أدونيس وفخري صالح وفريال غزول في الجلسة الأولى من "الأدب والمنفى"
في إطار فعاليات مهرجان الدوحة الثقافي أقيمت مساء الأحد 25/3/2007 الجلسة الأولى من ندوة "الأدب والمنفى" في قاعة الوسيل بفندق الريتزكارلتون، وشارك فيها كل من الشاعر أدونيس والناقد والمترجم فخري صالح والناقدة والمترجمة فريال غزول، وأدار الجلسة الدكتور درويش العمادي، وذلك بحضور سعادة الشيخ مشعل بن جاسم بن محمد آل ثاني رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث، وسعادة السيد مبارك بن ناصر آل خليفة الأمين العام للمجلس رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان، والسيد فالح العجلان الهاجري مدير إدارة الثقافة والفنون، وجمع من المثقفين والإعلاميين والمهتمين.
البداية كانت مع الشاعر أدونيس الذي شارك بورقة بعنوان "شهادة ذاتية: مكان آخر فيما وراء الوطن والمنفى"، تطرق فيها إلى تعريف النفي وما إذا كان العرب قد عرفوا النفي بالمعنى السياسي، والنفي في العصر الحديث أثناء الاستعمار وبعده، وأوضح أن المنفى بالنسبة له ليس مسألة جغرافية، إنما هو مسألة ثقافية، حيث يتمثل المنفى ثقافياً في الرؤية الأوحدية إلى الحياة والإنسان.
واختتم أدونيس ورقته بقوله: "قلت مرة في قصيدة كتبتها في باريس (لا الخارج بيتي، والداخل ضيق عليّ).. في هذا ما يفسر ذلك المكان الآخر الذي أعيش فيه، في ما وراء التخوم.. في منفى – وطن، في ما وراء المنفى والوطن. واللغة العربية هنا، لغتي – لغة انتمائي الإنساني والثقافي، هي مدار هذا المكان، وهي طينه والأفق ومادة المعنى، وهي فضاء التمرد وسماء الحرية. الوطن هنا ذائب حاضر في المنفى.. المنفى هنا ذائب في الوطن. وُلد جسدي في هاوية وصار هو نفسه هاوية. فليس المنفى شيئاً أضيف إلى حياتي.. إنه حياتي نفسها".
وأدونيس هو أحد أكثر الشعراء العرب إثارة للجدل في العصر الحديث، ومن المرشحين الأساسيين لجائزة نوبل في مجال الآداب. ولد عام 1930 في أسرة فلاحية بقرية قصا بين في اللاذقية بسوريا، حفظ القرآن الكريم على يد أبيه، غادر سوريا إلى لبنان عام 1956 وأسس مع الشاعر يوسف الخال مجلة شعر في مطلع 1975، ثم أصدر مجلة مواقف. حصل على الدكتوراه في الأدب عام 1973 وأثارت أطروحته "الثابت والمتحول" سجالاً طويلاً. استقر في باريس، وعمل أستاذاً زائراً في عدد من جامعات أوروبا. حصل على عدد كبير من الجوائز مثل الجائزة الكبرى ببروكسل، وجائزة التاج الذهب للشعر في مقدونيا عام 1997، وجائزة مارليو للآداب من فرنسا، وجائزة نونينو للشعر من إيطاليا وغيرها من الجوائز. ترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم الحية.
من مؤلفاته في الشعر: أغاني مهيار الدمشقي، التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل، مفرد بصيغة الجمع، كتاب الحصار، الكتاب"ثلاثة أجزاء"، تنبأ أيها الأعمى، أول الجسد آخر البحر، تاريخ يتمزق في جسد امرأة، مختارات من الشعر العربي "ثلاثة أجزاء"، مختارات من شعر يوسف الخال، مختارات من شعر السياب.
وفي الدراسات الأدبية له: الثابت والمتحول"أربعة أجزاء"، مقدمة للشعر العربي، الشعرية العربية، النظام والكلام، الصوفية والسريالية، المحيط الأسود.
ترجم إلى العربية عدداً من الأعمال منها: أعمال سان جون بيرس، أعمال إيف بونفوا، كتاب "التحولات" لأوفيد، أشعار جورج شحادة.
