"رسالة إلى "الأطلال"
إلى القصيدة التي خلّدها الزمان
إلى النغم الذي صاغ الحبَّ وجعل
منه أثرًا لا يزول…
إليكِ أكتب.
✦ ✧ ✦
أيتها القصيدةُ الخالدةُ في
فم الزمان
سامحَ اللهُ من كتبكِ ومن غنّاكِ
وما ترنّمَ بكِ عصفورٌ على الأيك
فهو مثلي، عاشقٌ أبلَاهَ الكَرى.
؛
أقفُ على أنغامكِ وأسألكِ:
هل بقي للحبِّ أطلالٌ
سوى خربشاتٍ يخطُّها القلبُ عبثًا
لعلَّ نارَه أن تُطفأ؟
✦ ✧ ✦
نعم… كنّا صروحًا في الهوى
شامخةً كقممٍ لا تُطال
آه، ما أعظمَ الحبَّ إذ صاغنا من ضعف،
ورفعنا على أكتاف الحلم
يغمرُنا بعذوبته
حتى حسبناه خلودًا لا يزول.
كان للحبِّ جلالٌ يفيض علينا،
بهاءً وسحرًا
يمشي في قلوبنا
واثقًا
كأن الأرض تُسلّم له أمرها
;
كم بدا حسنه
فاتنًا
قاسيًا
مترفًا
يفوح منه عبقٌ
كأنفاس الرُّبى في أول الفجر.
---
غير أنّ سُكْرَه
بالمجد
جعل طرفه يسهُو
فتاه عن الدرب
كأحلام المساء حين تغيب
وترك خلفه فراغًا
وسرابًا من حنين.
✦ ✧ ✦
وما ألبثنا حتى عصفت
بنا الأقدار
فإذا العيون التي عرفت النوم يومًا
تصحو على سهرٍ طويل
"وأصبحتْ عيني بعد الكرى
تقول للتسهيد: لا ترحلي."
وها هو الحنين يتهادى في أضلعي
يشعل كل ثانية جمرةً في دمي
كطائرِ شوقٍ مرَّ بأيكٍ،
فغنّى الألمَ بدل الغرام.
أيُّ قلبٍ هذا الذي سمح للخراب أن يسكننا؟
ألهذا الحدّ كان الحبُّ عابرًا؟
✦ ✧ ✦
فانهدمت جدرانُنا،
وباتت بقايا الهوى غبارًا
يحمله الليلُ في صمتهِ
إلى منفى النسيان.
؛
وأنا بين الإعجابِ والاعتراض
أبقى أسيرَ سؤالٍ لا يهدأ:
أكان الحبُّ قدرًا
أم خدعةَ قلبٍ آمنَ أكثر مما ينبغي؟
أيُّ سحرٍ هذا الذي جعلَ قلوبَنا
تُصدّقُ الوهمَ وتنسى حدودَ المستحيل؟
✦ ✧ ✦
نعم…
كنّا صروحًا في الهوى
لكنها اليوم جدرانٌ متداعية
حجارةٌ تروي قصةَ انهيار
وزوايا موحشةٌ تنطق بالخذلان.
كلُّ حجرٍ شاهدُ وجع
وكلُّ ركنٍ صدى لأنينٍ قديم
هنا بقايا ضحكاتٍ جفّت
وهناك دموعٌ جمدت على عتبةِ الغياب.
ما أقسى أن يُصبح الحبُّ أطلالًا
تدلُّنا على الجرح أكثر مما تدلُّنا على الذكرى
كأنها قبورٌ مُشرعةُ الأبواب
يُقيم فيها الشوقُ مأتمًا لا ينتهي.
✦ ✧ ✦
يا حبيبي كلُّ شيءٍ بقضاء،
ما بأيدينا… خُلقنا تعساء."
'asrar mansia