فتحت آخر أدراجها وأخرجت صندوق صغير من بين طيات شفيّ ملابسها ،،
تذكرت بأنها لم تضع فيه شيئ منذ فترة طويلة ،، عالجت قفله قليلا ولم تفلح في فتحه ،،
فكتبت بضع كلمات على ورقة صغيرة وحشرتها في شق الصندوق ،،
ــــــــــــــ
والفصول تمضي ملتحمة التنهدات ،،
كالنبضات التي سرقت منك وأنت تحلم ،، فهي دائما ترى في الأفق ما لا يرى ،،
تعرف كيف يشق البعاد القلب ويعصر ماءه ،، وكيف يطفئ النور فلا يستقبل راحة ،،
كأن تقرر أن تحجز رحلة للضياع وتنسى موعدها ،،
تقبض على ذراع الأوان وتعاقبه مستبيحا إلهامه الشارد ،،
تداع يستنفذ من العدم كهوفا مطمورة ،،
عريق ذلك الخدر في جرمه ،، تحت صبر الليل الساكن وأجراسه الساخنة ينشط ،، وبين معجزاته وخرافاته خيط رفيع يحاذر أن يقصه ،، يتعلق بجموح الحياة وما وراء الحياة ،، لا يقنع إيمانه بالقشور فيعيد شريط ابتهالاته ،، فتندلق عذبة ،، فيها عبير غامض من رائحة الدفء ،، متوهجة كشموع متراصة ،، ناعمة كفراشات الحقول ،، طرية كطين الضفاف ،، صافية كبقعة من العسل في قارورة الزمان والمكان ،، خيالية أكثر مما يجب ومثالية بشكل لا يحتمل ،، ولكنها دائما نجمة مضيئة تشعرك بمتعة كجلوسك في أحضان جدتك ،، تشعرك بأن الأيام تمر ثواني وتجعلك تمعن في كل وجه على حده ،،
عاد صمت الغرفة يفتح صدره لوحدتها ،،
شعرت بأن هامات الأشجار تطأطئ منصته لحديثها ،،
وقد فتلت من الريح خيوط غزلها وأمسكت بلوح النسيج وراحت تحاكي المصير ،،
والبوح يسبح في بحيرة ذاته ،، يتأمل نفسه في عيون ناعسة ويطلب المزيد ،،
ارتخت على غيمة وأنفاس الحلم تتسارع مع كل مجهود يبذله مداه ،،
بينما تتقلص درجة حرارة جسدها الغارق في تفاصيل ذكرياتها الذابلة ،،
أرسلت بعدها أمرا لعقلها بأن ينام ،، ويستسلم ،،
فهو لم يعرف فرحا مثل هذا من قبل ،،
ولم يخف كطائر احتار من سعة السماء أين يذهب ،،
استمعت لصوت جهاز التكييف وقالت لنفسها الصيف يأكل رغيفي وحده ولا يشاركني الرقص والفرح ،،
تبادلا نظرة صاخبة الروح مترعة بالصمت ،،
القصائد الموسمية متشققة متعددة الفجوات ،، والأجراس مترنحة هنا وهناك ،،
وصناديق الذكريات تبدو خالية البال كأن الموت لا يتهددها ،،
أرادت أن تفتح النافذة ولكنها خشيت لفحات الهواء الساخن ومن عيون الطريق الممتد حتى المنعطف ،،