المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذاكرةُ .. أنف


وشـــاح
02-23-2009, 12:37 PM
على أول خطوات الطفولة وعلى أول خطوات الفجر , حين كنا كـ العصافير تتسابق على الأرض لتحفر و تحصد رزقها ..
كيف أني كنتُ أتوسّط ساحة منزل جدي و أملأ صدري برائحة احتراق الخشب تتبعها نشوة أكبر من حجمي ..

في أيام الشتاء الباردة وحين كانت شوارع مدينتنا ترابية نادراً ما يخلو أنفي من هذه الرائحة , أسأل نفسي عن مصدرها و أبادر الإجابة على نفسي بأن هناك موقد كبير رسى في وسط المدينة يشتعلُ على أول طقطقات ريح الشتاء إلى أن يخمدهُ الله بمطر الربيع , و أن كل مساحة من هذه الأرض لولا هذا الموقد لـ استحالت إلى قطعة ثلج ملساء لا تذوب إلاّ مع حرارة الصيف ..

أذكرُ تماماً ذلك المساء وقبل أن تعصر السماء شمسها حتى تدمي , حين اجتمعنا نحنُ الأطفال كـ عادتنا في ساحة المنزل الواسعة وأخذنا نلعبُ بثقل ملابسنا لعبة الإختباء , ركضتُ حتى آخر نخلة و نوّختُ بها , مع ترقب عيني لعين "زياد" إلاّ أني تناسيتُ وضعي تماماً حين هبّ الهواء وحمل رائحة احتراق الخشب معه , لانت أطرافي واستأنستُ به وجلستُ طويلاً على حالي تحفزني الرائحة لاختراق أيامي بمزاجِ طفل , حتى انتهت اللعبة بعد أن فاتتني وسمعتُ صمتاً جاثماً خرجتُ بخوف أركض إلى داخل المنزل قاصدةً أقرب باب ..

وشـــاح
02-23-2009, 12:48 PM
حين التحقتُ بالمدرسة الإبتدائية , لم أكن أشعر بحماس بلوغ مرحلة جديدة من عمري ولم أشأ أن يستمر هذا الوضع , كل فجرٍ تركلني أمي إن عاندتُها و أوغلتُ في نومي , تسحبني سحباً من ملابسي و تضعني أمام أبي الذي مدّ صينيته بصحن الفول و رغيفين من الخبز الأسمر وإبريق الشاي الذي يحبه أكثر من أي شيء آخر , أفتحُ نصف عيني و أغمضها أخرى , رغبة بإمساك الحلم الذي بعثرته أمي بيدها وصراخها ..

أحياناً كثيرة يصلُ عنادي لأن أستغل انشغالها بإخوتي فأركض إلى غرفتي و أغلقُها علي وأوثقُ المفتاح حتى تبقى تزبد و ترعد خارج الغرفة و تضربُ بيدها المذهّبة باب غرفتي حتى أسمعُ جنون الأساورِ بمعصمها وهي تحاول فتحهُ بالمقبض , و أنا التحفُ الصمت و نومي الذي أهربُ معه , لم يكن هذا كسلاً بل خوفٌ و ملل من انتظار القادم المجهول , حين أرى تلك الوجوه المغصوبة تكدُ من أول الصباح و أسمعُ التنهدات تطلقُ بملل مريع , أتيقنُ داخل نفسي أن هذه الحال خارج حدود الطبيعة و أن كل من حولي لايريدون الإستمرار و كأن يداً فوقها سيّرتها إلى ما لا تريد .. لكن سؤالي الذي يتكرر بعد كل مشهد روتيني كئيب " هل سيحدثُ هذا معي كل يوم حتى أستلمُ وثيقة التخرج بفرحة باهتة "
أعفي نفسي من الإجابة لأني الآن أغوص بعمق لذيذ إلى نومٍ لم يكتب له أن يستمر أبعد من مد لحافي , أبي كان يطرقُ الباب طرقاً خفيفاً و يحذرني من مغبة العناد أكثر , أخرجُ و شعر رأسي كـ مكنسة عاثت بها يدا قطٍ ثائر و في عيني بكاء مرير ..

