رنا قرص الشمس ،، ولاح باستدارته كأنه منبثق إلى السماء أو عائد إليها بعد طواف ،، يغمر رءوس الأشجار والأرض والرؤى ،، يشق حدائق النفس وما تسامى على جنباتها من فصول وتباريح ،، كإله يجثو بين يديه كهنته العابدون ساعة جلاء ،، وصفاء سماء مطرزة نواحيها المترامية بسحائب رائقة يتخبط فيها الهواء فترجع أوراقه الماطرة أنينه ونحيبه ،،
" لا أسلم سيفي ،،
لأن الذي سلم السيف قبلي ،، تعرى به ،،
ولا أطلب الحكم العدل بيني وبين حزني ،،
فمن سيغسل البحر من ذنبه ،،
حتى يطير الكلام الجميل إلى ربه ،،
وكما أحببت الأجنحة التي تتكاثر فيها الندوب ،،
أحببت الطرق التي ليس منها هروب " ،،
ضحكت مرة أخرى ،،
وقلت للرمل أنه السبب الحقيقي وراء ما يعانيه العالم من آلام والكون من غموض ،،
كأن تعيش عقلك الباطن ،، شاعر حب ،، صحيح الروح رغم قلبك الإنسان المنهك ،، تقتسم الصور من حياة اللاوعي فتلقيها في حاضرك بأبهى حله ،، كشجرة أو زهرة برية لطيفة طائشة ،، تحاصر الماء المتبقي من الماء تحت ورقة النجوم ،، تريق الماء المتبقي من فم المغيب تحت عناقيد الهمس ،، اجتمع صغار الفرح في حلقة لم تكتمل النغم ،، فللفرح أغنية عميقة لا تتفجر إلا من أدق شعيرات النوازع ،،
وقال اطمئن أيها الإنسان قبل أن تستطلع الجمال ،، تأمله بالعين التي لم تستحل من فكرك إلى ذاكرة ،، حينئذ تشهدها على النحو الذي يريك هذه السماء كلها في القطرة الصافية ،، وتحس من الغبطة المنسابة من الثغر كأن هذا الفكر الإلهي الذي سمي بالطبيعة قد شملك أو اشتملت عليه ،، فيوحي إليك أنك أسمى من مناوأة الحقائق ،، لله أنت أيها الجمال ،، ولله فتنتك التي تترك من حسنها بقية في الأحداق فتجعل كل شئ تصادفه على شاكلتها ،، كما يثبت المرء عينه في ساطع من النور هنيهة ثم يلتفت يمنة ويسرة فإذا كل شئ فيه شعاع من ذلك النور ،،
قالت : ولكن بلورتي مكسورة ،،
فقلت : لنستمع إلى ما تبعثه ،،
كما هو المد دائما يرفع السفن ،، تستمع إلى خطاب " من الأجداد يرجع إلى البؤساء " ،، فالوقت وحده هو من يستطيع أن يعلمنا الحقائق وكيف نستخلصها من الأساطير ،، بعض الحقائق لا تعيش بمرور الزمن ،، ولكن بعض الأساطير ستدوم للأبد ،، وستهمس في الجوانب الأربعة للنهايات العظيمة أننا نحن العائدون من دروب الكلام الندي ،، في المعنى المستتر بين الهاء والياء لسرا من الأسرار تتجدد سطوره المعضلة كأنه حياة تغذوه بتلك المعاني ،، طفقت أعالجه ذاهلا حي بلا نفس ،، وآنست من نظره عمقا بعيد الغور كأنه الطريق الذي مرت منه نفسي ،، فهل يمكن أن يكون ذاك في استدارة يقظتي نوع من الحلم ؟! ،، لقد غفلت عن نفسي دهرا أو هي غفت عني ،، فما نبهني إلا اضطراب ينتفض له قلبي كأن حواسي كلها نهضت تستقبل هبة الغيم وقد انقلبت من سفر طويل تحف بها الحاشية العريضة من الأفكار والآمال ،، وجعلت تطرف كل حاسة بتحفة وكلي يتناهبها ،، ما لبث أن ردني إلى نبضتي النفسية حفيف كنجوى النسيم للزهر وليس بها ،، وكصوت القبلة المختلسة على حياء وليس بها ،، آهة رقيقة انبعثت من الفردوس فما زالت تتصفح كل وردة وكل خد حتى اختبأت في شفتيها ،، ما تشك من عطرهما أنها رجعت إلى صاحبتها في الجنة ،،