منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رُوح/ رَوْح
الموضوع: رُوح/ رَوْح
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-24-2012, 01:48 AM   #6
بثينة محمد
( كاتبة و مترجمة )

الصورة الرمزية بثينة محمد

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 21

بثينة محمد غير متواجد حاليا

افتراضي


" هل هذه الدنيا ظلامٌ في ظلامٍ مستمر؟!"*
هذه الحياة باردة، باردة.. ولا تحمل وطنًا لأحد! لا الأوطان تحمل أوطانا، ولا الآباء لهم أبناء، ولا الأبناء لهم آباء.. والأرض تلفظ و تبتلع كما يريد الربّ و كما يشاء.

هذا العمر بإمكانه أن يمتطَّ و يحتوي الكثير و أيضا أن ينكمش بسرعة و يتحوَّل؛ خواء!
نوصد أبوابا و نفتح أبواب. نُصلِح البعض و نَكسِرُ الآخر و نقوم بتشحيم القلة التي تَصِرّ و تزعج النائمين في سبات.
أصدقائي لهم أبواب كثيرة، منها ما أغلقتُهُ بإحكام، و منها ما هو مُشرَّعٌ لأجل مجهول، و البعض مكسور، ينتظر أن يأتي عابر سبيل ما و يقرر قذفه أو ترميمه.
أنا إنسانة لا أحب وضع قلبي رهن التجارب، رغم أن الحياة تبذل جهدها في إتخامه في هذا المجال بحجتيَّن سقيمتيْن: النضج، و التجربة!
فتكثر الأبواب و تتعدَّد..
غير أني أقوم بتقليصها باستمرار، بجردها، و إعادة تصنيفها، و تسميتها. و هناك باب لمن مسَّت شغاف القلب عواطفهم، و امتحنت أخلاقهم أيام و أحداث رفعت بهم في زمنٍ قصير لهذا الباب و أدخلتهم بلا أي مفاتيح.
في هذا الباب غرفتين. و الغرفة الثانية جديدة، إذ سبب وجودها كان كابوسا. و أنا لي باعٌ مع الكوابيس..
رحلت "سارة"، ابتلعتها الأرض و ابتلعت معها جزءا حيًّا من قلبي. لم تأخذ جزءا ميتا لتخلصني منه بل أخذت جزءا حيا آلمني و ترك الدماء خلفه تنساب.. بلا ضماد! و بنيْتُ لها غرفة خلف هذا الباب. أسميتها: " من رحلَ و لم يرحل ". لا يهمني أي مما يقول الآخرين في هذا الصدد. أربعة أشهر و لم أعرف بعد كيف أتحدث عنها بضمير " الميِّت " لا بضمير الغائب. فللميّت عندنا ضمير أكثر غيابا و أكثر إسرافا في النسيان. ما زلت أحب الحديث عنها بضمير حيّ، لا ينسى، ولا يكلّ ولا يملّ من دفع الألم ثمنا لهذا التذكر. هذا الباب وُجِدَ للتضحيات و للتضحيات فقط. و النسيان - بلا ريب - ليس أحد مفاتِحَه.
اليوم، كنتُ مع صديقتي " أحلام "، رفيقة عمري و صديقة المراهقة و وطني في عقد كامل مضى و يكاد ينقشع مخلفا غبارا جديدا يحتاج للكثير من التنظيف و الترتيب. لم نعد نرى بعضنا كثيرا لكننا نرى بعضنا كل يوم. للذاكرة منافذ لا يقوى أحد على إغلاقها..
كل تفاصيلنا مبهجة، تقول لي في بهجتنا القديمة المحببة: " يا سلام، قد ايش فرحانة و احنا ناكل سوا ". كل تفاصيلنا الصغيرة حلوة، مهمة، عميقة الفرح و نقية الطفولة. فهذا العقد الذي مضى حفر على الجبين؛ أن التفاصيل هي كل ما يهم، و هي كل ما يبقى بعد الرحيل و بعد الغياب. فكما أذكر سارتي تقول لي: " بيبااا يا بلها لا تقولين كذا " - كنتُ أشاكسها كثيرا.. - و أشعر برغبة مؤلمة في سماعها مجددا، أنا أرتب التفاصيل الصغيرة بعناية شديدة و أحفظها جيدا لأنها مخزوني من الطاقة و الحياة في الموت الذي يجلبه الرحيل.
هذه التفاصيل هي التي تصنع جدران الذاكرة، و تغلف معها الحياة بأمل لا يَغرب.








الاقتباس أعلاه من نشيد (الضرير) لـ مشاري العفاسي..

 

التوقيع




بثينة محمد غير متصل   رد مع اقتباس