إليك عبادي ،،،
كنت هناك منذ أيام ،، وكما تعلم بأن كل مكان جمعنا يتجدد بالجميل فما بالك في ابتسام الغروب ،، غير أن أخيك لم يتسع بعد في درس علم الجمال ما يسع هذا العلم الجميل ،، فإنا تهيبنا الطبيعة فعبدناها ولم نمسها ولا بالفكر ،، لم نقرأ من فصول الألوان وأحلام النظرات إلا فصلا واحدا أصبناه في أصل الخلقة وهو المرأة وما شئنا مما ساقته الملائكة في خفق الزمن على أجنحتها ،، وجاء زمن آخر فابتذل الطبيعة حتى ملّها ،، وكأنما أخذها عن وليّ نعمته كما يأخذ الصياد مها ً بريّ من المعبد إلى المذهب المظلم ،، فلم يبق في يديه من بلاغة الاحتفال إلا هتافات وتصفيق ما شيد من أصله ،،
لا عليك وانظر إلى حديث البحر وما استمعنا له في بقية من أثره ،، تلك اللغة الخفية التي تفيض ألحانا حتى في الحزن ،، وتوقع على كل شئ تصادفه كأن كل شئ ينقلب في يد الطفل أوتارا مرنة ولو كان العصا التي يضرب بها ،، وما توفقه في بعض القلوب إلى الاحتفاظ بشئ منها فتكون ينبوعا للحقيقة ومعاطف للعواطف ،، يشرب منه العمر ويدفأ فيه السفر ،، ويستظل إليه الماء المجهود الذي ما يكاد يتنفس ،، وتبرد عنده الأحزان الملتهبة وتصغر لديه كل الآهات فتخرج عن صمتها إلى طبيعته لتستحيل بها دموعا حارة ،، وهي في النظرات بقية من رحيق الجنة قبل أن تقوم من مجلسها تطمس الشمس مغادرة الغيم يوم كان لا يظمأ فيها ولا يضحى ،،
فإذا أردنا بعد ذلك أن نرى شئ منها ،، نجعل العين أقرب إلينا من الفكر ،، بل ننزع الفكر هذا إلا الخفيف منه ،، كما تنضو ثيابك إذا طلبت السباحة إلا الطاهر منه كما تخلع نعليك إذا أردت الصلاة في المسجد ،، كما تطرح شغل قلبك بين يدي الله ،، فإن أنت سبحت بثيابك فإنما تمثل الغرق وإن دخلت بنعليك فإنما تمثل الجحود وإلحاد القلب ،، وإن نظرت بدون عشقك فإنما تمثل العمى الطبيعي الذي يدحرج الآمال إلى الأكفان ،،
*
دعنا من ذلك ،، فهل تنظر معي إلى غزة ؟! ،،
أين ينبوع الضياء الحي الذي تراه لسعة نفسه وترامي ابتسامه متلألئا في طرفي السماء والأرض كأنه منفجر منهما جميعا ،، يأخذ من روح الدعاء فيبتسم ،، ويأخذ من الإنسان فيبتسم ،، ويتناول كل شئ فيستشعر منه ترنح الطرب ونشوة المصير ،،
ويحهم ،، ألا يرون الآلام ترسل دفاقا على أرضنا كماء المطر – وأي مطر – وهي مع ذلك لا تصب من تصيبه إلا قطرة فقطرة ،، كأنه مكتنف من رحمة الله بفضاء واسع يجعله كهذه الأجنحة التي ترسل عليها السماء من أقطارها وهي مع ذلك أبابيل ،، تلبث طافية على الهواء كأنها الأمواج التي يجيش بها البحر أبدا ولا تغرق ،، ولو هي كانت في الأرض لأغرقتها بصقة من إناء مترع بكلمة صادقة وفعل قائم المرساة ،، أوليس في ذلك ما يردف الإنسان شغلا بنفسه الضعيفة مما يذهب إليه في نكرانه وريبته ونفاقه وغباءه إذ ينتحل شيئا من الصمت لينكر الكلمة أو ليشك فيها ،،
لا عليك فلم أبتعد عنك ،،