كانت أمي تنام كثيراً
أكثر من اللازم
كانت تقضي نهارها كله وهي تحاول أن ترتاح
لم نكن نفهم مم ترتاح أمي، ومم تتعب في الحقيقة
كانت توقظنا للذهاب إلى المدرسة، وعندما نعود تطبخ لنا الغداء ثم تنام
ثم تستيقظ لترضع أختي الجديدة، ثم تنام مرة أخرى
ثم تستيقظ لتتأكد من واجباتنا ودراستنا، ثم تنام... وهكذا...
كانت جميع أفعال أمي تبدأ وتنتهي بالنوم
أحياناً عندما نزعجها كثيراً، كانت ترجونا أن نهدأ، وأحياناً كانت تبكي من التعب!
كنا ننظر إليها ببلاهة، وبصدق لم نكن نفهم مم تتعب أمي؟
عندما أهدتنا إحدى عماتي شريط أناشيد الأطفال
حددنا أغنية وأهديناها لأمي
هذه الأغنية كانت عن الفيل
وكان الفيل في الأنشودة يغني ويقول: "أتركوني أتركوني لم أنم إلا القليل"
وكنا نغنيها لأمي دائماً
وكانت تمزح معنا وتغنيها عندما نحاول أن نوقظها من النوم
ثم صرنا نخبر عماتي وأعمامي عن أمي وعن حبها للنوم وعن الأنشودة
فانتشرت الأغنية بسرعة بين عماتي،
وصرن هن أيضاً يغنينها لأمي كلما اكتشفوا أنها نائمة أو تريد أن تنام
صدقت أمي أنها كسولة
وصدقت أنها تحب النوم
وصارت تحزن علينا عندما تشعر بحاجتها للنوم
وصارت تحاول ألا تغضب عندما نطلب منها أن تستيقظ
خصوصاً عندما قالت لها أختي نورة، الرقيقة جداً، بأنها تشتاق للجلوس معها
حاولت أمي بعدها أن تقلل من كسلها وأن تشرب الكثير،
الكثير من الشاي من أجل أن تصحو لأطول فترة ممكنة
وقامت بتنظيم مواعيد نومنا، حتى تنام معنا وتستيقظ معنا
وفي الأيام القليلة التي لم تشعر فيها بالمنبه فنتأخر عن المدرسة
كانت أمي تلوم نفسها كثيراً، وتعتذر كثيراً، وتقول لمديرة مدرستنا: "آسفة، راحت عليّ نومة"
وكانت مديرة المدرسة تنظر باتجاهي أنا ونورة أختي وتقول: وأنتم؟
وكنا نرد: "محد صحّانا الصبح"
كانت أمي تلوم نفسها أكثر وأكثر....
مالم نكن نعرفه هو أن أمي لم تنم في الليل لأنها تخاف أن يفوتنا موعد المدرسة
كانت تقضي ليلها كله أمام تلفازنا الصغير، تكوي ملابسنا أو تغسلها وهي تتابع أحد أفلامها القديمة
ثم عندما يحين موعد المدرسة كانت أمي تجهز الفطور
صمون وحليب، بيض وحليب أو كورن فليكس...
وأحياناً كانت تدللنا فتطبخ لنا بان كيك أو تخبز الخبز البلدي اللذيذ مع العسل
ثم أثناء غيابنا عن المنزل، تنظف البيت، وتشطف الساحة الأمامية بالماء والصابون
وتعتني بأختنا الجديدة، وتحاول أن تنام لكن موعد نومها يصادف موعد عودتنا من المدرسة
فتستيقظ وتسألنا عن يومنا كيف كان، ومتطلبات الغد
ثم تحاول أن تنام وسط معاركي أنا وإخوتي
- ماما شوفي فطوم
- ماما أحمد أخذ سيكلي
- ماما نورة ضربتني كف......
فتصحو وترجونا أن نهدأ لأنها لا تريد أن تستيقظ أختنا الجديدة
ولأنها متعبة وتحاول أن تنام
فنفكر تعبانة من شو، نحن اللي نروح المدرسة، نحن اللي نصحى بدري، نحن اللي نحل واجبات
ظلت أمي هكذا لفترة طويلة
حتى بعد أن استقدم أبي خادمة للمنزل لكي تساعدها
بقيت أمي كما هي، لم تتغير
تصحو كل يوم الصبح، توقظ إخوتي الأولاد أولاً وتوصلهم للمدرسة
ثم تعود وتوقظ أخواتي البنات وأيضاً توصلهن للمدرسة
ثم توقظني وتوصلني للجامعة...
كانت أخواتي المدللات يكرهن مواعيد حافلات المدارس الصباحية
لأن الحافلة تأتي في وقت مبكر جداً، وهن يحتجن للنوم في الصبح!
عندما تعود أمي للمنزل كانت تنام قليلاً
ثم تستيقظ، تطبخ الغداء، تذهب في جولتها المسائية لإحضار الجميع من مدارسهم
ثم تعود تتجهز لاستقبال أبي،
ونتغدى كل واحد في موعد مختلف... لم نكن نجتمع معاً على سفرة واحدة إلا فيما ندر
وأحياناً لم نكن نحب وجبات أمي فنطلب من المطعم المجاور
وكانت أمي تلوم نفسها عندما تطبخ طبخة تنسى أن أحدنا يكرهها
كانت أمي تلوم نفسها كثيراً
على أي شيء
وعلى كل شيء
لم أفهم مشاعر أمي أبداً
لم أفهم كيف تفكر
كنا أنا وإخوتي نلومها على كل شيء
على ضعفها
على جهلها
على عدم قدرتها على اتلحكم في مشاعرها
على سذاجتها وطيبتها المفرطة تجاه من لا يستحق...
تجاه أبي بالذات...
في المستقبل
سأعرف كيف تفكر أمي
سأعرف لماذا كانت منهكة عاطفياً وجسدياً
وسأعرف لماذا كانت تلوم نفسها على كل شيء
سأعرف ذلك جيداً، بعد أسبوع واحد فقط من إنجابي لطفلي الأول