أدهم، أنا سعيدة الآن. ولا أعلم حقا إن كانت السعادة صفة تليق بما أشعر به الآن. هل شعور من يظلمنا بالأذى يبعث فينا السعادة؟ أم أنها نشوة انتقام؟ لكنني لم أنتقم.. لم أفعل شيئا لأؤذي به ولا حتى تعمدت فعل شيء كهذا. فهل هي الشماتة؟! لا أظن، ولا أعلم لمَ لا أظن ذلك و إن كنت لا أظن لأني لا أريدها أن تكون كذلك. أنا لا أعلم.. ربما الجهل هو ما أشعر به.
ما زال العيد يتقرب حاملا في طيَّاته الكثير من المظالم، الكثير من البكاء الذي تجمدت عنه المحاجر و استعاضت بالقلوب لتنتحب. ما زال هناك أنا، أحلم، و إن تغيَّرت الأحلام. ما زال هناك نحن، نبكي، و إن تحوَّرت طرق البكاء. ما زال هناك هم، كما هم، و إن تعدَّدت أشكالهم..
صديقي، فكرَّت كثيرا بتركك، بالتوقف عن الحلم من أجلنا. ظننتُ أن هذا سيقي قلبي بعض الحزن، سيطفئ بعض الجروح التي لا تكف عن الالتهاب. و كما تكون الأمنيات مخيفة، أصابتني نار عظيمة، و صقيع شتاء.. لا تسَلْ كيف..
هذا فقدك، و هذا حبك، و هذه أنا. لكن لديّ كفيّن فقط فأصبحت أنا خارج الحُسْبَة. و فقدك و حبّك يصفقان في كل الاتجاهات لكنني خارج الحُسبة ولا يصلني شيء.
ها أنا أفكر مجددا بتركك، ربما تكون كريما بما فيه الكفاية لئلا تسميه تخلِّي أو خذلان. فأنا لا أعرف ما الخذلان ! لا أعرف كيف أفتعله، لا أعرف كيف أرسمه على وجوه من يستحقون. حتى رحيلي، خاوٍ، بارد، كطعام تمَّ تركه خارجا لـ لا أحد. لمَ لا تسميِّه تعب، إنهاك، وصول إلى نهايةٍ ما ؟!
أنت تعلم حقا أن كل كلام الذهاب و الإياب؛ تافه! و تعلم أن ما بقلبي لك يتجاوزني إلى ما قبل العمر، إلى الطفولة الطاهرة.. لذا لا يجدر بك بأي حالٍ من الأحوال أن تصدقني! دعني أثرثر كما أشاء! من سيسمعني؟! أو، من سيحتمل غضبي التافه و هرائي سواك ؟ أنا واثقة جدا من بقاءك في قلبي لسبب واحد: أنني صاحبتك الوحيدة، و أنت صاحبي الأجمل، الأفضل، الأول حقا..
أدهم، لا تخذلني.. أعني أن عيوني تشيب لكني ما زلت أتخيلنا نركض على ضفة البحيرة. ما زلت أنتظر هذا اليوم و إن كان لمجرد الخيال.. أنا أعلم أنك تفتقدني كثيرا، و أعلم أكثر كم هي صعبة حياتي دونك، كم هو قلبي مأساوي دون أن تكون أنت، رفيقي المُحبَّب، معي! أليس بقدر كافٍ من الخذلان أن يسرقوني منك؟! كيف أعاتبهم ؟! قل لي.. كيف أعاقبهم ؟! كيف أكونُ ما أردتَ و ما أريد؟!
كل الحسابات بغيضة، كل الاحتمالات و الإمكانات التي تستمر في سحبي بعيدا.. كلها مقيتة!
أنا لم أعد أنا! أتدرك كم هذا غريب ؟! كم يشعرني بالوحدة ؟!
هذا العيد و الآتي و السابق من الأعياد.. نحن ما نزال في نفس الصراع: أنا و هو ! لكنني تغيَّرت !! و كأنَّ كل عيد دورة من الزمان تأتي بصفعات جديدة، بأقنعة جديدة، بقلوب جديدة تلصقها في كل ثقب من قلبي الكبير، قلبي الصغير الذي غدا كبيرا كقطعة قماش جميلة صغيرة الحجم، شُقَّت أكثر من مرة فأصبحت مهلهلة و تبدو؛ كبيرة!
كم من عيد سيقبل و يدبر و نحن نلعب لعبة التغيير ؟!
أنا أشعر بوحدة و كأني وحدي في هذا العالم. و كأني أخطو داخل فقاعة زجاجية، و أعيش بعيدا عن العالم بحاجز من زجاج لا أعرف كيف أكسره! الكل من حولي يعبر، يمضي، يتقدم و يتأخر. أنا أمضي أيضا، أدحرج فقاعتي و أعيش حياتي.. أسيرة المرايا !
أدهم، رغم أن أحلامي رمادية، إلا أنك تفلح دوما بسواد شعرك أن تجعل الأسود مُفرِحًا جدا. رغم أن غابات ذكرياتي شرسة، متوحشة، و بدائية في تاريخها؛ إلا أنك تجعل كل ما فيها رقيق..
فليكن إذا.. لدي فقاعة، و غابة، و جسور دون عبور. لديَّ الزجاج و المرايا الرياضيات المُحبِطة. لديَّ كل الحواجز التي بالإمكان اختراعها.. و لديَّ أنت !
أنت عيدي..