وفي تلك اللحظة من الزمان السعيد التي ألقيت في مقابر الفناء ،، لم يبق من الحديث إلا صورة للروح باهرة يرويها الظلام بألوان مختلفة ،، في ساعة هدوء وخمول وطمأنينة ،، انفجر الرنين في الأعماق ،، اجتاح القلب وغدر بنومه فلم يبق إلا المجهول ،، مادت الأرض ورقصت فدعا الشوق بلسان جاف أن لا ينتهي في حضرتك ذاك الوجود ،،
لأجدني وقد اختفت الأسطورة ورجع التاريخ إلى مجراه ،، وراح الزمن يروي ما احتفظت به الذاكرة من أشياء ينتشلها من رفوف النسيان الفاخرة ،، حين تمهدها بسمات الآثار والاقتداء بخطوات الثراء والصعلكة ،،
يسود الإنصات لما تخلق أقواله كأنما تستنجد الطيش في اقتحام مياه البئر المهجور أو التغلب على صرير الليل المتأخر والتصدي لحوارات الأكف المتساقطة ،،
من أبعد طريق إلى المدرسة وأقرب الفرص للتجربة ،، وطفولة تعيد البناء كما ستكون دون أدنى تغيير وأحلام رحم يحذف الزمن من الوجود ،،
أذكر أول عراك مع أوتار المراهقة واليوم الذي شهد مولد خطى باعدت الشرق بالغرب ،، والساعة التي وقع فيها التغير والانقلاب ،، أذكر التمرد مزهوا في بدلته البيضاء مرسلا في خطاه الثقيلة نذر الرهبة التي يسبقها العبث ،، وقد انحلت عقد الفراق ولانت عضلات الطلاسم بالمكتبة وتوقف النبض في الصدغ ،، وتلاشى بريق الأصحاب من عيني وحل ذلك الهدوء الحائر ،،
وزحام الذكريات لا يرحم ،، لا تهزه الدموع ولا تستعطفه الآمال ولا عزاء لحبات القلوب ،، ثم لا يبدل سنته ولو كانت القرابين في ربيع العمر الزاهر ،، ماذا يضيرك لو تركت الهروب بأنفاس تتردد ،، دعها ريثما تشبع من هذه الحياة فإن الموت لم يسأم منها ولم يزهد السهر في عرّابها ،، وصداه يقبل جلال الأشياء وزاد الفؤاد ،، يعيدها إلى خشوع السماء فلا تمسها أقدام الصحو ولم تعبث بأناملها التمائم ،،