أمام أوّل رسالة تبعثينها ولا تتلقّين عليها جوابًا توقّفي نهائيًّا عن المراسلة.
إنّ الانقطاع التام أخف على العاشق من رسائل يقابلها الصمت. فالصمت مساحة للتأويلات التي قد تذهب بك في كلّ الاتجاهات.
و ستخطئين حتمًا في تفسير صمت الطرف الآخر فبعض الصمت عتاب أو إهانة .... و آخر حبّ... و ثالث حبّ مضاد... لكن أيًّا كان فهو يفسد و يغيّر صورة الآخر في قلبك و طريقة إحساسك به. كلّما طال الصمت تشوّه الحبيب و أصبح كائنًا غريبًا عنك. و ناب عن صوته مرارة تقتل كلّ ما كان حلوًا بينكما. و أيًّا كانت الرسالة التي كان يريد إيصالها لك في البدء بصمته فلن تصلك إلّا مشوهة. إنّها صورة عنه.
في إحدى رسائله يحذّر فرويد الشاب خطيبته من عواقب عدم ردّها على رسائله و انعكاس هذا على مستقبل حبّهما: " لا أريد أن تبقى رسائلي دون جواب، و سأتوقّف فورًا عن الكتابة لك إن لم تجيبي على رسائلي. تؤدي المناجاة المستمرة للمعشوق، التي لا تلقى منه تغذيّة أو تصويبًا، إلى أفكار خاطئة تطول العلاقات المتبادلة. و تجعلنا غريبين، الواحد منا عن الآخر، عند تجدّد اللقاء، و عندها نجد الأشياء مختلفة عما كنّا نتصوّرها، دون التأكد من ذلك ".
الصمت هو بداية الاغتراب بين عاشقين كانا لفرط انصهارهما غرباء عن العالم، مكتفيان بذاتهما. و أصبحا بحكم الانقطاع غرباء عن بعضهما البعض. إنّها فاجعة.
لكن ستكون صدمتك أقل إن أخذت علما بها باكرًا. غير أنّ هذا غالبًا ما يحدث متأخّرًا لأنّ المرأة ستواصل محاولة إنقاذ الحبّ و لو بالتواصل المتقطّع.
أحلام مستغانمي ..