كُن سعودياً ،
عندما تجلس في الصباح الباكر وتشرب الحليب الساخن ، وتخرج من بيتك بشوشاً وتحاول الابتعاد بكل ما يمكن عن أي شيء يغضبك وعن أي شيء يَستفزّ أويحرق مشاعرك الهادئة والصباحية ، ولكن هذه الفرضية باتتْ معدومة في قوانين الصباح السعودية بالشوارع وأثناء الذهاب للأعمال ، فما يُقارب أكثر من 200 حادث يومياً فقط وفقط في مدينة الرياض هذه الأيام !! وهذا خلال الساعة والنصف الأولى من الصباح الباكر ، وهو عدد بلا شكّ هائل ومحرّك لمشاعر العاقل .
ولا زال السعوديّ مُتجهّزاً للخروج للعمل وبكلّ أريحيّة ، وفي أثناء الذهاب لعمله يُفاجأ أنه يقف بالنصف ساعة في الطريق السريع ، ولا يكاد الخط يسير بسهولة وانسيابيّة ، تريّثَ في أزمةِ الزحمة ، ثم مشى وتفاجأ أن في الخط الأصفر لأقصى اليسار سيارة تسير بقرابة 180 كم بالساعة ، وفي نفس الأثناء تفاجأ أيضاً سيارة من أقصى اليمين قامت بالانحياز بسرعة لأقصى اليسار والعكس كذلك ، ولم يدرِ هذا السعودي الذي أنذر على نفسه أن يكون هادئاً ذلك الصباح ألا يقوم برفع ضغطه على هذه السفاهات .. حتى وصل لإشارة ما ، وينتظر بالربع ساعة أيضاً ويتفاجأ أيضاً أن مجموعة من السيارات قامت بالتحايل للإشارة بأخذ اليمين ثم الاتجاه لليسار كي تكون في المقدمة ، ويبقى من كان في صف الانتظار في الإشارة مسكيناً مهضوماً حقّه على سفاهاتٍ لا تجدُ مَن يُقيم العقوبة عليها !
لم يتمالك هذا الرجل السعودي غضبه ، واستثار غضباً ولم يَعْطِ للغير فُرصةً للعبور لانتظاره الطويل أمام الإشارة .. حتى تفاجأ بحركات بذيئة ونظرات ولَعْنَات من الطرف الذي يُريد العبور مُتحايلاً .. ! هذا ما يحدث صباح كل يوم في بعض المناطق السعودية ، وكأن الزحمة والكثافة السكانية صارتْ الأكثر بالعالم ، بينما عندما نجد مناطق ومدن كبيرة تجد أن ساكنيها بالملايين .. ولا تسمع بتلك الحوادث المُروّعة والتفاهات الصباحية ، ومن بين تلك التفاهات قطع الإشارات للشوارع الرئيسية وإرعاب الناس الواقفين بالإشارات وكأنك تشاهد فيلماً سينمائياً ! جمهوره الواقفين بالإشارات .
أقول : لسنا الوحيدين المعروفين بالكثافة السكانية ، وليس سكاننا بمئات الملايين ، فلماذا لا يستطيع الرجال المُوكّلون بتنظيم حركة السير العمل على تسهيل حركة السيارات ؟ لماذا عندما نسير بالسيارة في بعض الشوارع تكاد السيارة تتفجّر إطاراتها بسبب الشوارع سيئة الزفلتة ؟ لماذا لا تعمل وزارة النقل والمواصلات الأنفاق والشوارع الكبيرة العريضة التي تُناسب هذه الكثافة السكانية ؟ لماذا لا نرى " المترو " أو القطارات المتنقلة التي تحاول من الخفّ على زحمة الطرق ؟ ... كلها وغيرها أسئلة تحتاج لمن يجيب عليها .
لا أعتقد أن العيب أو الأزمة تكمن في الأموال ، فبحمد الله وبركته بلدتنا ميزانيتها سنوياً ترتفع بعشرات المليارات ، ويجب على المسؤولين إن كان هدفهم خِدمة الوطن والمواطن فليفعلوا كل ما يريح المواطن ولأن كلمتهم مسموعة أكثر منّا ، وفي الحقيقة والحق يُقال لم نجدْ تلك الصرامة التي يخاف السائق فيها مِن أن يتجاوزَ الأنظمة ويقطع الإشارات ، وإن كان قولُهم لا بدّ من وجود التقصير في كل مكان وهو طبيعة العمل ؛ فإننا سنخسر أرواحاً جراء هذا التقصير ، وبالطبع فهو ليس أيّ عمل ، وإنما هو حِفظٌ للأرواح من الموت والهدر وتيسيراً لحركة السير ، وليس التقصير يكمن في نسيان ملف أو ورقة !! بل إنه يكمن في ارتفاع ضحايا وشهداء السيارات .
سيد ناصر الصاخن
22/11/2009