كان يومُ خريفٍ لندني مَاطرا
والريحُ تسكنهُ
أحملُ كُتبي خَارجةً من المكتبةِ الكبيرة في أكسفورد سِيركل
مظلتي تُعاند الرِيحَ والمطرَ وأنا ..
وتنكسر !!
أسمعهُ في أذني:
!join us love
زميلُ دراستي الايرلندي وصديقته
ومظلتهما العائلية 
يتسابقُ الجميعُ لــ ركوبِ الحَافلة
أجلسُ في أولِ مقعدٍ أجده فَارغا
كانت أربعينيةَ المَظهر
يتشحُ جسدُها بـــ لونٍ برتقالي يُضاهي لونَ شَعرها ويعكسه لباسها الشرق أسيوي عليها.
بَشرتُها بُرونزية صَافية إلا من بعض سنينِ العُمر الظاهرة على ظاهر يدها
حين رفعته تضعهُ في حضنِها
كيسا قماشيا مطرزا بـــ نقوشٍ وكتاباتٍ صينية
تدسُ يدَها فيه ومسبحةٌ طويلة شَواهدها كثيرة
عادةُ غربةٍ أتخذتُها صديقةَ أنْسٍ لي 
أسبحُ بــ صوتٍ مَسموع
وأهللُ بـــ صوتٍ يسمعهُ الجالسُ قربي
عله يسمعها أخٌ لي يسكن هذه البلاد ... فـــ نشعر بها الأخوة : دفء
لا إله إلا الله قلتها وأنا أنظر إلى الخارج من النافذة بــ جانبها
وقبل أن أكملها قالت هي: محمدٌ رسول الله وعيسى وموسى رسولا الله
قالتها بـــ لكنة غربية واضحة وبــ عربية تتشتتُ في شرود عينيها وأنا ألتفت إليها مبتسمة
بادرتها ومازالت ابتسامتي فرحة بها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان ردها كــ التردد في عينها: مساء جميل
أنتِ مسلمة ؟! كان سؤالي المُباشر لها
قالت وهي تنظر إلى يدها في كيسها تقبض على مسبحتها: أبي مُسلم ..
وأكملت قبل أن أُعلق :أنتِ من الخليج ؟
من الإمارات .. كانت اجابتي التي جعلتها تبتسم وتقول بــــ تلقائية وبـــ فرح القابض على مساحة من الماضي الجميل تبتسم له:
قضيت سنوات عمري العشر الأولى في أبوظبي .. وبعدها غادرتها ووالدي وأخوتي إلى هُنا.
قالت جملتها الأخيرة بـــ تعب خائفٍ وإبتسامة إنجليزية صفراء
أثار حديثها شجني وأثارت عروبتي حنينها
وتقاربنا كلمات عن وطن:
قرر أهلها حين بلغت السابعة عشر العودة إلى الوطن
وقررت هي البقاء هُنا بـــ إنجليزية الجنسية التي إكتسبتها
وبقيت
فاجأتها مقاطعة حديثها عن حرية الفكر لديـــ هُم:
مازلتِ مسلمة كـــ أبيكِ !
أحب محمد وعيسى وموسى وكل الأنبياء
وأتبع تعاليم كريشنا
مارست إستغبائي الذي أحب:
ومن هذا كريشنا؟ نبي جديد ؟
لم تستغرب عدم معرفتي به
وبدأت في سرد مناقبه وروحانية أفكاره وكيف أنه يهتم بـــ الإنسان فينا وبـــ نفسه وروحه وكيف أنه يقدس الروح ويعتبرها هي ما يرقى بنا ويميزنا.
صمت طويلا وأنا أسمعها تخبرني عنه بـــ كلمات الباحث الذي يحاول أن يُقنع وعيه قبل الوعي الآخر.
ما الفرق بين كريشنا ومحمد؟
كان سؤالي لها وأنا في شوق أن أعرفها أكثرها.
كلهم بشر
جوابها جاء بـــ تلقائية الباحث عن ما يريده فقط : التساوي في بشريتنا
وما الفرق بين الاسلام ودين كريشنا ؟
وجدتُ سعادتي مع أهل هذا الدين ... جوابها قتلني
وكأنها لم تجد سعادتها فيما كانت عليه
وكأنها كانت تعيسه
وكأنها لم تكن راضية النفس ولم تجد الهدى فيما كان لها
وكأنها كانت بعيدة أو ضائعة أو مُهملة !
إبتسمت وأنا أقول لها:
لماذا لم يعجبك الاسلام وتمسكتي بـــ كريشنا ؟
نظرت إلى مسبحتها التي كانت تخبؤها في ذلك الكيس :
عرفت أشياء كثيرة .. وتمسكت بـــ أديان أكثر
وكلها رفضتني أو رفضتها إلا كريشنا أحتوى الانسان في !
هل قرأتي عنه؟
كان سؤالها لي هذه المرة
قرأتُ عنه أشياء روحانية كثيرة جميلة وجدتها كلها في الاسلام وزيادة فـــ تمسكتُ بـــ ديني أكثر
أجبتها لـــ أغيض التردد يسكنها علها تجمع الشتات وتقوله لي أو تواجهه في ذاتها
قالتها بـــ سرعه وهي تقف من مقعدها:
أحبه كثيرا .. يجب أن تقرأي عنه أكثر
وسعت لها الطريق لـــ تخرج من مكانها وأنا أردد:
ســـ أقرأُ عنه بـــ شرط أن تقرأي عن الاسلام ومحمد بـــ عقلك الواعي !
قالتها وهي تهم بـــ خروجها من الحافلة:
إتفقنا !
أشرتُ إليها أودعها من النافذة وأنا في مقعدي وهي تسير إلى ما تسير إليه ..
وغابت عن عيني والحافلة تسير بنا إلى محطة قادمة
بعده .. وفي يوم زرت مركز كريشنا الكبير في جنوب لندن
كنتُ أبحثُ عنها في جملة سؤالي عن دروس اليوجا التي تُنظم في ذلك المركز
ولم أجدها
اللهم إهديها رشدها
ولا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا