....
...
..
.
"
عيّشني الدنيا
غرقني حنية
خلاني أرمي الهم
ورا ظهري مولية
!
"
رذاذُ هذا المساء يملأُ الأنفاس.. الواجهةُ البحريةُ الخلفية لقصرِ الإمارات، تأسِرُ العيونَ بالنّظرِ إليها، الأمواجُ تُمَشّطُ السّاحلَ بدلالٍ مُفرَطْ، والدراجاتُ المائيةُ تقطعُ خلوةَ الأمواجِ بمَساراتٍ سُرعانَ ما تَتَقلّصُ إلى أعماقِ البحر.. والصّخورُ تَعالَتْ على رصيفِ هذه الجِهةِ واتّخذتْ منْ القُضبانِ الدّائريّةِ البَيضاء تاجًا على جَبينها، ونحنُ هناك وقفْنا على ضِفّةِ الغُروبِ المقابلة.. ووقَفَتْ بجانِبنا فَوانيسُ الحشيشِ تستضيء بكوكبنا ، ورشّاشاتُ المياه تآزِرُ رُطوبةَ الجوّ في إمعانِ الماءِ بالطقس.. وقفْنا نتَبادَلُ الأصابعَ والتّنَهّدات.. وسرنا نَتَلّمََسُ الوَفاءَ في صدورنا،
- تعالْ ننط تحت؟
- وين ننط الله يهداج.. الرصيف أطول مننا
- عادي.. بحملك وتحملني
- هاهاها.. لا حلوة انا بحملج بس انت شو بتسوين؟
- انا بسحبك..
- يلا حبي نمشي لما يقصر الشاطي بننزل.....
سرنا نبحثُ عن رصيفٍ غيرِ مُبلل يستقبلُ خطواتنا .. لنذهبَ إلى مساربِ السّياراتِ فنعودَ أدراجَنا إلى حيثُ أولِّ حبةِ رذاذٍ سقَطَتْ على وجوهِنا هذا المساء، افترشْنا بسِاطَ الحَشيش المُتمايِلِ مع النّسائم، وثمةَ آخرونَ يطوفونَ حولَ المكان، كلٌّ ملأتْهُ دنياه وتفاصيله، وأصواتُنا تَعلو بالضّحك على تِلكَ الفَتاةِ التي رأتْ القطة تستجديها العطفْ.. كانتْ القطّةُ مليئةٌ بالوحشةِ والحزن، تبحَثُ عن يدٍ تمْسحُ يُتْمها.. فكنّا نحن كذلك، (شكشكشكشكشك) ناديتَها، فجاءتْ كأن لم تلتقِ بحياتها من يناديها، وبصوتٍ ناعم مليء بالاغتراب ( مياو مياو مياو) كانتْ يدكَ قدْ سبَقتْني للتّحنانِ عليها، ثمَّ أخذتُها بين يديّ، في حينِ ذهبتَ أنتَ تبحثُ لها عن طعامٍ يسُدُّ جوَعها.. في هذهِ الأثْناءِ انْقضّتْ على يديّ بكلِّ وحشية وعضّتْها عضّةً مسعورَة، ارتعشتُ وارتختْ يدِي في تنْميلَةٍ غريبة، وحرارةٍ تسري إلى دمي.. أناديكَ بألَمٍ، لم يكنْ ألمَ الجُرح، بلْ ألمَ قلبي الذي مدَّ يديْهِ للتّحنان عليها، فجازتهما بعضّةٍ لعينة.. انحفرتْ بقلبي حزازةُ عتابٍ عليها.. أيُعقلُ أنْ يَعض الحيوان يدًا امتدْت له بالرّفق، تمامًا كالبَشَرِ الجاحدين؟ أخذتْني إلى أقْرَبِ عيادةٍ لنتمكّنَ من السّيطرةِ على ذلك الانْتفاخِ الظّاهِرِ حولَ حُمرةِ الجرح.. كانَتْ عيناكَ تمنَحُني الأمان، والحرص، والاهتمامَ البالغَ الحُبّ.. وقبضةُ يدِكَ تُزيحُ همّي..كنتُ سعيدةً لحظتها بألمي، لأنه أوصَلني إلى خوفك عليّ كأنْ لمْ أشقى بحياتي.. غمرتَني يا قلبَ الله في الأرضِ بحبّكَ الشّاسع، حتّى أنّ الممرضة غارَتْ من عطْفِك..
.. She is not baby.. why u afraid?!!!!.. she can come alone to the doctor…
وأنتَ تعبثُ بسَمّاعَةِ الطّبيبِ المُعلّقَةِ هُناك وتُحاوِلُ سَماعَ دَقّاتِ قلبِكَ من ( رزغك)....
- طلع ما عندي قلب ! ما اسمع شي..
وتقفُ على الميزانِ ومقياسِ الطّول، وأنا أضحَكُ بابتسامٍ على طُفولتِكَ الواضِحَةِ في تلك اللحظة.. كأنّكَ تَقْضي وقتَكَ ريْثَما تُنْهي الطّبيبةُ وصْفاتِها التّي (زادت عن حدها)..
خَرجْنا من هُناك ويداكَ تحتويني.. وصوتُكَ الرّخيم يزيدَني انْسجامًا بهذِهِ الحياة الكبيرة..
- ديري بالج.. ديري بالج عدل حياتي..
- حاضر يا عمري.. عشان قلبك بس.. بـدير بالي..
..
...
....
زينب.....