أخي يحيى , أسعدتني ببادرتك الطيبة , وتقريظك ونقدك لنصي (إلى النفس الطيبة) .
ولقد دَلَلْتَنا منك على ذوق عال , وأدب جم ـ أسعدك الله . ورحم الله والدينا وموتى المسلمين .
ولي تعقيبٌ على بعض النقد الوارد :
أولاً/ قلت أخي يحيى (له أن يقول ؛ لم يسع يوماً في سبيلٍ فاسدِ . فهي تلائم ما قبلها , وهي أجمل من أن يقال : في سبيل مفاسد )
فأقول : لا يصح ـ في اللغة ـ أن يُوصف السبيل بالفساد ؛ بل يوصف بالقصد والاعتدال والاستقامة أو بالجور والاعوجاج , أما صفة الفساد فهي تناسب الأخلاق والأفعال , لذلك لم أجعل الفساد صفة للسبيل في البيت ؛ بل جعلتُهُ مضافاً على تقدير (لم يسع يوما في سبيل طلب مفاسد) .
ثانيا/ قلت أخي يحيى ( إن الألف المقصورة حقها الإشباع في قولي ما أضحى إلا في الجنان منعما ... وعلى الشاعر أن يراجع موسيقى البيت الأخير ) فأقول : احتياج البيت إلى إشباعٍ أو تخفيفٍ في إحدى كلماته من أجل أن يستقيم وزنُهُ لا يُعد ضرورة ولا عيباً , ولو تتبعت قصائد الفحول لوجدتها مليئة بهذا , ومنه قول أبي الطيب :
أأحبه وأحب فيه ملامة ــ إن الملامة فيه من أعدائه
تأمل , لو أشبعتَ هاء (فيه) في صدر البيت وعجزه لنكسر الوزن . ومثل هذا كثير.
أما أخي رشاد العسال فقد أتى بالعجيبة ! وأساء قالة حين أساء فهما , وهو أصدق ما كان عندما قال ( لست ناقداً , ولا أعلم شيئا حول منهجية النقد ..)
أولاً/ قال أخي رشاد ( العز هو الندرة كما يقول المثل أعز من بيض الأنوق ولا أرى تلازما بين الكلمتين) ! أخي رشاد لقد حجّرتَ واسعا ؛ إن كلمة عزّ في اللغة لها معان كثيرة جداً وبابها ملئ بالاستعارات والكنايات , ومن معانيها كرُم , وقوي , وقل , وغيرها من المعاني المبثوثة في المعاجم , وقد أردت وصف والدي رحمه الله بعلو الشأن وكرم الأصل , وهي معان تؤديها كلمة عز .
ثانيا/ نقم أخي رشاد عليّ أيضاً وصفي كلمة(الظل) بالوارفة , أخي رشاد لستُ غِراً إلى هذا الحد لأصف مذكراً بمؤنث , أخي العزيز هناك في اللغة شئ يُقال له (الاكتفاء بالصفة عن ذكر الموصوف لدلالتها عليه ) وهو من الشيوع والشهرة بحيث لا يجهله من له أدنى ممارسة باللغة , ومنه ما ورد في التنزيل ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) فانظر كيف جاءت الصفات متتابعة في هذه الآية في حين لم يُذكر الموصوف وهو (السفن) , إذا فمقصدي في البيت هو ( في ظل شجرة وارفة وماء بارد ) فقد أتيتُ بالصفة وحذفت الموصوف لدلالة الصفة عليه , فلا يوصف بالوروف إلا الشجر وأغصانه .