ، الفاني الذي سيأكله الدود ، قبل أن يخالطه التراب ، وأنت الذي تحلق في اللا محسوس ، في السرمدي .. في تلك الآفاق النورانية .
ما الجسد يا خالد إلا امتداد للدوني ، للحضيض ، للأرضي ، لذلك حري به أن يجعل من يتطلع إليه ، ويلبي رغباته أن يلتصق بالأرض ، لماذا .. ؟ لأنه انسلخ من العلوي ، واتبع هواه .. اتبع هواه يا خالد .. فكان ماذا ..؟ كان من الغاوين .. ولم يكن من الدعاة الهداة .. رحماك يا رب .
مرت أيام نهاية الأسبوع سريعة وعادية 0 ذاكرت جيدا ، حيث لم أغادر البيت إلا قليلا ... أوقات الصلوات فقط . مطعم أبو أيمن السوري قدم لي حلا مثاليا ، من خلال وجبة المقبلات والمشويات اللذيذة ، التي تكفل بإيصالها ، دون مبالغ إضافية ، إلى المنزل . وهي معاملة خاصة للملتزمين ، كما يقول أبو أيمن ، الذي يشعر بعظيم الامتنان لهم ، لحفظهم أبناءه وأبناء المسلمين ، من خلال المدرسة التي تشرف عليها جمعية الطلبة المسلمين ، والمعسكرات التربوية التي تقيمها .
غدا الاثنين امتحان الدكتور اندرسون لمناهج البحث ، أشعر أني مستعد له جيدا ، فقط احتاج أن أنام مبكرا ، لاستيقظ نشيطا .. سأصلي وتري أول الليل وأنام .
الاثنين يوم مبارك ، قررت أن أصومه ، فالجو بارد ، وعملا بالسنة ، وتحسبا لمفاجآت لا أعلمها . والصوم كما قال صلى الله عليه وسلم (وجاء) ، وأنا لا احتاج الوجاء و (الحماية ) ، كما أحتاجها في هذه الأيام ، وفي امتحان الدكتور اندرسون بالذات .
بقى على الامتحان نصف ساعة ، حينما عزمت على التوجه للجامعة . لم أتوقع أن يكون الثلج بهذه الكثافة ، لحظة ألقيت نظرة من النافذة ، و الثلج يتساقط ، و ارتأيت أن أصلى الفجر في شقتي . بدأت أزيح الثلج عن طريق السيارة ، وحينما انتهيت ، و ظننت أن الطريق سالكه ، اكتشفت أن إحدى العجلات معطوبة . ليس اتساخ الأيدي ، و الملابس ، وبرودة الجو ، هو المزعج فقط ، في مثل هذه المواقف .. لكن أن يكون بانتظارك ، بعد كل هذا امتحان . ما أن بدلت الإطار المعطوب بآخر صالح ، وحاولت تشغيل السيارة ، حتى باءت محاولاتي بالفشل ، ثم أكتشف في الأخير ، و يا للسخرية .. أن السيارة فارغة من الوقود .
وصلت قاعة الامتحان متأخرا عشرين دقيقة ، استقبلني الدكتور أندرسون بابتسامة عريضة ، وهو يشير لي بأن آخذ مقعدا . اندفعت إلى داخل القاعة ابحث لي عن مكان ، ولم انتبه إلى أحد الطلبة ، الذي قد مد رجليه أمامه ، فعثرت ووقعت على وجهي وتناثرت أشيائي . حينما استقريت في مكاني أخيرا ، رأيت الدكتور اندرسون ما زال مبتسما . قلت معتذرا :
ـ هذا اليوم ليس لي يا دكتور اندرسون .
رد مازحا :
ـ لابد أنك كنت تجرف الثلج ، أو أن إطار سيارتك قد تنسم هواؤه ...
