منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الشاعرة شمس نجد والغياب
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-2009, 09:34 PM   #5
محمد مهاوش الظفيري
( قلم نابض )

افتراضي


شمس نجد








تقول شمس نجد في نص " البارحة ... كنت الوحيد "

ياسيدي ... هاااانت
باقي دقايق من عمر ... انزع بها شوك الجراح ...
أودع أحلام السهر ...
واللي صفالي من الدهر
لقد كررت الشاعرة " يا سيدي ... هااانت " في بداية أكثر مقاطع هذه القصيدة ، وهو دليل على سطوة الحب عليها ، ورغبتها في المحافظة على وجود مسافة تفصل بينها وبين المحبوب ، كما سيمر معنا في هذه القراءة ، حيث نجد أنها تحاول أن تصنع بينها وبين المحبوب مسافة لا تريد تجاوزها ، إما خوفاً من الإقتراب منه ، أو خشية اقترابه منها ، أو لأنها تريد أن تراه بوضوح ، لهذا فهي حينما تأتي لحظة الإنصهار واللقاء المباشر ، تلجأ إلى أحضان الطبيعة من حولها وتشغل نفسها في التفكير أو تأمل الأشياء التي تحيطها , وهي في هذا الشأن تنصهر في السياق الإنساني الذي يفرض عليها الإعتراف بحتمية عدم التكافؤ , وعدم النظر إلى المعشوق التي تراه الأخريات في هذه القراءة . غير أننا نلمس هنا دلالات الخضوع الأنثوي من خلال تكرارها الواضح لمفردة " سيدي " حتى في أثناء وقوفها موقف الغضب كما هو في النص . لكن حرارة الحب ظلت مشتعلة في وجانها . رغم وقوفها هذا الموقف ، حيث تقول في المقطع الأخير من هذا النص كتدليل على هذا الموقف الإنساني الداخلي " لا ينشغل بالك تعب " وكأن مفردة " سيدي " لم تمكن الشاعرة من الوصول لما تريد من إيضاح مدى خوفها عليه وحبها له ، حتى في ساعات الغضب واقتراب لحظات الرحيل .

ياسيدي هاااانت
اليوم يعلني السفر ... وبأرحل أنا لوقت بعيد
علاقة الشاعرة شمس نجد مع السفر والرحيل تتجذر معها في رسم ملمح المشهد العاطفي ، بما في هذا السفر من غياب ورحيل وضمور . لهذا فهي يتجاذبها شعوران من خلال قراءتنا لنصوصها الشعرية ، شعور النفور من المحبوب أو إحساسها بضرورة وضع مسافة فاصلة بينهما وشعور الإستغراق في اللحظة العاطفية معه . وفي كلا الشعورين تحاول الشاعرة البحث فيهما عن ذاتها ، في الشعور الأول شعور الإحساس بضرورة وجود مسافة تفصل بينهما نرى أنها في هذه المحاولة ، تحاول تحقيق التوازن الواقعي فيما بينها وبينه ، أما شعور الإستغراق في اللحظة العاطفية والإندماج بلذة المشهد لخلق حالة من التوافق النفسي بينها وبين الحب بالدرجة الأولى قبل المحبوب من خلال هاجس الغياب الذي يعتبر المحصلة النهائية لهذين الشعورين

ياسيدي هاااانت
ولا تسأل أحجار الطرق ... عني أبد
كل الجهات الأربعة ... في ناظري نفس الطريق

الهروب من مواجهة العاشق والإرتماء في أحضان الطريق الذي يمثل الغياب وعدم الحضور ، لأنها ورغم ما بها من حب تجد أن الفراق هو الفضاء الأرحب الذي تحتاجه . لهذا فهي تجد لذتها في الرحيل والغياب . وذلك من أجل تخيل المحبوب والعيش معه بالطريقة التي تريد ، لأن السفر عندها ليس غاية بحد ذاته ، وذلك واضح من قولها " كل الجهات الأربعة .. في ناظري نفس الطريق " فهي تريد الإرتماء في أحضان البعاد من أجل أن تخلق لنفسها مسافة تمكنها من التلذذ بهذا الحب وإمكانية تخيل المحبوب بالطريقة التي تريد .

