منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - "1" سلطة الرأي العام.. "2" استقلالية الكاتب.
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-24-2007, 06:56 PM   #3
علي أبو طالب
( كاتب )

افتراضي


استقلالية الكاتب


ميرا الكعبي
الوطن

واستكمالا لما تم طرحه في الأسبوع الماضي نجد أنه كما يرتبط مفهوم الكتابة بالقراءة وتقود إحداهما إلى الأخرى، يرتبط الكاتب بالقراء الذين هم جزء من المجتمع ويشكلون الرأي العام، وبما أن سلطة الرأي العام في مجتمع انقسم على نفسه اسمياً قبل أن ينقسم فكرياً لا يمكن الاعتداد بها، تصبح الكتابة مهمة شائكة، أو كما قال الراحل نزار قباني عن الشعر والكتابة، مثل المشي حافياً على أرض شائكة أو مثل المشي على النار.
أن تصبح كاتبا مستقلا مفهوم مرفوض في مجتمع انقسم على ذاته، إنه ينتظر منك أن تعلن عن أي انتماء، حتى لو كان شكلياً، كي يروج لك البعض أو يعلن عليك البعض الآخر الحرب، أو أن يوضع اسمك في قائمة المتعلمنين والمتلبرلين، أو الصحويين الجدد أو المحافظين القدامى، إنها معركة اليسار واليمين الأزلية.
تصبح الكتابة مهمة شائكة حينما تجد البعض في المجتمع لا يقبلونك بل يرفضونك، ويأبون إلا أن يضعوك في نطاق تصنيف فكري وإلا فهم يرفضون قراءتك باستقلالية عن أي تيار. هنالك نوعية من القراء يعملون كعمل الماسح الضوئي لتسقط الأخطاء، أو تأويل أي كلمة قابلة للتأويل بشكل آخر، أو اقتطاع العبارات والجمل من سياقها الأصلي ولصقها في سياق آخر. والبعض الآخر يقف على الحياد يقرأ بحذر.. حتى تصدر فتوى من شيخ، أو يروج أستاذ لحقيقة فكر هذا الكاتب فيتبنون موقفه.
الكتابة باستقلالية تفترض أن الكاتب الذي يوقع كلماته باسمه هو وحده يتحمل مسؤوليتها فالحرية تفرض في مقابلها المسؤولية، لكن العجب حينما يطالبك البعض بالمسؤولية ويسقطون عنك الحرية.
مثير للسخرية حينما يعلن الكاتب عن إيمانه بفكره أن يفسر ذلك بأنه يساهم في مؤامرة! أو أنه يروج لمفسدة، أو أنه عميل لسفارة! فلماذا لا يقرأ الكاتب بتجرد وحياد؟ وتقرأ الكلمات في زاويتها الطبيعية؟ ويُنتقد بذات المبدأ وبموضوعية؟ دون أن نحمل الكلمات أو العبارات فوق طاقة احتمالاتها اللغوية؟
لا يمكنني أن أوجه أصابع اللوم لأحد، فالجميع يبدو أنه يساهم بعلم أو بغير علم في تهميش دور الاستقلالية وأهميتها في حياة الفرد سواء كان كاتبا أو قارئا.
في الفكر العربي المعاصر الذي يعاني من الاتكالية الفكرية، هنالك حسب الأسطورة العربية دوماً مؤامرة دولية وبطل مخلص، هذا البطل الذي ينتظر أن يلعب دوره شيخ أو قائد أو سياسي، تنتظر منه الشعوب الاتكالية أن يقوم بالنيابة عنها بمهمة التفكير واتخاذ القرارات أو التكفير كي تتلقف الشعوب ما يقوله وتردده بدون تفكير وتتهافت عليه وتهتف باسمه وتجري خلفه في المظاهرات.
قد يبدو هذا القول فيه من المبالغة الساخرة الشيء الكثير، لكن حسب قناعتي كثير منا يكتسب قناعاته الفكرية على ضوء صورة مماثلة، فكثيرٍ ما نعتنق أفكارا وصورا ومواقف بناء على السمع والمحاكاة لما يقوله زيد من الناس أو عمرو، فهو لا يكلف نفسه عناء التفكير أو اتخاذ موقف بناء على تجارب وقراءات شخصية، وفي ذلك إنكار لحق الفرد باستقلالية ذاته في التفكير والإيمان والاعتقاد والاعتناق. فكيف نظن بأنه سيكون إنسانا مؤمنا منتجا؟
ومما سبق ذكره يتضح أن ثمن الحرية، ثمن الكتابة باستقلالية ثمن باهظ جداً، خاصة حينما تصبح الكتابة هوية لا مهنة.

 

التوقيع

حتى الأبواب العملاقة مفاتيحها صغيرة.
"ديكنز"

علي أبو طالب غير متصل   رد مع اقتباس