فخري صالح ومفهوم أدب المنفى
الورقة الثانية قدمها الناقد والمترجم فخري صالح وهي بعنوان "مفهوم أدب المنفى"، تحدث فيها عن مفهوم أدب المنفى وقال إن هذا المفهوم خضع خلال الربع الأخير من القرن العشرين لتحولات وتعديلات عديدة، حيث غادر معناه اللغوي الذي يجعل منه دالاً على أدب الغربة والهجرة والاقتلاع والنفي والتشرد، ليصبح تجربة مجازية تدل على النظر بعيون جديدة إلى العالم وتجارب البشر وتفاعل الثقافات، ومفهوم الحرية، والرؤية غير المتحيزة، والابتعاد عن مفهوم الهوية المغلقة، وطرح مفاهيم مثل الأصل والقومية والآداب الوطنية على بساط البحث مجدداً. وأضاف: إن المفهوم دخل، من خلال عدد من المنظرين ونقاد الأدب، بوابة النظرية الأدبية ليصبح من بين المفاهيم الأساسية التي تشكل ما يسمى آداب ما بعد الاستعمار، بوصف تجربة المنفى عنصراً مشكلاً للهوية الخاصة بكل من المستعمِر والمستعمَر؛ فالرحلة باتجاهات متعاكسة جزء لا يتجزأ من تجربة الغزو الاستعماري الحديثة. وهو ما يجعل مفهوم أدب المنفى يُبحث في كلا الاتجاهين: شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً.
وأوضح أنه وبالمعنى السابق يمكن القول إن محاولة فهم الآداب الحديثة تستلزم إلماماً بتحولات المفهوم ومغادرته دائرة الفهم القاموسي الضيق إلى أفق النظرية الأدبية؛ فما أضافه فرانز فانون وألبير ميمي وإدوارد سعيد وهومي بابا وغاياتري تشاكرافورتي سبيفاك وعبدول جان محمد، إضافة إلى عدد آخر من نقاد ما بعد الكولونيالية، هو بمثابة إخضاع للتجربة الإنسانية المعاصرة لإعادة فحص مجددة، وقراءة القرن العشرين بوصفه قرن المنفيين بامتياز.
وفخري صالح ناقد أردني، ولد في اليامون بفلسطين عام 1957، حاصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي. عمل في الصحافة الأردنية والعربية مراسلاً وكاتباً ثم محرراً أدبياً في عدد من الصحف والمجلات الأردنية والعربية، رأس لجنة الشعر والنقد في مهرجان جرش للثقافة والفنون 1993 – 1997. حاز على جائزة فلسطين للنقد الأدبي (1997) وجائزة غالب هلسا التي تمنحها رابطة الكتاب الأردنيين (2003). يرأس جمعية النقاد الأردنيين، وهو نائب رئيس رابطة الكتاب الأردنيين، والنائب الأول لأمين عام اتحاد الأدباء والكتاب العرب.. يعمل حالياً مديراً للدائرة الثقافية في صحيفة الدستور الأردنية.
من مؤلفاته: القصة القصيرة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، مختارات من القصة الفلسطينية في الأرض المحتلة، أبو سلمى: التجربة الشعرية، في الرواية الفلسطينية، أرض الاحتمالات، وهم البدايات: الخطاب الروائي في الأردن، شعرية التفاصيل، أفول المعنى: في الرواية العربية الجديدة، دفاعاً عن إدوارد سعيد، عين الطائر، السيرة الفلسطينية في الأرض المحتلة، النقد والأيديولوجية لـ"تيري إيجلتون" (ترجمة)، المبدأ الحواري.. ميخائيل باختين لـ"تزفيتان تودوروف" (ترجمة)، النقد والمجتمع (ترجمة)، روائع الأدب الأمريكي (ترجمة).
فريال غزّول: الأسس النظرية والثقافية لأدب المنفى
الورقة الثالثة والأخيرة كانت بعنوان "الأسس النظرية والثقافية لأدب المنفى" قدمتها الناقدة والمترجمة فريال غزّول التي قالت إن دراستها تسعى إلى استكشاف خصوصية أدب المنفى وتقاطعه مع أدبيات المكان وأدبيات الاغتراب وأدبيات الذاكرة انطلاقاً من شهادات المبدعين والمبدعات ومن تنظير الباحثين والباحثات في أدب المنفى. وأضافت: يرى إدوارد سعيد في المنفى جرحاً ينزف باستمرار، محرضاً للتأمل الذاتي والجماعي، ويقف في المقابل سلمان رشدي حيث يرى في المنفى تحرراً من القيود تمكّن المبدع من الإنجاز والتحقق.
