وقد يكون هنالك ما يبرر التفاؤل ،، ويدعو إلى الاطمئنان ويهزأ بروح التردد والهزيمة ،، وفيما بين الكلمة والصوت تتفجر الشكوى وأسباب التمرد ،، ثورة متواصلة بين الرضا والسخط ،، لذلك عرفت الأشواق الشمس كما عرفت الفناء ،،
ويبقى سفر التدوين وحده لا يسلم نفسه للماضي ولا يأمل خيرا في دياجير المداد الجافة ،، ورويدا رويدا ،، في أعقاب إفاقته الغرق راح يتكلم عن ورقة ندية بعيدة المدى ،، والبسمة تستعيد نشاطها المألوف ،، والوصايا واجمة متحفظة أغلب الوقت ،، تصغي إليها عيون الليل بلا مشاركة ولا اندماج ،، تتبدى كالنهايات أكثر جدية موغلة في الكبر ،، وهكذا وهكذا وهكذا ،،
تقتحم كل شئ ،، زوابع من الانفعالات دون مبالاة بشئ ،، إلا ما يمليه الوجدان وتتطلع إليه الأحلام ،، والأحزان تهز رأسها صامتة كأنما لا تدري ما تقول ،، كمثل حي لما كان هدف إنساني قديم للإبحار في خيمة ،، ولكن كيف تنجو بفعلتك ؟! ،، فلا تصدق ما قيل وما يقال ،، كهذه الحفر في شارع صاري ما هي إلا شعارات سياسي ماكر ،، بخلاف البحر السرمدي الأفق الذي لديه من الأمثلة ما يؤيد أن المرجان صديقا للقمر كما أن الريح معبودة الأشرعة ،، يتغير كل شئ ولا تتغير الوجوه فمتى ستفتح هذه الإشارة البغيضة ؟! ،،
كأن تهرب إلى الأعماق لتتحسس منبع الوجود بين أحراش التيه فلا تتجمد الحياة في العروق ،، يستوي الماء كصبية تجلت ملامحها ،، تسير فتجذب الأنظار وتحرك الأشواق وتلهب المشاعر ،، وها هي الأحلام تتبدد ويموت كل شئ ،،
ويسأل الخيام :
" أسجنا ؟! ،، فلا زال شدوي حرا ،،
وأنت معي خلف طرا ،،
هم والجهاد وتلك الجنان ،،
بحسبي وإياك فردوس أخرى " ،،
طحنتنا أزمة الدروب وتخبطنا حيارى طويلا ،، وأحاطت بنا دوائر مغرية للتجديف وأبخرة تجري من حولنا ،، والأنفاس تحتوي الشهد في عناق حار ولكن الأنفس مريرة ،، ويقول الصوت في ارتياب : ثق بصمتي ،،
إلى أي درجة يعتبر هذا الهاتف هاتفا بأهازيج الراحة ؟! ،، ومع ذلك يهب مناعة بخلاف ما يتصور الغياب ،، ففي الانتظار يجتاحنا الضياع فيهتز البناء من أساسه ،، ورنين القلق يتخطى تقاليده بكل عنف ،،
قابلت صديقي في المقهى ،، يصغي إلى كوب قهوته متظاهرا بالتصديق ولكنه لا يؤمن بكلمة واحدة ،، فاتتني فرصة إقناعه بالعدول عن هذا المكان الصاخب ،، وكمشاركة منى صرخت : كيفك ،،
فقال : تأخرت ،،
قلت : حدثني عن احتضار اسهمك فإنه سيحملني على اعتناق أراء جديدة للحياة ،،
فقال متحديا : كأقوى ما يكون ،،
قلت : تصريح محافظ ؟! ،،
ضحك طويلا وقال : أنت عابث ولا حق لك في الإطلاع على أسراري ،، ألن تأتي معنا في الغد ؟! ،،
فقلت : سأشاهد البحر من هنا ،،
قال : دعني أصفه كما أتخيله ،، كلام نضب وفلسفة اختصرت وطرب يمضي بلا أثر ،،
فقلت : مت بغيظك ،،
نترنم بالأهازيج والغرام أبكم ،، نطارد التيه والوجد شارد اللب ،، الخطوات حذرة والعمر بليد ،، وبمرور الأيام تغيب وجوه ،، ويستمر الحال لا يكاد يتغير منصوبا دائما كالرمح في أقاصي الشعور ،، وفي تاريخ متأخر نسبيا تتهيأ له الأحداث المتفجرة فيثمل من كأس القلوب ،، بلا فكرة عن متى تنقشع الظلمة أو متى تبعث الحياة في تلك الجثة الشاملة ،، والإنسان يتحايل على الصبر إذا تخطى حدوده ،، يتوثب لطرح أقدامه باستهتار يستوي أن يعدها السهر قوة أو يأسا ،، لا عودة إلى الوراء ،، وليأت الغد برسائل شوقه إذا كان مقدورا له أن يأتي ،،