تمشطُ لي أمي شعري بغضب و تتعمدُ سحب رأسي بقوة كعقاب على ما فعلت - وفي يقيني سأفعلها كل يوم حتى يتحرروا بحياتهم من غير إجبار أحد , أو ليتركوني بحياتي أصنعُ ما أريد - , ويجلسُ أبي أمامي يكمل صحن الفول ويقلبُ جريدة يوم أمس , ينظرُ إليّ و أتجاهلهُ و أركض بعيني نحو الأرض , يسألني بلطف " ماذا تريدين أن تكون حشوة فطيرتكِ " - وقد صفّت أمي أمامه أيضاً , علبة جبن سائل و عسل أو مربى و زبدة الفول السوداني و أحياناً طبقُ بيض مقلي - , أنظر بتململ كمن لا يريد الإجابة أبداً , و أقول : " جبن " , ثم أعاود الصمت و مضغ حزني بداخلي ..

رائحة أول قضمة لفطيرة بطعم الجبن و أنا أجلسُ أمامكم الآن تغرسني غرساً لتلك الأيام , رائحة هذا الجبن الذي كنتُ آكله كرهاً كل صباح حين أسير إلى سيارة أبي أو بالخارج و أنا أنتظرُ اكتمال بقية إخوتي , علقتْ بأنفي لأبدٍ بعيد حين لطّختُه و أنا سارحة مع تقافز الطيور حتى جاء منديل أبي يمسحُ عني منظري المضحك , لم يكن يعلم أبي حين ترك لي أنفي نظيفاً من الخارج أن هناك بقعةٌ التصقت بجدار الذاكرة و أخذت تفوح برائحتها التي لم تتغير إلى يومي هذا و أنا أودعُ أبي عند آخر الزقاق إلى الجامعة و أسمع دعاءه حاراً يبهجني ..

ميــرال
02-23-2009, 01:32 PM
أحياناً كثيرة يصلُ عنادي لأن أستغل انشغالها بإخوتي فأركض إلى غرفتي و أغلقُها علي وأوثقُ المفتاح حتى تبقى تزبد و ترعد خارج الغرفة و تضربُ بيدها المذهّبة باب غرفتي حتى أسمعُ جنون الأساورِ بمعصمها وهي تحاول فتحهُ بالمقبض



لااعرف بماذا اشعر الآن او بماذا رحلت حين كنت بداخل هذه الذكريات

وشاح
ذاكرة شممت رائحتها
وتمنيت اشياء كثيره

ابدعتِ والله

زهرة زهير
02-23-2009, 03:00 PM
"رائعتي"
وشاح ..

قليل جداً ما يلوي عناق إلتفاتي كتابات سرديه ,
إذ أنها تشعرني بــ الملل وهذا خلل في مزاجي الأسود ,,
هذه القاعدة تُشطب حين يتمكن إحساس ما , وقلم يملك أدوات الكتابة ,, من إحضاري إليه !
هذه القطعة أقرب لــ القصة ..
قرأتكِ بــ عقل هدهده قلم
فــ شكراً لــ حرف لفني بــ وشاح المُتعة ,,
واصلي

دمتِ بود ..
أختك ,,
إبتسامة جرح ,,

وشـــاح
02-24-2009, 03:00 PM
ميرال
أسعدتـِني
أهلاً بكِ يا عطرٌ سأذكر رائحته

:

زهرة زهير
اسمكِ لا غناة عنه
تعالي و ارسمي الحضور بذاكرتكِ دائماً

.

وشـــاح
02-24-2009, 03:04 PM
دخلتُ عليها مطبخها و كانت تفركُ على طاولة خشبية عجيناً بدقيق و تفردهُ و تسوّيه , ثم تبذرُ فوقهُ الزعتز بالسمسم وتصنعُ أشكال نصف قمر , جلستُ أحاكيها و تحاكيني عن جدتي التي قطفتُ سنةً من عمري بجانبها بعيداً عن أهلي , عن حبها للزعتر وكيف أنها تبدعُ الوصفات الشعبية وتقحمُ فيها الزعتز بعد أن ترشهُ بزيت الزيتون وقطرتين أو ثلاثة من عصير الليمون , انتشلني حديثها الذي علمتُ تماماً بيقينه إلى تلك الليلة حين كان الحزنُ يتسلى بجسدي ويفركُ عيني بقليل من الأرق , وجدران غرفتي المتواضعة تسامرني الصمت المخنوق بيد السؤال .. وماذا بعد هذا ؟