على صدر بابك
دقيت الجرس ... مرات
يا إنت
هو طوّل غيابك
أو ليلي ... اللي خان
أبطى
وما جابك
لعل جمالية هذا المقطع انه لم يتغلغل في رسم الصورة الذهنية المتصلة بالرجل كمحبوب ، إذ انساب المشهد العاطفي ليدخل في " الليل " باعتباره وجه آخر للخيانة التي تقاذفتها بعض الشاعرات بأشكال مختلفة ، لكن تعامل هذه الشاعرة مع هذه الإشكالية النفسية ، كان تعاملاً شفافاً ، إذ أنها خلعت هذا الرداء وهو الخيانة ، على الليل الذي حرمها من مجيء المحبوب سواء المجيء الحسي المادي أو الحضور المعنوي المجرد , وهي في تناولها لهذه الزاوية أرادت الإنزواء لتأمل الموقف بالطريقة التي تشاء .

في زحمة الشارع ... وقف
طيفك يعاتبني
صورة المحبوب تمتزج بالشوارع ، بعيداً عن أحلام سكون أو تمنيات استقلال الزامل ، محاولة الاندماج بالناس والحياة ، وكأنها تريد المعايشة الفعلية مع الواقع حتى تتمكن من رؤيته بالطريقة التي تفضلها . فعلى الرغم من هذه الرغبة في الإسترخاء بين أحضان الغياب والاندماج في الزحام ، يطل عليها المحبوب من خلال طيفه ، لكن بصورة مغايرة وكأنه استشعار منه وتوجس من غيابها المستمر بين السفر والترحال والشوارع والأرصفة .

في زحمة الشارع
عبر
كل الحنين
امتزجت ملامح المحبوب بالسفر والشوارع والحياة العامة , فهذا التعامل مع الشارع كمؤشر على الغياب والرغبة في الإندماج بصخب الحياة للهروب من لهيب الحب ، إلا أنه يطل عليها بين الفينة والأخرى بأشكال متعددة , من خلال العتب كما مر معنا قبل قليل أو من خلال الحنين كما هو معنا الآن .

طول الطريق
كان الرفيق ... يرسم سوالف عابثة

ثم تقول بعد هذا الكلام من نفس النص الذي يحمل اسم " طعم الشوارع غير "

وابلا وعي
أرجع أقووول
بالله عيد السالفة
وعيوني باقي معلقة
على الشوارع غافية
هنا تختلط الأرصفة بالحب والشوارع بالمحبوب ، كمؤشر على تعلق الشاعرة بالواقع أكثر من انسياقها وراء اللحظة العاطفية . فهذه المحاولة للهروب من الإستغراق في اللحظة الإنسانية للحب في مسألة التواصل المادي أو الروحي مع المحبوب , واضحة في هذا المقطع ، لهذا تلجأ الشاعرة شمس نجد إلى تأمل الأجزاء الجانبية للحياة , سواء الأرصفة أو الشوارع أو إشارات المرور كما هو في النص ، حيث تقول في نفس هذا النص .

في ضجة الشارع
كانت إشارة
تمنحه بعض الثواني .. من نظر ..

غير أن هذا المشهد لتأمل الأجزاء الجانبية للحياة ، لم يقتصر على هذا النص ، فهو موجود في العديد من نصوص الشاعرة الأخرى , وكأن الشاعرة بهذا الإنشغال لا تريد النظر إلى المحبوب بعيونها بشكل مباشر . وهي بهذا الإجراء تتهرب من الإستغراق باللحظة العاطفية ، لتنأى بنفسها عن أي سياقات عاطفية أخرى من أجل تصوره وتأمله بالطريقة التي تريد .

وبصوته المتعب يصيح
طعم الشوارع غير

ينتقل الإحساس بالغياب من الشاعرة إلى المحبوب في محاولة من الشاعرة لمزيد من التغلغل بالموقف ، وفي هذه الحالة أرادت دخوله هنا من أجل أن يشعرها بالأمان بعد كل هذا الشتات والغياب ، ليعلن لها من خلالها رغبته بها ، في الوقت الذي هي تريد ذلك .

نخفي ملامحنا كثير ..
ونختفي ..
خلف الستار ..
والخوف يقتلنا كثير ...
لا ننتهي
بين الزحام
وما بيننا ... صمت طويل
ما ينتهى .. مثل الحصار
استمرارية الغياب تتواصل ممتزجة بحب الإنطواء خلف المجهول , من أجل رؤية الواقع ، بما في هذا الواقع من خصوصية ذاتية للشاعرة ، تتعلق بتأمل المحبوب . إنها تتعامل مع الغياب من باب الفعل " نخفي " وردة الفعل " نختفي " ليتشكل لها المشهد العاطفي بطريقة تواصلية " لا ننمحي بين الزحام " وأن كل شيء فيما بينهما " ما ينتهي مثل الحصار " إنه الاستغراق في اللحظة في لحظة الغياب ، هنا يتمازج كل شيء بكل شيء ، الملامح بالزحام والصمت بالحصار . في هذا الكلام رغبة في التغلغل والإستغراق في اللحظة العاطفية من خلال تقمص الهم الإنساني والمعايشة الآنية المتواصلة مع الحب والتلذذ فيه .
إنها تحاول رسم صورة للبعد والفراق بطريقة شاعرية جميلة خالية من التشنج والعويل العاطفي المدوي , فالشعور بالغربة جعل الشاعرة تبحث عن الحياة في أحضان الغياب من أجل الإستغراق باللحظة العابرة في تأمل المحبوب , فالشاعرة هنا كما في العديد من نصوصها تحاول الإستمتاع بالحالة الإنسانية الوجدانية من خلال الإستغراق في الغياب والإنغماس الذهني والنفسي فيه ، لتصنع لنفسها العالم الذي تريد ، وهذا الموقف سيمر معنا بعد قليل ، حينما نقف عند تعاطي الشاعرة مع الشعر باعتباره وجه آخر للغياب في هذه الحالة .
كما شاهدنا في هذا المبحث اختلاف تعاطي الشاعرات مع الشعر حيث كان لسكون توجهها الخاص بها , الذي اختلفت عنه بلقيس ، أما الشاعرة شمس نجد فلم تكن في منأى عن هذا التعاطي وإن اختلفت الأساليب حيث تقول الشاعرة شمس نجد في هذا السياق

في ليالي البرد
كل القصايد تكتمل

ثم تقول في مكان آخر ، لكن من ضمن هذا السياق

يا كيف أنا ...
أنسى الشعر
وأنسى ... كتابات الفجر

غير أن هذه الحالة التواصلية مع الشعر تستمر مع الشاعرة في هذا الإطار ، حيث تقول في مكان ثالث من فضائها الشعري

