الكاتب: عقل حر
العنوان:مشاعر وأحاسيس
لعل براعة الفنان تكمن في التقاط تلك اللحظات الانسانية المترعة بالمشاعر والاحاسيس ، والقدرة على تصويرها . هي لحظات يقوم بتمثيلها فنيا و يبرزها في حلة ابداعية .
سوف احاول هنا وبمشاركة منكم بالطبع الاحتفاء بالمشاعر والأحاسيس الانسانية في الفن التشكيلي .
هنالك خيط دقيق يجمع فيما بين الفن والبكاء وهو أن كليهما يرتشفان من واقع الحال ، يعبران بلغة ثرة بالمعاني عن الحزن أو الفرح .
يلتقط الفنان خيوط الواقع المترامية لينسج منها ضربا من الجمال والفتنة ، أفقا جديدا ، رؤية طازجة ، تبعث فينا اللذة والحبور . متعة جمالية .
خوسيه دي ريبيرا الفنان الاسباني العظيم ( 1591-1652 ) يلتقط تلك الحالة الانسانية ،يفنن البكاء ، يعيد صياغة المشهد ويقوم بإلباسه حلة الابداع ، تصوير لما هو معاش ولكن برؤية الفن . أسم اللوحة (Mater dolorosa ) وهي من الإعمال الرائعة لخوسيه وفيها يصور حالة حزن ، حاشدا فيها كل معاني الأسى والحزن النبيل، فنرى الجفون التي أصابها التقرح من شدة البكاء ، بكاء نشهد الآن ذروة اندفاعه وآلامه الجوانية ، فليس هنالك مايشي من حركات او ايماءت تقف دون القدر أو السخط منه ، انه حزن نبيل وسام... فناننا هذا قطع العلائق وماهو موجود لقد جعل من الخلفية يعتمرها السواد ليجعل من تلك الحالة تملك السيادة في الرؤية مع تسليط الضوء على وجه تلك القديسة ، ضوء يتحالف ونورها الداخلي ليجعل منها كوكبا مضيئا في عتمة الوجود . عتمة تجعلها تنصرف إلى شئون القلب فهي لا تعير المشاهد التفاتا فلقد تمكنت منها حالة الحزن تلك ، ليس هذا هو السبب الوحيد لذلك التجاهل ، فلقد كان من ضرورات تصوير النساء العفيفات في الفن الغربي ، أن يجعلهن المصور في وضعية لا تتقاطع فيها عيونهن مع عيون المشاهد لهن . كما نلحظ توافر اللون الأحمر واللباس والذي هو بمثابة رمز للتضحية والحياة في الفن الغربي وغالبا في التراث الانساني ، وكما نلحظ ما أتشحت به من سواد علامة على الحداد والحزن .. ان كل مافي اللوحة يشي بالحزن العظيم ! .... وكلام كثير حقا ! يمكن قوله حول هذه اللوحة الفاتنة ، ولكن نترك فسحة لخيال قارئها ، لينعم ويسر بالكشف ورؤية الفن الجميل !
تحياتي