هبطتُ عليها في دارها و أنا أحاول تكسير علامة الإستفهام تحت مواطئي بألم يواسي الحنين , سلمتُ بصوتٍ خفيض وآويتُ بجانبها أمعنُ في تطبيق شفتيّ ..
مازحتني بدفء و ناولتني كوب شاي و فطيرة زعتر , أخذتُ الكوب عنها و استلمتُ بيدي الأخرى فطيرتي , اقتسمتُها و وضعتُ النصف بجانبها و ابتَسمَتْ و أكملتْ حديثها الذي يبدو لي أنه كان يخالجها قبل أن تراني و ما إن رأتني فضلت أن يكون مسموعاً مادامت هناك أذن تسمع ..
بدأت بسرد ذكرياتها إلى النقطة التي انتهت عندها من ألم المخاض بأمي التي كبرت قليلاً لتصبح أماً أخرى من غير أن تشعر لجميع أبناء جدتي , تقول هذا وتضحك وتحمدالله أن بكرها بنت , وتشدُ القبضة على يدها - كانت الأحداث في مخيلتها تتوالى بسرعة بينما عيناها عُلّقت بأطراف أصابع قدمها التي تمتدُ بإسترخاء أمامها , وتسمحُ لنفسها بالإستنتاج و التعقيب و ربط الأحداث و تأريخها - و من غير أن تسمح لي باستدراجها بادرت بدعائها للسماء ..
تشابكت الأيدي و وقفتُ بذاكرتي في المنتصف , مدّت لي كلتاهما نصفُ فطيرة زعتر .. أخذتها من جدتي و تمنّعت من أمي ..
أمي لم تكن تدري بأن رائحتها تحملُ لوعة الحنين و لونها الزيتي أشباح غربة ..

صالح الحريري
02-24-2009, 03:05 PM
هنا ..
سردٌ شهي ...
أسلوب أدبي متشحاً بلغتكِ يــ وشاح ..!
تمضي وراء وصفكِ عيناي لها وقع خفيف على أرصفة ذاكرتك ...
وأنتِ مبدعة في سرد الحكايات بنمط يجعل منّا عيون متأملة لآخر وصفكِ / نزفكِ ...!!

أنثى ملائكية
02-26-2009, 05:16 PM
{ ..
عبقةٌ جدا ذاكرتك بـ رائحة الحنين
وجدتُ هُنا شيئاً عبث بـ ذكرياتي .. وداعب خيوط الرغبة في الإبحار لـ زمن مضى




مُدهشةٌ جداً
لـ قلبكِ السعادة
http://www.alm3na.net/vb/images/smilies/00105.gif


..}

عبدالرحيم فرغلي
02-26-2009, 06:05 PM
وقبل أن تعصر السماء شمسها حتى تدمي
نلعبُ بثقل ملابسنا لعبة الإختباء ,
ركضتُ حتى آخر نخلة و نوّختُ بها ,

جميل هذا السرد .. قرأت كل مقاطع نصك .. والفنيات التي تظهر خلال السرد تجعله له نكهة رائعة .. تحية لقلمك وتقدير لأدبك

بثينة محمد
02-26-2009, 11:56 PM
حين نفتش في أرفف الذاكرة العتيقة نفاجأ بمدى روعة الكنوز التي قد نجدها هناك ..


أعجبني كثيرا السرد و سلاسته و أيضا إيجاز النصوص ..


أصفق لقدرتك و لذكرياتك و ما أثرته من ذكريات لدي ..

