أم
للكاتبة/ أسمهان الشبيب
أريدكَ أن تعلم أني أحبّك؛ وسواء ملأتُ بكَ هذا المكان الذي أفردته لأجلك أو لم أفعل, سأحبّك أكثر, سأحبّك على الدوام, وسأحبك كما لم أفعل من قبل.
أريد أن أقول لك لا تتأخر, لأنك كلما تأخرت يفيض بداخلي الأسى, ولأننا معاً يا حسن لا نعلم متى سينفذ من بين أيدينا الوقت, لذا أطع ماما ولا تتأخر! لا أريدكَ أن تبقى احتمالاً وارداً في مشيئة الله, ولا أريد أن أتسائل أكثر عن المكان الذي تشغله في العالم العلوي, أو العالم السالف لعالمي هذا, العالم الذي لا معرفة لي به, رغم أني عبرته قبلك!
وأريدك أيضاً أن تعرف, في حال لم تأتِ, أريدك أن تعرف أني لم أملك أسباباً وتوانيت عنها, ولم أستطع لكَ سبيلاً وتجاوزته, ولكن لتفكر معي بالحقيقة الوحيدة التي يسعنا التشبث بها: إنكَ يا ماما ستأتي, ولنثق بالله في ذلك, طالما ليس لدينا من نثق به.
سأعتذر منك حين تأتي, لأني كنتُ سيئة في أوقات انتظارك, ومؤذية أحياناً, وسأعتذر حين لا استوفي شروطك كلّها, وسأعتذر حين تنقطع حبال مراجيحك ويخونك الأصدقاء؛ وبالتأكيد, سأعتذر حين لا تكون الحياة جيدة معكَ, ولابد أن تفعل.
ورغم أني لا أحاول رشوتك, إلا أني أريد أن أخبرك عن الوضع هنا: إنني على كلّ حال لن أرهقك بالدراسة, ولن أتجادل معكَ مطولاً بخصوص سجائرك السريّة, ومواعيد عودتك المتأخرة. كما أني لن أناقش الله كثيراً بخصوص ملامحك, ولون عينيك, وطباعك, ومزاجك العصبي؛ يهمني فقط أن تكون بخير, لا شيء في العالم يعدل ذلك, ولا حتّى أن تكون وسيماً وتطير أحلام البنات. أتخيل لكَ حياة أكثر شغباً وأقل ندبات يا ماما, حياة ربما لا أتمكن أنا من توفيرها لكَ, لكنني على الأقل يمكن أن أساعدكَ في الحصول عليها.
سيحدث أن تكون مراهقاً, وسيحدث أن لا تكفّ الأسئلة عن التسبب لكَ بالدوار, سيحدث أن يُصاب قلبك بالحبّ, وسيحدث ربما أن تقع في الخديعة, سيحدث أن يموت الآخرون من حولك, وسيحدث أن تكون عابراً في حيوات الآخرين ويكونون هم عابرون بكَ, سيحدث أن تفكر بأن الحياة بلا جدوى, وسيحدث أن تلومني على اتاحة فرصة لكَ للمجيء, ستحدث أشياء كثيرة يا ماما, ولن يحدث غالباً أن أتمكن من حمايتكَ منها... لن استغفلك, ستحدث أشياء كثيرة, وبعضها ليس جيداً أبداً؛ لكني أجدها جديرة بأن تُعاش, وأترك لكَ مشقة تقدير ذلك.
أحاول أن أقول لكَ يا ماما أني معنية بمجيئك, مجيئك هو المسوغ الوحيد لمجيئي, المعنى الوحيد لي. اخترتُ يا ماما أن أحصرني بكَ, مهما اختار لي الله, ومهما اخترتَ. أن يكون وجودك هو وجودي, لستَ امتدادي يا ماما, بل إنكَ أناي. لا أعرف كيف أقول لكَ ذلك بالكلمات البسيطة يا ماما, ولا بالكلمات التامات..
تعال, يخيفني أن أكبر من دونك.. وأجف, يخيفني شكل هذا العالم من دونك, يخيفني الوقت الذي سأضطر أن أفكر فيه بعقلانية وتروي, لأصل إلى نتيجة أن مجيئك خطيئة في حقّك!
- تعال.. ها ماما...!