وهذه هي الأعذار التي يسوقها الطلاب عادة ، حينما يتأخرون .
قلت :
ـ إنك لن تصدقني يا دكتور اندرسون ..
ـ ماذا .. ؟
ـ بالإضافة إلى ما ذكرت ، فقد اكتشفت أن سيارتي قد نفد وقودها ..
أطلق ضحكة مدوية ، وقال :
ـ لن يغلبك أحد يا مصعب .. ويأتي بمثل ما جئت به 0
شرعت بالإجابة على الامتحان ، لكن القلم لا يكتب . يخط حرفا أو اثنين ، ثم يمتنع . عالجته بشتى الطرق دون فائدة . استنتجت أني حينما تعثرت برجلي الطالب ، و وقعت ، والقلم في يدي ، ضربت ريشته الأرض فانثلمت .
لاحظ الدكتور اندرسون حيرتي فجاء مستفهما . فأخبرته بمشكلة القلم ، وسألته أن يعيرني قلمه ، فذكر لي أنه اعارة لطالب آخر .. نسي قلمه .
قلت للدكتور اندرسون :
ـ ألم أقل لك أن هذا اليوم ليس لي ..
ابتسم ، وقال :
ـ لا عليك سنحل المشكلة ..
سأل الطلاب إن كان هناك أحد معه قلم آخر ، يمكن أن يعيره لشخص ، يبدو أنه نثر الملح من فوق طاولة الطعام . وهو اعتقاد شعبي بين الأمريكيين ، تقوم فكرته على أن من يكب الملح ، يلازمه النحس طيلة يومه .
لم يرد أحد من الطلبة ، رغم تكرار السؤال ، إذ قليل من الطلاب من يحمل معه أكثر من قلم . كان الدكتور اندرسون على وشك أن يطلب مني أن أغادر القاعة ، لأبحث لي عن قلم ، حين ارتفعت يد أحد الطلاب في أول القاعة . قالت الطالبة :
ـ عندي حل بدائي ، لكنه ينفع في مثل الظروف ..
ثم قامت بكسر قلمها المرسم إلى نصفين ، وبرت أحدهما ، و أعطته للدكتور اندرسون ، الذي أعطاني إياه بدوره ، وقال مازحا :
ـ لا أعتقد أن أحدا تشاركه الآنسة ديمي بمرسمها ، يمكن أن يقول هذا اليوم ليس لي ..! إنها ديمي إذن ، يدفعها القدر من جديد في طريقي ، ماذا يخبئ لي هذا اليوم من مفاجآت ..؟ تطاولت ، وبهزة من رأسي ، وابتسامة خفيفة ، شكرت ديمي .
كان متوقعا أن ينتهي الوقت ، قبل أن انتهى من الإجابة على جميع الأسئلة . لم يبق إلا أنا والدكتور اندرسون ، الذي قال :
ـ أنا مضطر أن أغادر ، عندما تنتهي أعط ورقة الإجابة لسكرتيره القسم ..
لاحظ أني محرج ، فقال :
ـ لا داعي للحرج .. فأنا أثق بك .
هذا التعامل ينعدم في بلادنا مع الأسف ، حيث الأمانة صارت نادرة ، وقيم الثقة ، أحيانا غير موجودة . دائما أسال نفسي ما الذي يبقى هذا الوحش الأمريكي الجبار ، رغم مظاهر الظلم والفساد الكثيرة المنتشرة فيه ...؟ إنه قطعا ، ليس القوة المادية المجردة وحدها . فالله سبحانه قد قص علينا أحوال أقوام اشد قوة ، أهلكهم ، (فهل ترى لهم من باقية) ..؟ . إن مثل هذه القيم ، وأخرى يطول الحديث عنها ، هي التي مازالت تحافظ على الإمبراطورية الأمريكية من الانهيار .. حتى يأتي أمر الله .
لماذا عدمت مثل هذه السلوكيات الجميلة في مجتمعات المسلمين ..؟ ألا يكفيها التخلف المادي الذي يطبق عليها ..؟ لماذا لم يبق مسموعا سوى صوت النفاق .. وصار الإسلام ، الذي هو مصدر هذه الفضائل جميعها ، مطية يركبها كل أفاك ، ليحقق من خلالها أهدافه ..؟ كل همه أن يملأ جيبه ، ويشبع بطنه و .. و أشياء أخرى . صار الإسلام .. شعارا فقط . يردده السياسي ، ويلوكه شيوخ السوء ، وتشدو به جوقة النفاق .
ماجت هذه الخواطر في بالي للحظة ، وأنا أرقب الدكتور أندرسون يغادر القاعة ويتركني لوحدي .
أكملت الإجابة على الامتحان ، ولملمت أوراقي ، وتوجهت خارجا ، لأجدها قبالتي ، عند الباب :
ـ ديمي .. ماذا تفعلين هنا ..؟
ـ كنت انتظرك لقد ..
قاطعتها :
ـ تريدين القلم ..؟
ـ هل أنت جاد ... لا تكن سخيفا لقد قلقت عليك ، ماذا صنعت في الامتحان ..؟
ـ أظن الأمور على ما يرام ،
ـ ماذا ستفعل الآن ..؟
ـ سأعطى أوراق الامتحان للسكرتيرة ..
ـ و بعد ذلك ..؟
ـ سأذهب إلى البيت لاستريح ، ثم أذاكر لامتحان أخر لدى بعد غد ..
ـ هل لديك بعض الدقائق لنتحدث عن أشياء سبق وسألتك عنها ..؟
ـ لا .. لا أظن أني أستطيع ألان ..
تبادلنا النظرات ، ورأيت في عينيها رجاء ..
ـ آمل أن تتفهمي وضعي ..؟
لم ترد علي .. واستمرت تنظر إلى ، وفي يدها إصبع شوكولاته ، فمدته لي ، فقلت :
ـ شكرا لا أستطيع أن أكله ..
ـ لانه مني ..؟
ـ لا .. ولكنني صائم اليوم ... عفوا لابد أن أذهب الآن ..
وانصرفت .. و حينما سرت بضع خطوات نادتني قائلة :
ـ مصعب .. هل أستطيع أن أسألك سؤالا ..؟
التفت ، وكانت واقفة في مكانها .. تقلب إصبع الشوكولاته في يدها ، بشيء من القلق ..
قلت :
ـ ماذا ..؟
ـ هل حقا يهمك أمري .. أقصد هل يهمك أن أعرف الحقيقة عن الإسلام .. أو جزء من الحقيقة ..؟
فاجأني السؤال ، وشعرت بقلبي ينقبض من الألم . هل أنا أسأت التقدير في تعاملي معها ، وتوهمت أشياء لم تكن موجودة إلا في خيالي ..؟
لم يكن لدي وقت لأناقشها ، تقدمت نحوها ، وقلت :
ـ اليوم الاثنين ، وبعد غد الأربعاء لدي امتحان في المساء .. يوم الخميس سأكون حرا من أي ارتباط .
ـ حسنا .. نلتقي الخميس ، في نفس الوقت ، ونفس المكان ...
ـ أي مكان ، وأي وقت تقصدين ..؟
ـ الساعة السابعة مساء .. في (الكيف دوماسيه) ..
ـ لا بأس ..
ثم سحبت إصبع الشوكولاته من يدها ، وأضفت :
ـ سآخذ هذا وآكله .. حينما أفطر بعد مغيب الشمس ..
ما كدت أنهي كلامي ، حتى اكتسحت وجهها موجه من السعادة ، وانشق ثغرها عن ابتسامة رضا ، تدفقت من بين ثناياها ، مثل جدول ماء صغير ينساب من بين حصيات مرمر...
و لم تعلق بشيء ..
ـ مع السلامة ..
قلت لها .. ثم استدرت منصرفا ..





............
مازلنا..نقرأ
.

 

التوقيع

[الحياة ليست كما تبدو ]
هو كل مافي الأمر .
t _ f

أسمى غير متصل   رد مع اقتباس