عائشه المعمري
02-27-2009, 12:35 AM
هذا الإبداع
يجب أن لا يتوقف يا وشاح
فلـ تُتابعي ،


فَضلاً لا أمراً :)

عطْرٌ وَ جَنَّة
03-01-2009, 04:11 AM
كَثيرٌ مِنْ الْنَوارِس هُنا ..
تِلك الْتي عَجْنت الْذَاكِرة بأصَابعها الْرَطِيبة الْطِين وصَنعتها ..ثُّم شبّت واغتالتها الأجنحة .
كَثيرٌ مِن الْمَطر هُنا جَاء عَلى هَيئةِ طَفْلٍ يَركض نَحوي ..يَضمُّ صَدْرِي ..وَيْنَتثر ,
كَثيرٌ مِن الْحَنين هُنا زَمّل رَئتي بدفء الأمْهاتِ ..وهِي تَرْتعد ../ ب قوّة الأباء ..وهِي الْوَهِنةُ الْشَرِيدة ,


يَاوِشاح .
لاتتوقفي مِن أجلِ كُل الأشياء الْجَميلةِ
الْتِي مِن فَرطِ حُضنها تُبْكِيني .

http://www.qnadel.net/vb/images/smilies/rflow.gif

وشـــاح
03-01-2009, 07:02 PM
صالح الحريري ,
هاتِ لي عينك حتى الأخير
عين واحدة كفاية لتسعدني
أهلاً ألف مرة ..

:

أنثى ملائكية ,
لنقتسم الخيط و نمدُّ الأشرعة
ونسبحُ بمراكبنا العارية , إلى ما خلف ..
ملائكية النبض .. أهلاً بكِ عدد حبي

.

وشـــاح
03-01-2009, 07:10 PM
عبدالرحيم فرغلي ,
شكراً , و دعوة جنة ..

:

بثينة محمد ,
الذكريات أطهر شيء إن كانت طفولية ,
على أقل تقدير .. لا يخالطها وهمُ الحقيقة ..
أيامٌ ولّت , وليس لنا خيار إلا أن نصدقها ..
شكراً و أكثر
.

وشـــاح
03-01-2009, 07:20 PM
عائشة المعمري ,
أنتِ فقط أشعريني بقربك
و بعضُ ذاكرتك ..
سأكون أسعد و ممتنة
أهلاً ألف ..

:

النعمة يا جنة أنتِ
بلغَ بي السؤال وحيثُ الإجابة وجودكِ .. أن علّقتُ عيني على السماء
و الباب ..
دعوةٌ تصعد , و أرى الخُطى المُقبلة .. هل كانت لك !
شكراً يا عطر رسب في يدي و سأذكرهُ
شكراً للبستان الذي نبتَ في الصفحة
.

وشـــاح
03-01-2009, 07:31 PM
منطقتنا أرضٌ زراعية وما إن ترقصُ على حبات الرمل حفلة مطر , حتى تطفحُ رائحة السماد مغلفةً الجو وراحة يدك و ملابسك .. و أنا أجلسُ على هضبة رملية رطبة تبلل مقعدتي و أشمُ عرق السحابة النديّ مخلوطاً بروث البهائم الغافي على أرضنا و الطين و أنفخُ بهم رئتي و أ ُتبعُه زفيراً بضيق , بضيق قدر إصرار السؤال على طرق رأسي في لحظة أتمطّى بها بإسترخاء .. أتجاهلُ طرح االسؤال و أمضي بعيني ألاحقُ تباعد خطواتهم و ضمُّها في لعبة "الحبشة" , أسندُ رأسي على ركبتيّ و أنكفئ على قطعة حزن ممضوغة وملتصقة بجدار القلب تسدُ عنه فراغات نخرتها أصابعُ إحساسٍ ما , لطالما حيّرتي من أين جاءت و ما سببها , لا أعلم أهي الحياة لا تكفُ عن نفض الحزن إلى أطرافها التي تتآكل بفعل أنياب الحزن شيئاً فشيئاً حتى تضيق الدائرة بنا و يصيبنا كربُ الدوائر , نجزعُ من الصبر و ينقبضُ القلبُ بشدة قبضة واحدة فنموت على أثرها , لا أعلمُ هل في يوم لا أذكرهُ غويتُ عن أهلي إلى لعبة أو فرحة تركضُ إلى بعيد .. فعدتُ بها بعد أن لمستُ بالخطأ ذيل حزن كان يمشي ..
أو .. لا أعلم .. لكني حزينةٌ بها !

بزغ رأس السؤال يلمع و كأنه اختار أن يكون إجابة " هل لأنهم يكرهون يدي العنجهية التي تطيشُ كثيراً و تلعب قليلاً معهم "

طفولتي كانت وحشيّة أكثر من كونها بريئة , أقضمُ رأس فريستي وهو حيّ و أتلذذُ بذلك الألم الذي أسببهُ له , و في حال غضبي أجدُ الجميع ضدي ويقفون في صف الآخر يحرّضونهُ و يشبّون فتيل الثأر و أنا بيدي أحاول لثم أفواههم أو تبرير فعلتي كـ محاولة استرجاء و حلب تعاطف الواقفين , ينتهي أمرنا بعزلي وانزوائي بحزني الذي تلبد عليّ و أرددُ في نفسي جملة مكسّرة:
" والله كان بأيديكم أن تجعلوني متفهّمة أكثر , لو أن أحداً فيكم فهم ما أريد أولاً "

بسمة , شغلنا السيارة .. نبي نمشي .....

نهضتُ بالطين و ملابسي , فلقتُ رأس السؤال , طردتُ الرائحة و كمكمتُ أنفي .. ومضيتُ أحثُ السير صوبهم ..

فهد الطيّار
03-02-2009, 12:33 AM
هل تَتَّكِئينَ على الحَرْفِ! فَتَأمُرينَهُ أيَّ مَا تَشَائين!
أم هُوَ يأتيكِ يَسْعَى إليكِ مُتَجَرِّدًا مِن كُلِّ مَا قد يُمَيِّزُه
فتخلُقينَ فيهِ الجَمَالَ وَ لذةَ القراءَةِ

لُغَتُك أسْلُوبُكِ سَرْدُك طَريٌّ سَائغٌ لذيذٌ جدًّا

عَلَيْكِ من الحَافِظِ حِفْظًا، وَ فضلًا


شُكرًا لكِ يَا وِشَاحُ جزيلًا

عبدالعزيز رشيد
03-02-2009, 02:59 PM
تبعثين الحياة بالحروف لنحسّ بها بمذاقها ورائحتها وشعورها ونسمع صوتها جيّدا بمقدرة حرفٍ خلاّب, سرْدٌ يشبه نظم اللؤلؤ في خيط الوقت والمكان فعند نقطة التقاءٍ ما توجد عبرة ذات معنى جميل
تحيّاتي لك

د. منال عبدالرحمن
03-02-2009, 05:20 PM
ترفعينَ عن الذّاكرةِ وشاحَ النِّسيان , تُهدينها الكثيرَ من الفراشات , لأؤمنَ أنَّ الرّبيعَ أصلُهُ حرفٌ , و موطِنهُ الذّاكرة ..

:

رائعةٌ جدّاً ..

لكِ أنا متابعةٌ بشغف .

أسمى
03-03-2009, 03:17 PM
"


(...
1ـ وسمعتُ صمتاً جاثماً.
2ـ رغبةً بإماساك الحلم
3ـونومي الذي اهرب معه
4ـ أخرج وشعر رأسي كمكنسة عاثت بها يد
قطٍ ثائر وفي عيني بكاء مرير
5ـ ولم يعلم أبي حين ترك لي انفي نظيفا من الخارج أن هناك
بقعة ألتصقت بجدار الذاكرة وأخذت تفوح برائحتها التي لم
تتغير إلى يومي.
6ـ تشابكت الأيدي ووقفتُ بذاكرتي في المنتصف.
7ـ لا أعلم هل في يوم لا أذكره غويتُ عن أهلي إلى لعبة
او فرحة تركضُ إلى بعيد..فعدتُ بها بعد أن لمستُ بالخطأ
ذيلَ حزنٍ كان يمشي..أو لا أعلم لكني حزينةٌ بها
...)






:
كُل ما قرأتُ لكِ رائع جدا..جدا
لكن مااخترتهـُ أعلاه بالغٌ جماله مبلغا لا أصفهـ.
وِشاح..
وأيُّ قاصة ستبلغ تفاصيل حكايتها هذه الروعة.

بدر العرعري
03-04-2009, 01:15 AM
جميييييييييييييييييل


الأنف ومايجلب ..


بحق ذاكرة أنف .. مدهشه



واصلي

وشـــاح
03-11-2009, 04:39 PM
فهد الطيّار ,
حضورك , توقيعك و إطراؤك يربكون الصمت و الخجل
شكراً يا كبير

:

عبدالعزيز رشيد ,
قلتها سابقاً .. إحساسكَ الذي يُنبتُ الخضرة و الحياة
تقرأ الأشياء الجامدة من كل شيء , وتخرج عنها و هي ترقص
شكراً لك
.

