منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - بينَ مطرقَةِ التَّعريبِ و سِندَانِ العَولَمَةِ
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-21-2009, 05:32 PM   #1
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

افتراضي بينَ مطرقَةِ التَّعريبِ و سِندَانِ العَولَمَةِ


العالمُ قريَةٌ صغيرةٌ , هكذا هو شعارُ المجالاتِ الحياتيّة اليوم , فمنَ السّياسةِ حتّى التّعليمِ و التّجارةِ و الاقتصاد وصولاً للإعلامِ ..
أصبَحنا نعيشُ في عالمٍ صغيرٍ متواصلٍ يرفضٌ النُّظمَ المُغلقة , و يعاقبها بتأخيرٍ حضاريٍّ قد يمتدٌّ إلى عشراتِ الأعوام .

و على الرّغمِ من ذلكَ تبقى مسألةُ الهويّةِ و الخصوصيّة شُغلَ الأممِ الشّاغل , فلكلِّ أمّةٍ طابعها الخاصُّ المرتبطُ بلغتها و تراثها و تكوينها الحضاريّ و التاريخيّ ..
و هكذا وَجدَتْ بعضُ مجالاتِ الحياةِ و المنشغلينَ بها أنفسهم في دوّامةٍ هائلةٍ ما بينَ المحافظة على ذاكَ البريق الخاصّ و الاندماج في المفهوم العالمّ للعولمة المساير للحضارة و تطوّرها .

كذلكَ الأمرُ بالنّسبةِ للأمّةِ العربيّة , فعلى الرّغمِ من اختلافِ التّراثِ العربيّ و تنوّعهِ ,
إلّا أنَّ اللّغةَ العربيّة بما تمتلكُ من قوّةٍ و حصافةٍ في النّحوِ و الصّرفِ و البلاغة إضافةً لكونها لغةَ القرآن الكريمِ و الدّينِ الإسلاميّ المتكامل ,
بقيَت ذاكَ الطّابع الفريد الّذي يميّزُ الأمّةَ العربيّةَ و أخذَ المهتمّونَ بها يبحثونَ عن سُبِلِ المحافظةِ على تلكَ اللّغةِ من الاندثارِ و التّحوّلِ بدخول مصطلحاتٍ لغويّةٍ غريبةٍ أو لهجاتٍ تخطفُ بريقَ هذهِ اللغة .

مجمعُ اللّغةِ العربيّةِ في دمشق , أحد أهمّ المراكز اللّغوية العربيّة و الّذي تميّزَ منذُ قيام الحكومةِ العربيّةِ في دمشق بعدَ خروجِ الاحتلالِ العثمانيّ , بحرصِهِ على اللّغةِ العربيّةِ من المصطلحاتِ الدّخيلة إضافةً إلى نشاطاتِهِ المميّزةِ آنذاك بتعريبِ التّدريسِ في المدارسِ الّتي كانت تتخذُّ التركيّةَ لغتها الرّسميّة ,
يقومُ هذا المجمع اليوم بإصدار قاموسٍ لمصطلحاتِ الحضارة يتناولُ ما يُتداولُ على ألسنة المثقّفينَ من مصطلحاتِ حضاريّةٍ حديثة .بالإضافة إلى دراسةِ إمكانيات تعريبِ العلومِ و تدريسها في الجامعاتِ باللّغةِ العربيّة , مما يؤدّي إلى الحفاظِ على اللّغةِ العربيّةِ و إثرائها بالعلومِ و الفنونِ .

يدرّسُ الطِّبُّ مثلاً في بعضِ الدّول العربيّة باللغة العربيّة إضافةً إلى المصطلحات اللاتينية و الإنكليزية الّتي رغمَ أهميّتها تبقى على هامشِ التّدريس لتحتلَّ المصطلحاتُ العربيّةُ قائمةَ الأولويّة .
من الجميلِ طبعاً أن يكونَ لكلِّ داءٍ و دواءٍ و عضوٍ أو جزءٍ في جسمِ الإنسان اسمٌ عربيٌّ فصيحٌ , إلّا أنَّ المُشكلَةَ تكمنُ في حصرِ فرصِ الدّارسينَ على الإطلاع على العلومِ العالميّة و الّتي تتخّذُ تدريجيّاً اللّغةَ الإنكليزية أساساً لها ,
و في الطِّبِّ طبعا اللاتينية و اليونانيّة ( في علم الأمراضِ و الأدوية ) ممّا يؤدّي أيضاً إلى تحديد التّواصل العلميّ لمجموعةِ المثقفين العرب مع العالم , الّذي لم يعد من الممكن الانعزالُ عنه .

هذا مثالٌ واحدٌ فقط , لما يحصلُ إزاءَ البدءِ بتعريبِ العلومِ , و ما قد يأتي سيحملُ من الإيجابِ و السّلبِ الشَّيءَ الكثير .

و يبقى للمثقّفِ العربيِّ أن يعيَ تلكَ الايجابيّاتِ و السّلبيات و يتعاملَ معها على أسسِ أهميّةِ الاندماجِ و مواكبةِ الحداثةِ و التّطور من جهةٍ , و الحفاظِ على التّراثِ و إحياءِ اللّغةِ من جهةٍ أخرى .



بانتظارِ آرائكم .

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس