في عالم يشبه الواقع ولكنه مزيج من الأحلام، أجد نفسي أقف في غرفة مضاءة بألوان الفرح.
طاولة مرصعة بأطباق لحلويات مغربية مميزة تزيّنها الورود البيضاء والكعك الشهي، وصوت موسيقى هادئة مقتطف من أغنية لأسماء المنور يملأ المكان بدفء خاص.
كنت أجهز هذه الحفلة منذ أسابيع، أردت أن أجعلها مميزة، لأنه عيد ميلاده، ولأنه يوم يستحق أن يُعاش بكل تفاصيله الجميلة.
الجميع هنا، أصدقاؤه، أحبابه الذين لم يراهم منذ سنوات خلت، الوجوه التي يعرفها والتي افتقدها.
دعوته دون أن يعلم، أردت أن أفاجئه، أن أخبره، ولو لمرة واحدة، أن هناك من يفكر فيه حتى في تفاصيل صغيرة مثل يوم ميلاده، رغم أن ثقافته و تربيته التقليدية لاتعترف بأعياد الميلاد.
عندما دخل الغرفة، كانت الصدمة على وجهه كافية لتروي لنا كل شيء.
وقف في الباب للحظات، يتأمل الحضور، زينة المكان، وشمع الكعكة الذي يتراقص في خجل. عيناه كانت تقول أكثر مما يستطيع التعبير عنه بالكلمات.
"هذا لي؟!" سأل بصوت مرتعش.
أومأت برأسي وابتسمت. "لك يا فاضلي!. لأنك باختصار تستحق أن تعرف كم أنت مهم."
تقدمت نحوه، ومددت له يدي.
أخذها وكأنه يمسك الحياة لأول مرة.
قُدته إلى الكعكة، حيث كان الجميع ينتظرون أن يطفئ الشموع.!
قبل أن يفعل، نظرت إليه وقلت:
"اليوم ليس فقط عيد ميلادك، بل عيد لحضورك في حياة هؤلاء الذين يحبونك و منهم من أحبك بصمت !
أنت الضوء الذي افتقدوه مهما غاب."
أغمض عينيه للحظة، ثم نفخ الشموع.
دوى التصفيق، ولكنني شعرت أن شيئًا أعظم قد حدث، شعرت أنني أخيرًا استطعت أن أعوضه عن كل الحرمان الذي عاشه، عن كل عيد ميلاد مر دون احتفال، ودون حضور الأحباب، و بالأخص أبناؤه....!
بعد الحفلة، عندما بدأ الجميع بالمغادرة، جلسنا في زاوية هادئة.
كان ينظر متأملا من النافذة، ثم وجه عينيه نحوي وقال:
"أنتِ جعلتِني أشعر أنني شخص يستحق الاحتفال. لم أشعر بهذا منذ زمن طويل."
ابتسمت، وأمسكت يده. "أنت تستحق كل الفرح في هذا العالم. ."
ولكن فجأة، وأنا أعيش هذه اللحظة، أدركت أن كل شيء كان حلمًا. استيقظت في سريري و الدهشة تملأ قلبي!. ورغم أن الحلم انتهى، إلا أن شعور السعادة ظل معي. لأنني، و لو في عالم الأحلام، استطعت أن أقدم له شيئًا يعوضه عن حرمانه.
أجزم أنني لن أتمكن أبدًا من إقامة هذه الحفلة في الواقع، لكنني تبادلت تفاصيلها في حلم لا كباقي الأحلام.