وشـــاح
03-11-2009, 04:44 PM
" لأؤمنَ أنَّ الرّبيعَ أصلُهُ حرفٌ , و موطِنهُ الذّاكرة ..لا"

سأحفظها كثيراً و استحضرها إن اقتربتُ منك
هي لا تشبه إلا أنتِ , حين كنتِ الربيع هنا
شكراً يا منال شكراً

:

قيدٌ من ورد
أنتِ الجمال بأمّه
وردة ردكِ كفيلة لـ استمطار الحياة في هذه الأرض ..
شكراً لكِ
.

عائشه المعمري
03-11-2009, 04:47 PM
" والله كان بأيديكم أن تجعلوني متفهّمة أكثر , لو أن أحداً فيكم فهم ما أريد أولاً "






يَنبت مِن جُنونكِ العقل يا وشاح ،

لا تتوقفي ..
:)

وشـــاح
03-11-2009, 04:56 PM
بدر العرعري ,
شكراً لأنك كريم
و سمحتَ لي باقتصاص بعض وقتك
لكَ الجنة

:

عائشة المعمري
اسمكِ المربوط بالبهجة
طلّي و سلمي عليّ , و اتركي بيدي قليلاً من فرح
و بخفّتكِ يا حمامة , أهديني الجناح مرة لأكون معكِ في الغيم
لكِ شكراً و جنة

وشـــاح
03-11-2009, 05:31 PM
لتوّي استدركتُ أمراً تغافلتُ عنه :
- "أني عشتُ طفولتي بطفولة الآخرين , و ذاكرتي بذاكرتهم"

في بيت جدي الذي على أبعاده المتوسطة إلاّ أنه كان رحباً جداً من الداخل , فسيحاً جداً من الخارج ننتشرُ فيه فتأكلنا الأزقة و المسالك و تكتمُ "شيطنتنا" أبواب الغرف .. و رغم أننا نحنُ الأطفال نوقظُ هموم الجدران مبكراً بالضرب و الخبط و الإتيان على السلم صعوداً و نزولاً إلاّ أن الأنفس كانت تسعنا و تسعُ حماقاتنا و نحتُ ذكرياتنا ..
كل شيء كان جميلاً و بخير دائماً .. هذه العصافير التي تحتلُ شجرة الليمون تظلُ تمدُ صوتها نحو السماء تغريداً و تلحيناً , و القطةُ التي تسترخي بين النخلتين أو الثلاث نخلات المائلة , خالتي التي تطلَُ علينا من باب المطبخ المفتوح على المُلحق و نحنُ نركض و نمثلُ مسلسل "ريمي" و نظلُ نلهثُ حول حلقة لا نريد لها أن تُقطع إلا بصوتها حين ينادي على وجبة الصُبح .., لا نعطي أذناً للكبار و لا نأخذ بهموم العائلة فـ كل شيء كان يمشي كـ حقيقة مطمئنة و ثابتة حتى صحنُ الجبن و العسل ..

البساطة تجعلُ منكَ انساناً أكثر , تُأصلُ فيكَ حب الحياة و الرغبة في عيشها بأقل التكاليف , تعيدكَ دائماً إلى حقيقتك و تمشّطُ فيك خصلة الفطرة , حتى إذا ما جُمّدت مشاعرنا و صارت وجوهنا كـ المعلبات , شقينا و صارت الأيام تفاحة مُرّة بعفن الذبول تغصُّ بها في منتصف حلقك , حياة رتيبة .. كـ يومي هذا ..

كنتُ أسير متوجهة إلى غرفة المجلس وقفتُ على الباب و سفرةُ الصباح ممتدّة و فوقها قطعُ خبز أطرافها تقوّست و تخشبت على حالها و بقايا عسل و جبن كانت لوردية قامت عن مقاعدها و تركت أكواب الشاي و الحليب نصفُ فارغة ونصف ناشفة ..
جاءت عمتي "عايدة" بإكرام المتأخرين عن الوجبة - و منهم أنا - بطبق بيض مقلي أعدتهُ و اختارت رائحتهُ الشبه محروقة التي حاولت أن أكررها اليوم و ألتقطُ اللحظة التي رفعت عن النار مقلاتها ,.. أندمجُ تماماً و تبدو لي الأبخرة غمامات حالمة أميلُ بأنفي و ذاكرتي بعمق لـ استرداد مشاهد خطفها النسيان مني , مشاهدٌ تقفُ على عتبة اسمنت بعيدة ينفرُ منها سلك حديد متين يثني رأسه مرة أخرى باتجاه العتبة المتآكلة , أبللُ اصبعي بالماء و أرسمُ على الباب البنيّ الغابر ألف صورة و حكاية حتى يتقاطر الباب بالماء و أكتشفُ أن إصبعي كان مكنسة جيدة .. أتركه ينشفُ قليلاً ثم أعود بغمس اصبعي و أرسم بملل خفيف .. صورٌ لا أراها إلاّ بحضرة هذه الرائحة , الوجوه التي نفضت النوم عنها و ربما ضحكةٌ مارقة سدّت عن شقوق الباب مداخل الحزن .. و أشياء كثيرة , أحرقتها شمس الضحى .. أكون على حالي فيرتفعُ صوت أمي:
"يآ في المطبخ طفّ النار"
ألوي ألسنة اللهب و آكل وجبة محروقة , نارها .. لا تشبه أبداً نار أضلعي ..
و لا نار "عايدة" ..
.

فهد الطيّار
03-12-2009, 08:09 AM
لعَلّي أقُومُ مِن مَكَانيَ الآن،
وَ أذهَبُ بي بـِ قلبي بـِ أنفي بـِ مِحْفَظَةِ ذكريَاتي
إلى المَطْبَخِ

لـِ أصْنَعَ طَبَقَ فُولٍ أعْدَدْتُهُ لـ أبي يَوْمَ كُنتُ أبلُغُ
منَ العُمُرِ رُبَمَا أربَعَةَ أعْوَامٍ بعدَ عَقْدٍ من تاريخِ قفزي إلى الحَيَاة

كُنتُ قد تَعَلَّمْتُ الطَّبْخَ شَغَفًا به، وَ حينَ أتقَنْتُ صُنْعَ الفُولِ
الذي مَا كانَ لـِ أبي يَوْمًا وَ قد تَذَوَّقهُ بعدَ اخْتِلاطِ أنفَاسي به،

مَدَّ يَدَهُ إلى الطَّبَقِ وَ أنظُرُ وَ جَوَارحي كلُّها تَبْتَهِلُ أن يَنَالَ
إعْجَابَه، وَ يَتَصَفَّدُ جَسَدي قَلَقًا،

حتى أقبَلَت عبارَتُهُ تلك:

الله يَا فهد! تقُول فُول أفغاني.



شُكرًا لكِ كثيرًا
وَ قد صَنَعتِ برائِحَةِ البَيْضِ المَحْرُوقِ أن..
سَقَطَت الذكرياتُ على قلبي وَ تمَطَّت، آخذةً مَوْضِعًا وَاسِعًا
جَرَّاءَهُ، أتُوقُ العَوْدَةَ إلى ذلكَ الزمن، فقط لـِ أعيشَ ذلك اليَوْم.

عطْرٌ وَ جَنَّة
03-12-2009, 05:26 PM
[ البساطة تجعلُ منكَ انساناً أكثر ]
وأنتِ ياوشاح .. حُضن الْكِتابة ..الَّذي يَجْعلني أمّ الأطْفال الْعَشرِ
../ وَ ’’ الكحة ’’ المُستشيطة بَعد نَفْضةِ الْغَبار ..تِلك التي أحنّ فِيها
لِرُطوبة صَوتِي وحُنْجرتي .


كمّ أُحبك http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif

نهله محمد
03-14-2009, 07:05 PM
وشاح...
مامن شك بأني عندما قرأت لكِ قبل ذلك ولأول مرة
بأنكِ ممن يتقنون السرد بشكل لافت...
حضرتُ هنا وكلي يقين تام النصاب بأن خلف الوشاح قلم لابد
أن يقرأ بهوادة..


وشاح..
في المقاعد الأخيرة من نصك...جلست واعجابي نصفق حين انتهى من ذلك
الحضور قبلنا..

عطْرٌ وَ جَنَّة
04-16-2009, 02:57 PM
يَاوِشاح ..
عُنْقِي يُرْهقه الْبَرد ,

http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif

وشـــاح
05-08-2009, 02:56 AM
فهد الطيّار,
يا الله , هذه الذاكرةُ عيشٌ في عيشْ!
أنتَ تعيش, وتخلقُ من غير علمٍ عيش آخر, لن يتعارض مع لحظتك الآتية,
يُختزل و يكتنزُ الدفء حتى الليالي المُعتمة ..
وقتها .. تتساقطُ عليكَ حياة قديمة تعيشها بوعي حاضر ..
و حزن حاضر ..
و صورةٌ تغالطها " وشوشةُ الحاضر"

يا أهلا بك ..

:

عطر و جنة,
كل خطوةٍ تحت أقدامكِ تنبتُ وردًا
و ربيعًا لا يعرفُ الفصول إلا نفسه

و أنا أيضًا
و أنا ..
.

وشـــاح
05-08-2009, 03:08 AM
نهله محمد,
شكرًا لكِ على حبِ سرديّاتٍ ك العبث ..
أقدّرُ لكِ وقتكِ , ومسحةُ يدكِ على شعري ,
و ابتسامتكِ التي التصقت بي ..
لكِ الجنة يا نهله ..

:

عطر و جنة,
هل ضاقت بكِ الأرضُ مرّة!
تعالي في عيني إذًا ..

.

وشـــاح
05-08-2009, 03:17 AM
في أول عملية اجتثاث و بعد أن انفصلنا عن منزل جدي إلى منزلٍ مستقل , كان حجمي و إخوتي بقدرِ سنتين إلى ثمانِ سنوات , انتقلنا وظلنا النائم ينعمُ بفضفضة المكان و إمكانية الإستلقاء بدلالٍ تام دون أن يرقد عليه ظلُ طفلٍ آخر .. انتقلنا وحالة من الرغبة و الغربة المتنامية معا , الملل المقيت , الليلُ الذي لا صبح بعده , والصباح إن أتى أمعنَ في قعدتهِ بلا اكتراث!
تنهيدةٌ تتناغمُ مع صوت الساعة الكلاسيكي و سؤال واحد يزيدنا رعبًا .. هل سنكبرُ هنا!

جاملنا الوضع الجديد بوجوهٍ تشتاقُ لوجوهٍ كانت تنام و تأكل و تلعبُ معها! , بوجوهٍ تختبئ خائفة حين يخيّل لها طيفٌ عابر سلكَ هذا المعبر إلى غرفة أكرهها - هي الآن غرفتي - تتربعُ آخر المنزل والجن تموج بداخلها!

دائماً ما كنتُ أنتهجُ النوم المبكر ليست رغبة في النوم فقط , بل وحتى لأسيح بلحمي وجلدي على السرير الممتد بأمانٍ كبير يخالطهُ شكٌ أجاهدُ في قتل بذرتهِ الأولى , لو علمتُ أن عيناً أخرى لا زالت تحملقُ في الظلام ترسمُ أرقها بخطٍ من الليل الأسود .. ترسمُ أحلامها على نهر هذا الليل المنسكب!
شعور دافئ بالحماية يسرّبهُ إليّ ذاك الذي على قيد الوعي , يكفيني لأنام بهدوء وخاطرٍ سرّحتهُ بعيداً نحو بوابة أحلام نصفُ مغلقة لا هيَ تحققت و انفتحت و لا انقطعت و ضاعت بعنوانها عن طرقِ رأسي!

رائحة السجاد الجديد و الأثاثُ الخشب أدفعها بـ آهةٍ خفيضة - لا أدري كيف أفسرها هل كانت استعاذة أم حنين إلى ما قبل عشر و قليل من السنوات ! - حتى تطول يداي لوجهي و "أهشّ" تلك الذكريات المُحزنة!

عفوًا ..
هل قلتُ محزنة!

.
.


كانت "فجأةً" مُزعجة أن نعيش بعيداً عن أصدقاء الروح و الفجر الصغير ..
بعيدًا جدًا ....
جدًا ....
مسافة خمسُ دقائق على صفيح سيارة!