....
...
..
.
البدايةُ المُتْرَعةُ بالبَحْر.. التقينا كأجملِ سنونُوَتيْنِ مرّتَا على رذاذ.. عند بوابةِ العُبورِ إلى النادي السّياحِي.. أمْلأُ الأماكنِ بالوجوهِ والعابرينَ والصافّين أثقالَهُم على مدِّ الأرصِفَةِ والمسارِب .. النّوارِسُ غادَرَتْ المَساء فنَحْنُ هُنا، نَقومُ بِطُقوسِ الرّيشِ جميعِها.. بَحْرٌ يفْصِلُ العالَمَ الخارجِيّ عنْه بابٌ مؤصَد.. وكَراسٍ مُبَعْثَرةٍ حولَ طاوِلاتِها وجِرارِ الفخّارِ تَحمِلُ أشجارَ الزّينَةِ، كُلّهم تتـبّعوا خُطُواتِنا المَمزوجَةِ بِبعْضِها نحوَ موجِ البَحر، هذا الكائِنُ العَظيمُ المُستَوْحِشُ المُتَوحِّدُ مع الذاتِ المائيّة.. يَفيضُ عناؤُهُ فينفُثُ أمواجًا تُلطّفُ أحزانَنا وتُغنّي لنا على رشْفِ الحَنين مواويلَها المُبْرِحة.. لمْ نكنْ وحدَنا هنا، فذلِكَ الزّورَقُ المركونُ على كتِفِ الشاطِئ، وتلكَ الكراسي المُتَمدّنَةِ جدًّا.. جميعُهم انتَظرونا في لحظَةِ التِصاقِ الحُلْمِ بالحقيقة، جِئناهُم في احْتِفائيةِ الماءِ بالرّيح.. نبحثُ عن وَطَنِ المَوجِ وأسباب التكوين، نسألُ الحُبَّ عن أسرارِ هذا الدّيدَنِ الوحيد.. الهواءُ يداعِبُ خصلات أنْفاسِنا الباحِثَةِ عن بعْضِها.. وعينانا.. آه من عيْنـيْنا.. كيفَ تَتحدّثُ بجدارةٍ بالِغَةٍ تتصاغَرُ أمامَها تعاويذُ الحُروفِ.. ها إنّنا نلتَقي أكثَرْ.. صوتٌ ما أيْقَظَنا.. الفخّارُ يتكسّرْ!.. الرياحُ تزمْجِرُ.. تَعصِفُ.. تهدِّدُ.. تَقتَلِعُ الأشجارَ.. نَتـشَبّثُ بجذِعِ اللّـقاءِ.. نسْتَنِدُ إليْنا.. نَرْكُضُ وسْطَ العاصِفَةِ بحْثًا عن البابَ المؤْصَد، لندخُلَ عالمَ البَشَرْ من جَديد.. ها قّدْ وصَلْنا.. ( اطّمّنِي انا وياجْ) أتَشَبّثُ أكْثَر، فلَمْ يعُدْ لي طاقَةٌ على الخوْف.. انكسرتْ لحظةُ الانْبِعاث بعاصِفَةٍ لمْ تُمهِلْنا دقيقة.. وبعثَرَتْ أوراقَها في وجْهِ الرياحْ.. تَحاضنّا عندَ أوّلِ قطرةِ أمان.. وانزوَيْنا إلى رُكنٍ ذلكَ المطعمِ في شارِعِ خليفة.. وأدفَئِ زاويةٍ للحديثِ، ها نحنُ نُعيدُ الكَرَّةَ ونبْحثُ عنْ مكانٍ آمنٍ للحُبّ في بِلادٍ تعتَـقِدُ أنّ الحبّ هوَ (العدوُّ فاقْتُلوه).. لم تَكُنْ "البيتزا" لذيذةً في كلِّ مرّةٍ كهذِه.. أطْعَمْنا أرواحَنا الجائِعَةَ إلى رغيفِ عَطْفٍ وامتِثال.. وها هو الجَسَدُ يمتثِـلُ لنِداءِ الطّبيعةِ في انْعطافِ الروح.. حانَتْ لحظةُ الابْتِعادِ (الحسّي) لتَشتَبِكَ الأرواحُ مُغادِرَةً إلى مكانٍ واحِدٍ بعيدًا عن أضواءِ المدينة.. لمْ تغفو ليلَتي إلاّ على صدرِكَ.. واستجابَتْ لها أنْفاسي وغطّّتْ في نشوَةٍ ثمِلَة..
.
..
...
....
زينب ......