وأوضحت أن النزوح عن "السماء الأولى" – ومهما كانت أسبابه - يضع الإنسان في سياق مغاير قد يتأقلم له فتصبح هويته متعددة الجوانب ويصبح وعيه الحضاري مزدوجاً، يعي ذاته وثقافته كما يعي الآخر وثقافته في آن واحد؛ وقد لا يندمج في "المنفى" فيعتمد على ذاكرته في استدعاء الوطن بكل تفاصيله الأثيرة، وفي الحالتين تصبح اللغة الأدبية بأبعادها المركبة وسيلة فنية للتواصل مع الوطن ومع العالم.
وقالت غزول إن أدب المنفى منذ حضوره في الأدب القديم في تيمات الاستبعاد والخروج وحتى تجلياته في الأدب المعاصر في تيمات اللجوء والهجرة القسرية يتخذ من لحظة النفي علامة فاصلة في تاريخ الفرد والجماعة، لأنها نقلة نوعية، فهي نقلة في المكان تنطوي على شرخ في سيرة الفرد وفي تاريخ الجماعة إن كانت الهجرة جماعية. وهذه النقلة بكل تداعياتها تجعل من الوجود دراما محط التساؤل، فالاغتراب يستدعي الحنين ولكنه أيضاً يستدعي سؤال الكينونة ومعنى الوجود. وأما التوسل بالذاكرة في استحضار المكان الغائب والماضي المنصرم فيثير بدوره قضايا حول الاستدعاء بأشكاله الخطية واللولبية، وحول التذكر باعتباره تسجيلاً وثائقياً عما كان أو تعبيراً مجازياً عن المغيّب.
يذكر أن فريال غزول ولدت في الموصل بالعراق، وهي ناقدة ومترجمة وأستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، دكتوراه في الأدب الإنجليزي، رئيسة تحرير ألف: مجلة البلاغة المقارنة التي تصدر عن الجامعة الأميركية في القاهرة. متخصصة في الدراسات الثقافية وأدب المرأة،ترجمت إلى الانجليزية مختارات من قصائد أمل دنقل، قاسم حداد، نازك ملائكة، أدونيس، فدوى طوقان، مريد برغوثي، جبرا إبراهيم جبرا، سامي مهدي، محمود درويش، سعدي يوسف، ومحمد عفيفي مطر. لها كتب وبحوث كثيرة بالعربية والإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى دراسات عن ابن خلدون، إخوان الصفا، أدونيس، مطر، شكسبير، أونجاريتي، فلويير، إدوارد سعيد، لطيفة الزيات، وسلوى بكر. وهي عضو في الهيئة الاستشارية لمشروع "كتاب في جريدة" (اليونسكو) ولمجلة فصول المصرية ومجلة الدراسات العراقية المعاصرة - كندا. ساهمت في تحكيم: جائزة نجيب محفوظ (الجامعة الأمريكية بالقاهرة)، جائزة الرواية (المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة)، جائزة الشاعر كفافي اليونانية، جائزة سلطان العويس الإماراتية، جائزة نور للإبداع النسائي اللبنانية، جائزة أحمد بهاء الدين المصرية، جائزة أصيلة للإبداع المغربية.
من مؤلفاتها: ألف ليلة وليلة في سياق مقارن (بالإنجليزية)، سعدي يوسف، ترجمة ديوان "رباعية الفرح" لمحمد عفيفي مطر، ترجمة رواية "رامة والتنين" لإدوار الخياط. ولها دراسات كثيرة في مجال النظرية الأدبية المعاصرة.
يذكر أن ندوة الأدب والمنفى تستمر لثلاثة أيام، ويشارك في الجلسة الثانية التي تعقد يوم الاثنين 26/3 كل من:
واسيني الأعرج "الجزائر" (شهادة ذاتية: أراضي المنفى، وطن الكتابة).
نبيل سليمان "سوريا" (الرواية العربية والمنفى).
كمال أبو ديب "سوريا" (نحو شعريات للمنفى).
محمد لطفي اليوسفي "تونس" (الشعر والمنفى).