هذه مجرد فضفضة تستطيعون حتماً تجاوزها .!
اليوم كـان جميلاً جداً ، شهورٌ طويلة مرت علي دون أن أتنعم بالصباح و مشاويره العادية بالنسبة للجميع الغير عادية بالنسبة لي ، فأنا أعشق مشاوير الصباح و إن كانت ليست بذات أهمية كبيرة ، ذاك أنني أستطيع رؤية كل شيء كما هو و بوضوح ، الوضوح المستمد من انتشار ضوء الشمس و انقشاع جنح الظلام و زوال آثار النوم / الليل ..
ما دعاني لأن أستيقظ صباحا برغم أنها الجمعة و على غير العادة التي لا أستسلم لليقظة فيها حتى يمل مني النوم ، أني شعرت بما يداعب أهدابي ما أثار استغرابي حيث أن أبي ليس هنـا ليوقظني بلطافته المزعجة المحببة لدي ، بل يتمتع بأجواء اليمن بعيداً عني . فتحت عيني ، أشعة الشمس على استحياء تخترق ستائر غرفتي و تشاغبني .. حسناً إنها الثامنة و النصف .! لأنهض ..
شيء جميل أن تبدأ يومك بذكر الله . راودتني في حينها فكرة و هي أن أخرج و صدقاً خرجت ، كل ما دار في خلدي بعد التاسعة و النصف بأن المهم الآن هو مفتاح سيارتي و محفظة نقودي و نظارتي الشمسية و جوالي فقط لا غير ، حسناً أنا لا أحتاج لحقيبة .. ارتديت عباءتي على عجل و خرجت .. صادفت الخادمة في طريقي وهي عجوز طيبة و لكنها تسأل كثيراً كثيراً ، و لكي أتفادى أسئلتها التي لا نهاية لها باغتها بـ : أنا ذاهبة ، إلى اللقاء .!
الفكرة هي أن أفاجئ أسرتي بوجبة فطور على غير عادتهم ، ستكون جَمْعَة جميلة لا تتكرر إلا فيما ندر ، فوجبة الفطور غير معترف بها في منزلنا ..
خرجت .. حارتنا بكل مافيها مستسلمة للنوم حتى الآن ، حتى القطط لا أثر لها .! أمرٌ غريب .. ابتعدت و دخلت السوق ، دعوني أعترف بأمر ، أنا أعاني من وسواس قهري مقيت ، تجولت كثيراً حتى أجد محلاً يفتح النفس و لا يشعرني بغثيان ، ثم ما الذي يمكنني أن أبتاعه من أجل هذه الوجبة و ما هو الغير دارج .؟ أنا مللت التكرار . في غمرة تفكري كنت أرى بأن السوق مليء بأجناسٍ كثيرة فاليوم إجازة و اليوم جمعة أيضاً .. هل كلهم مثلي يحاولون اعداد وجبة فطور .؟! كان بودي لو أن محل الحلوى كان مفتوحاً لأبتعت حلوى حمراء طازجة ، ستكون حتماً وجبة دسمة ، و لأن اقتران وجبة دسمة بحلوى أمر غريب سأخبركم كيف ارتبطت هذه بتلك .. أسالوا أهل البحرين القُدامى عن هذه ، كانو يطعمون أطفالهم في أيامهم العجاف خبزاً و حلوى أو خبزا و سمناً و سكر .! و بالرغم من أن أبي لم يتجاوز السادسة و الأربعين إلا أنه أُشبع من هذه الوجبة الدسمة ، كانت وجباتٍ لذيذة على حد قوله ، ولم نكن نعلم حقاً أنها لذيذة حتى تذوقنا الخبز محشواً بحلوى بتزكية من أبي لها ، ووالله إنه لصادق و كلما كانت الحلوى طازجة ساخنة قابلة للتشكل كلما كانت ألذ و أطيب ، و الخبز أيضاً لابد أن يكون كذلك .! أما الخبز محشواً بسمن و سكر ، فلا أعلم كيف كانو يستسيغون السمن ، لا أعلم .!
ترجلت لأبتاع خبزاً ، حيث كان المكان مكشوفاً و أنا لم أعتد أن أِشتري الخبز أصلاً ، شعرت بأنه من المخجل أن أقف هناك فاكتفيت بأن وقفت بعيدا عنهم و أشرت للخباز بأن يصنع عشر حبات رافعة أصابع يدي و وقفت حيث أنا ، كنت بعيدة جداً أكادُ لا أُرى و احتميت بإسطوانة كبيرة تركتها عن يساري فالهواء كان يأتي من هناك و يزعجني . أخذت أراقب يد الخباز وهي ترق عجينة الخبز و تقلب فيها قبل أن تقذف بها بداخل التنور ، حسناً لآكل ما رأته عيناي لابد أن أركن الوسواس شمالاً ..
أتى كثيرون يطلبون الخبز و يستلمونه و يذهبون و أنا لا زلت أقف هناك ، أنتظر .. لا أعلم لم كنت مُستمتعة بانتظار دوري المؤجل مرات و مرات .. و لم أقترب ، لا أخفيكم سراً كنت أفكر في حينها في كثير من الأمور و تساءلت أيضاً ماذا لو علمت أمي أني وقفت هنا و جئت لأشتري الخبز وحدي .! و أخيراً ، جاء الخباز بالخبز إليّ أخذت الخبز و أعطيته نقوده و انصرفت ..
حسناً حضرت وجبة لا بأس بها لم تكن الحلوى أحد محتوياتها ، أيقظت الجميع .! تودون معرفة ما قالته أمي بشأن احضاري الخبز .؟! لا تسخرو مني فأنا كنت فقط أحاول أن أفرحهم و أصنع شيئاً مختلفا لهم اليوم ، قالت : و هل مات الرجال ، لم لم توقظي أحدهم .!
لا بأس ربما كنت أستحق قليلا من قسوة ، و لكن الوجبة كانت جميلة و ممتعة ، إذ إلتم الجميع حول المائدة و توالت الضحكات و كَثُر الحديث و [ غَيْرنا ] .! لم ينقصنا سوى تواجد أبي بيننا ..
.
.