يرحل الماغوط اليوم بعد أن صمت طويلا عن الشعر. لقد جرّب مرات عدة أن يعود ونشر قصائد وأعمالا جديدة. ولكننا كنا قد اتفقنا أن الشاعر لا يزال يواصل صمته. صمته ذاك الذي أعقب مجموعته الشعرية الثالثة (الفرح ليس مهنتي). والأرجح أنه كلما كان يشاع أن الماغوط يكتب الشعر مجددا، وأنه بصدد إصدار جديده في كتاب جديد، كان ذلك يزيد من وقع صمته الطويل ويعيد قصائده القديمة الى التداول. وأحسب أن رحيله اليوم يضاف الى صمته ذاك، رغم أنه صمت مختلف يستدعي حزنا وتقديرا خاصين لشاعر أثر في كثيرين دون أن يتعمد، وتربت أصوات نبرات شعرية شابة وجديدة في كنف قصيدته رغم ضيقها وخشونتها وسأمها وضجرها من العالم..
لقد صنع الماغوط في الشعر ما أراد أن يصنعه وانتهى من ذلك، تقريبا، قبل خمسة وثلاثين عاما. لقد صنع الماغوط اسمه وتوقيعه الشعري في (حزن في ضوء القمر) و(غرفة بملايين الجدران) و(الفرح ليس مهنتي). ضرب الماغوط (ضربته) الشعرية (ونام ملء جفونه عن شواردها) بتعبير المتنبي.
كتب الماغوط قصيدته دفعة واحدة، بخشونة وعزلة كاملتين: ولعل قصيدة خشنة الى هذا الحد ومنعزلة وضارية في نبرتها الى هذه الدرجة، قصيدة بهذه الصفات تصعب كتابتها لوقت طويل بالقابلية نفسها من الاحتجاج والضراوة والقسوة.
كتب الماغوط قصيدته منذ زمن بعيد، وكان ذلك كافيا كي تظل هذه القصيدة نضرة وحية حتى لحظة موته، وهي ستظل كذلك بعد موته.
حسين بن حمزة: قبل 35 عاماً