لا أذكر صوت الرحيل وإنما عدم العودة ،،
هائما في معية الضباب وما زالت الغيوم الرمادية تفجر جراحها ،،
خاملا أكافح التحرك لدر بسمة ضئيلة من بقية شمعة كانت ترطب النفس ،،
يقولون أن الرقص يحتفل بالصمت الطروب ،، فهل رزقي من الدموع فوق قبر حفر على عجل ،، أين أنت يا من كان صدرك بيتي ؟! ،، والحلم يتيم القطر بعد أن كان طهورا للأيام ،، وغسول الشرفة كالمضخات التي تخرج مياه الجوف وترميها في أرخبيل الراحة ،،
بسمة حاذقة ترج نخيل الروح فتتساقط الآهات المطمورة وتصافح صبر أيوب ،،
الحياة قصيرة لكل هذا الحزن فلم الانتظار !! ،،
أتنفس المرارة الممزوجة بالصمت ،،
كشبح لا يتعثر في شئ ،، متصالحا مع ما يحيطني في سكون ممتد ،، أراقب خيوط الضوء المشرقة في مؤخرة عنقي وعيني تبتلع بهاء الحياة ،، أتنفس بثقة ،،
كآبة أشد من لدغة عقرب الماء يدخل تحت الجلد ويستقر في الضلوع ،، تتحول قطرات الدموع إلى ثلج يلامس سلكا مكهربا ،، وأحاسيس تحولك إلى معمل لا ينتج سوى الألم وتصبح في النهاية غرفة إعدام صامتة تنتظر حتفها ،،
فربما دقيقة تسخر غفلة الوقت تكون هي الطريق الذي تمر منه الفرصة إلى ما وراء الزمان ،، فتلحق البعيد بالبعيد من الأبد ،، حيث بها شئ من الأوهام ولو خرجت الروح تصرخ وراءها عدْوا ،،
هدية قلما يعنيني مقدارها ،، أحسبها كما أشاء ولا أذكرها إلا كذكرى شيخ يوم ميلاده ،، هي لي لا للتاريخ ولا للوقت ،، لا أسلمها في يد الغيب إلا مع آخر حلم من أنفاسي ،، أحرص أن تظل واقفة على جسدي قبل أن يبرد أثر القبلة التي انطبعت على القلب ،، لا أثر للموت أو زفرة من زفراته فتصعد متباطئة ،، لا تذهب من الحياة ولكن تذهب بها ،، لذلك كان الليل ساعة وكانت النجوم أرقاما دقاتها صياح ديك عند قوم ونهيق حمار عند آخرين ،،
فرب عمر تناثر مع مرور الموج لا يساوم عليه رمل الشاطئ بنظرة ازدراء أو ضحكة ولدت في يوم رعد قاصف ،، ولحظة لعمر آخر تبذل فيه كل أزمنة التاريخ المجهولة بأنفاسها المعدودة يملأ ذاكرة الزمن الخالية ،،
مرّت ساعة ولحقت بها أختها ،، قال: أوَ ليس ،،،
قاطعه قائلا : دعني من اسم هذا الفعل الناقص وخبره ،، حينما يحرص الزمن ألا يخطئ في حسابنا نتجاهل أن نعترف بأخطائنا ،،
كانت العبارات كزورق ورقي يجعل الكلام في دمي أشد جريانا ،،
صباحات بلا بصيص أمل تجعل الروح في قنوط وكأنك تمشي في حقل من الصمغ ،، المفاصل رخوة والنظرات كسولة والقلب عديم الاكتراث ،،
الحزن يعض ويمضغ بلا انقطاع ،،
وكل ما حولي يؤكد سقوط روحي ،، أتحسس ماء وجهي ولا أرفع بصري حتى أصرخ ،، حاولت أن أغسل قلبي بالنسيان فتحول إلى شلال لا يسيل منه إلا التعاسة ،،
فكيف أبحر الغمام واللعنات تنسكب مع خفق الأشرعة ؟! ،، وكيف أحلق عاريا ولم أرق الجبل بعد ؟! ،، وأين هي موسيقى مأتمي تحفر قبري الراقص ؟! ،،
أيعيد التاريخ نفسه وتكون أنت التمثال الذي يُسفح إليه الشعاع كواطئ ظله في الرمضاء يحسبه الدم بارد ،، فليس من قلب يخفق بالهوى مع قلبك ،، حتى ولا قلبك يخفق معك ،، بلا أدنى شعور بالحياة في هذا الموت ،،
خذيني إليك يا روضة الورود دون هذا الطريق المحتطب الجافي الذي يكاد ظل روحه يجعل العشب الأخضر يابسا ،، وقد قيل بأن شجرة واحدة تصنع الكثير من عيدان الكبريت وعود واحد يحرق غابة ،،
والعقرب الحكيم صغير الخطوات ،، بيد أنه متين لا يقتحمه إلا الموت ،، فلتفعل اللمسات ما تشاء فإنها ما تزال حيث هي بجانب اللدغ هاهنا وهاهنا ،، واللذة محدودة دائما بذاتها ،، فهل رأيت الشوق في الأذرعة ؟! ،، ترتفع الأعناق إلى العناق مغروزة الأطراف حيث تلوح الآهات وتترك الجسد جثة على الأرض متسامية التفاصيل متعالية ،،
لن تجد هذا القلب ولا بين المجانين دون طبقات الهواء ،، فحين ينساب الماء إلى الخلايا يغدو أصفى ،، الكلمات تلتقط شهيقها ،، تعالج خروج البوح في استقامة جملة ممزقة كانت ما بين الدموع الضحلة ،، تأوي إلى جوار الحيرة الكئيبة العائمة قبل أن تغادر لسرقة ما بعيني العقرب لينجو مزارا لمن يعرفه ومن لا يعرفه ،،