....
...
..
.
مضى الأول من ابريل دونَ أن يخطِفَ منّا حُبّنا كَـ كِذبةٍ من كذْباتِهِ، وخرَجْنا سويًّا في تلك السيّارةِ (المربعة) غريبةِ التّصميم، كانتْ الأجواءُ مثيرةً للبَطنْ ! شعرتُ أنّ (رجرجة الطريق) تُثيرُ مِعدتي، ولكنّي آثرتُ الصمتَ على أنْ أُفسِد ليلةَ (بحرِ البطين) الهادئةِ.. هذا الماء المستوحش المُتَمدّد على يمينِ طريقِ (الخليج العربي).. كانتْ النّخلاتُ تُمشّطُ مساءَنا بأهدابِ الرعاية والصون، وتلكَ الأضواءُ المُتعاليَةُ تحرسُ دفئَنا وتحفُّ أحضانَنا بالوفاءِ السرمدي، وفتَحنا في أجمَلِ اللّحظاتِ حقائِبَ السّفَرِ المَليئَةِ بالأحلام، وفكرةَ الهجرةِ إلى بلادٍ لا تعيبُ الحبَّ ولا تَطرُدُ الطيورَ من كتِفِ الطّريق، وقُرصُ الأغنياتِ يدورُ في مُسجّل السيارة.. آهِ كمْ تُذكّرني أغاني الرحيلِ بحقائِبِ أحلامِنا المُنتشَِيَةِ نحوَ السّفر.. هناكَ لقّمنا البحرَ أجملَ الأمْنيات، وقاسَمنا القمرَ الوحيدَ أحلى تباشيرِ الواقِعِ المُقبِلِ علينا بكلِّ عُنفوان، ونحنُ ما زلنا نَحلُم.. "أريد أتحرر من البلاد العربية، شو رايج نسافر برا بعيد.. ونشوف لنا طريق حياة جديد مختلف عن حياة العلب اللي نعيشها هني.." .. " آهْ دِست على العوق، نفسي أجرب حياة غير حياتنا" يقطعُ حديثَنا شعورٌ كريهٌ كـ فورةٍ البطن ، أشعر أنّها مازالتْ تعلبُ بكبدي.. ها هيَ أمعائي تنقلبُ رأسًا على عقب، وظهْرًا على قلب.. أشعرُ أنّ الأضواءَ تدورُ حولي.. وأنتَ تمُدّ يديكَ لي وتفتَحُ الأبوابَ راكضًا حولَ السيارة.. لتنهالَ مُحتوياتِ معدتي على رِمالِ ذلك الشاطئ، لستُ أدري ما الذي يثيرُ غثياني، ربما ذلك الشّاي الذي أكثرتُ من شُربهِ اليوم، ربّما كعكة الفواكه.. لستُ أدري.. ها هي مِعدتي عاوَدتْ الاعتِصارَ لأتلوّى على نفسي باحثةً لها عن مَخرَجٍ من هذا الألم، وأنتَ يا حبّة الفؤاد تتلوّى معي.. أعلم ذلك.. أعتذرُ أنني أفسدتُ ليلتَنا بعدم تماسكي.. آسفة يا قمَري.. لكنّ الكرَّة عاوَدتْ لُعبتها معي.. لم تَكُنْ الأجواءَ ساخِنةً أو رطبة، فقدْ كانتْ تحفُّنا بنَسائِمها الرّقراقَةِ ولكنْ ثمةَ ما يُفسِدُ روحي.. أشمُّ رائحَةَ عفَنٍ غريب.. ليسَ عفَن، رُبّما رائِحةُ المَطَرِ التي تخلخَلتْ إلى فَرْشِ السّيارة أحدَثَ لي هذا الانقلابَ الداخلي.. ها قَدْ عرفتُ السبب.. لذا أعِدُكَ أنّني سأتَخلّص من كل ما يمْنَعُني من أنْ أعيشَ أجملَ ساعاتِ عُمري مَعَك.. عُدْ إلى قلبي.. واتْرُكْ لي مسألةَ التّخلصِ منْ كلِّ شيءٍ يُنَغّصُ فرحَتنا...
.
..
...
....
زينب.....