:
لا أذكرُ بالضّبط كيفَ بدأت تلكَ اللعبة الجهنميّة .. قرّرنا أن يذكرَ كلٌّ منا أوصافَ البلدِ الّذي جاءَ منه , و يتولّى الباقون تخمين اسمها .. و للفائز جائزة ..
و قالَ الفرنسيّ : ايفل , اورليان .. و صرخنا : فرنسا .
و قالت اليابانيّة : كيمونو , جيشا .. و صرخنا : اليابان .
و قلتُ لهم : شمس , سيف , أرض التّاريخ و الأديان , و الأنبياء .. صمتوا .
قلتُ : البحر المتوسّط .. و ظلَّ أكثرهم صامتاً , ثمّ تطوّع السّويسري فقال : اسرائيل طبعاً !
و انضمّ إليهِ بعضهم ببراءة : اسرائيل .. و التمعت عينا أحد الشّبان بخبث و هو يهلّل : طبعاً اسرائيل .. و بسرعة استلمَ دفّة الحديث , و ذهلتُ و أنا أكتشف أنّ خمسةً من العشرين الّذين ضمّنا الكوخُ و إيّاهم قد زاروا اسرائيل في رحلاتٍ مدرسيّة منظّمة !
و على مائدة العشاء سألني أحدُ الطّلاب شبه معتذر : لم تقولي لنا من أينَ أنتِ ؟
قلتُ : سورية , لبنان ..
قاطعني : تعنينَ قربَ اسرائيل !!
و قبلَ أن أسكبَ صحنَ الحساءِ على نفسي و عليه , كان الطّالب ذو العينين الخبيثتين يوزّعُ على الزّملاءِ كرّاساً ( لاسرائيل ) كذلكَ الّذي حملته إليّ الصّديقة نزيلة فندق الرتشماند في لندن ..
عذرا أيها السّادة ..
كنت أتمنى أن أنحت كلماتٍ شهيّة , أرشقُ فيها عباراتٍ شعريّةً عن الحبِّ في براري الشّفاهِ الظّمأى و الخطيئةِ على تلالِ النّهود و قراصنةِ اللّحم النّسوي الحلم ...
عُذراً أيّها السّادة ..
ضياعنا حقيقي .. نحن أحفاد صلاح الدّين و خالد بن الوليد و حمورابي و عمر بن الخطّاب .. مؤامرة ضياعنا عن جذورنا الحقيقية تكاد تدمّر كياننا , نعيها حينما نخرج من قرانا الصّغيرة إلى العالم الواسع و نرى قسوة العيون في الحكم علينا و جهلها بحقيقتنا ..
غادة السّمان , زوريخ 20/7/1967
من كتاب [ الجسد حقيبة سفر ]