ضاع الحبر ... في داخلي
وأمسى الورق ..
كله بياض
المتأمل لهذه المقاطع الثلاثة في الكلام السابق , يجد أنها تشترك في عنصرين مهمين لهما علاقة بالغياب الذي تناولناه في معرض حديثنا عن علاقة الشاعرة شمس نجد مع الرجل كحبيب وكمعشوق .
العنصر الأول : عنصر الشعر الذي جاء في هذه المقاطع بأشكال مختلفة ، غير أنها تدور حول المحور الأساس لموضوع البحث المتصل بتجربة الشاعرة الذاتية ، حيث جاء مرة من خلال إيراد الشاعرة لمفردة " القصايد " كما في المقطع الأول ، ثم تحور هذا المفهوم في المقطع التالي إلى " الشعر " أما في المقطع الثالث والأخير جاء من خلال عبارتين الأولى " الحبر " والثانية " الورق " وهي – أي الشاعرة – في كل هذه التحويرات كانت تعني به الشعر الذي يسكنها ويمنحها التواصل عبر هذا الغياب ، فحينما يستعصي عليها وصف حالتها العاطفية تلوذ بالشعر ، لأنه عالمها الطيع الخاص بها ، الذي من الممكن السيطرة عليه وتوجيهه وفق الطريقة التي تشاء ، إلا أنه من هذه الزاوية متصل بعنصر آخر اتصالاً مباشراً وملازماً له ، وهو يتوافق مع العنصر الأول ضمن هذا السياق .
العنصر الثاني : عنصر الليل ، إذ ارتبط الليل بالعاشقين وتلازم العشق مع الشعر ، حيث أن الشاعرة أتت بهذا العنصر بأنواع مختلفة كذلك ، فقد جاء في المقطع الأول بصيغة الجمع " ليالي " ليتناغم مع " القصايد " التي جاءت بصيغة الجمع هي أيضًا ، ومن مفارقة الأشياء أنهما كلاهما جمع تكسير " ليالي – القصايد " ولعل في هذا التوافق علاقة بالغياب الذي يمثل انكسارًا نفسيًّا ورغبة في الإنزواء ، ومفردة " ليالي " جاءت مقترنة بالشتاء كدلالة على السكون والهدوء اللذين يشعر بهما المرء بحتمية الإستسلام للغياب ، ثم جاء في المقطع الثاني من خلال مفردة " الفجر " والفجر آخر مساكن الليل وأول درجات النهار ، وفيه شيء من الظلام والهدوء والسكينة ، ثم جاء المقطع الثالث من خلال الفعل الناسخ " أمسى " الدال على الليل .
في عودة لقراءة أو تأمل الكلام السابق ، سواء المقاطع الثلاثة أو الكلام المبسوط بعدهما ، نجد أن الشعر والليل يتوافقان مع السكون والهدوء والشعور بحميمية الغياب ، فالشاعر او الشاعرة لا يأتيه الشعر في الغالب إلا في هذه الأوقات ، حينما تخلد الأشياء من حوله للراحة ، والشعر له علاقة بالغيبوبة التي تختلف درجاتها بين شاعر وشاعر ، والليل لا يستطعم الإنسان جماله الروحي والنفسي إلا في لحظات الهدوء والسهر مع الشعر أو مع الحبيب بعيداً عن صخب الدنيا .
من خلال ما سبق نجد أن الشاعرة كانت تتلذذ بالغياب , وإن حاولت الإفلات منه في بعض المرات إلا أنها تستمتع بعدم رغبتها بالوصول ، وتلذذها بالسير ، لهذا فهي لا تريد الإتصال بقدر ما تعشق التواصل ، سواء في تعاملها مع الشعر أو في تعاطيها مع المحبوب ، ولعلها عبرت عن نفسها خير تعبير كما في نص شعري لها بعنوان " الوقت ساكن " لكن بشيء من الومضات , ومن خلال بعض هذه الومضات نستطيع اكتشاف نفسيات غائرة في العقل الباطن ، حيث تقول الشاعرة

يا ليتنى كالطير
ثم تقول في نفس هذا النص ولكن بمكان آخر

يا ليتنى سهيل
ففي كلا هذين التمنيين المقرونين بالحرف الناسخ " ليت " الدال على التمني ، إلا أنه تمني قاصر غير منطلق ، فالطير مهما ارتفع فإن مصيره السقوط ، وكذلك سهيل الذي لا يخرج إلا في فترة معينة ولا يصل إلى هدفه المنشود كما في الأساطير الشعبية " فزعة سهيل للجدي " الذي يختفي بعد أن ينتصف به الطريق ، وكلا هذين التمنيين تعبير عن رغبة الشاعر بعدم الوصول والإتصال المباشر ، وإنما هي تتلذذ بحميمية علاقتها مع الغياب ، وهذا التمني له علاقة غير مباشرة بموقفها العام في علاقتها مع الرجل كمحبوب ، إذ أنها لا تحبذ الإستغراق في الحالة الوجدانية بقدر ما تستمتع من رغبتها بوضع مسافة تفصلها عن الأشياء لتتمكن من رؤيتها من خلال تدثرها بالغياب .

 

محمد مهاوش الظفيري غير متصل   رد مع اقتباس