المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : !! .. حكايات أبطالها نساء ][ مجموعة قصصية ][ .. !!


الوجه الأليم
02-16-2008, 04:10 AM
بسمه الهادي




!! [[ حكايات أبطالها نساء ]] !!




مجموعة قصصية


.
.

الوجه الأليم
02-16-2008, 04:12 AM
!! مدخل !!
نساء ..
عاندن الزمن .. وعاندن الظروف ..


نساء ..
حاصرتهن أحزان الحياة ..

نساء ..
قتلهن الخوف المقيت وأرادهن قتيلات ..

نساء ..
لم يجدن من هذه الوجوه البشرية غير الاسى ..


نساء ..
غادرن محطات الحياة .. ومن خلفهن احلامهن الرمادية ..


نساء ..
لم يجدن غير الموت سبيلا ً للخلاص من شجى الفؤاد ..


نساء ..
حققن مقولة وراء كل رجل عظيم إمرأة !





وما أكثرها من حكايا اجتمعت هنا في هذه المجموعة ..


" حكايات أبطالها نساء " مجموعة قصصية ستعاصر حياة كثير من نون النسوة !!


.
.

الوجه الأليم
02-16-2008, 04:13 AM
.
.



[ 1 ] سيارة اسعاف


" أرجوك ارفعي مستوى صوت الراديو !


قلتها بخوف قاتل لأختي سهام بعد أن وجدت سيارة الاسعاف تقترب من أمامنا ! فقالت لي اختي :

" مريم مابك عزيزتي كل مالمحت هذه السيارة يصيبك الخوف البغيض .. ؟

" لا ادري ولكن فقط اكتفي برفع مستوى الصوت ..



لا أجد رفع مستوى الصوت كافيا ً لتبديد هذا الخوف المقيم بداخلي ,, فعدت برجاء قائلة :

" توجهي بالسيارة إلى مسار آخر غير هذا الاتجاه ..


" إنها سيارة اسعاف ليس الا .. فلماذا كل هذا الخوف ؟؟



هو السؤال الذي طالما ابتغيت الاجابة عليه الا إني أفشل للمرة المليون ! لا أتذكر حدثا ً مأساويا ً وقع كان له ذكرى مع هذه السيارة .. لا زلت أجهل حقيقة هذا الخوف الذي يعتريني لمجرد سماع صوتها أو رؤية ما يشبهها !

لا أخفي بأني حتى اللون الابيض اصبحت أمقته جدا ً !

في العام المنصرم أهداني والدي سيارة بيضاء فرفضتها .. ولم أبال ِ بحزن والدي حيال أمر الرفض !
إني حقا ً أمقت كل الاشياء الذي تذكرني بهذه السيارة ..

في أوقات كثيرة أرفض زيارة المرضى كل لا أرى وجودها ! هل أحتاج لعلاج نفسي حول هذا الخوف ؟


سألت أختي ذات السؤال فأجابتني :

" تحتاجين لعلاج حتما ً وهذا أمر كان لابد لك فعله منذ مدة ..

صمت ُ برهة فقلت :

" لكني أخشى نظرات الناس !

" وما أدرى الناس بذلك ؟؟ مريم ما تعانين منه مرض نفسي ,, أنت تعانين من الفوبيا !


أتساءل مع الذات لوقت ما ,, ماذا يعني مقتي لسيارة اسعاف ؟؟ و هل هذا سببا لمحاربة النظرات بالتوجه لعلاج نفسي ؟


سألتها :

" لكن وماذا يعني هذا الخوف ؟؟ إنه لا يؤثر على حياتي بشيء !



" انت لا تدركين شيئا ً حقا ً ,, أنت لا تدركين أي فزع وأي جنون يصيبك حين ترين سيارة اسعاف ,, تبدين طفلة رضيعة تصرخ طالبة الحليب ..


غضبت لهذا التعليق التافه فقلت :

" ماهذا الهراء ؟


" قلت لك أنت لاتدركين ما تفعلين ! هل نسيت أمر رفضك للسيارة التي قدمها والدي لك هدية ؟ أم نسيت أمر مقتك لحصص الرسم المدرسية فقط لأنها تحتوي أوراق بيضاء ؟؟


وتصمت قليلا ً وتقول مايزيد خوفي خوفا ً :

" حفل زفافك بعد 3 أشهرمن الان ,, هل نسيت أمر الفستان الابيض ؟


قلت بلا مبالاة :

" ليس هنالك من داعي ليكون الفستان أبيضا ً سأرتدي ورديا !



تضحك :

" تريدين محاربة النظرات بارتدائك فستانا ً ورديا ً في ليلة لابد أن يكون فيها أبيضا ً ,, ولا تريدين محاربتها لاجل قتل خوف ينهيك حتما ؟



لم أقو َ على الاجابة .. شعرت بضرورة أمر العلاج , فأنا ورغم قساوة هذا الحديث الا انني أبدو طفلة حين رؤيتي لهذه السيارة !

هل أخشى فقد عزيز ؟؟ أم أنه خوف لا مبرر له ؟؟
إني فعلا اصيب بحالة ذعر شديد ونوبات هلع . هي غير مبررة !





حديث أختي كان على حق ,, ولأنه كذلك هاتفت دكتورة اخصائية وأجريت موعدا ً للعلاج ..


كانت على قدر كبير من الخبرة ,, بأسألتها وبحديثها !


خرجت معي أوقاتا ً عديدة للتسوق ,, و تكثر من لفت انتباهي لجمالية الملابس البيضاء ! حاولت أن تغير فكرتي للأمر قبل أن تقتل الخوف المقيم هنا في صدري !



غيرت هذه الانسانة في داخلي الكثير ,, واقتعنت مؤخراً بأمر فستان الزفاف الذي لابد أن يكون ابيضا ً ,, واشتريت ملابس كثيرة بيضاء ..

أحد زميلاتي مرضت فزرتها بالمشفى غير آبهة إن كنت سأجد سيارة الاسعاف أم لا !


أخيراً نجحت الدكتورة في قتل الخوف بداخلي بالعلاج السلوكي ,, فقد بدأت معي خطوة بخطوة ,, و حين انتهى الخوف الذي لا جدوى منه ,, استطعت أن استرجع السيارة البيضاء الذي أهداني إياها والدتي والتي كان يستخدمها خطيبي طيلة الفترة الماضية !




في أحد المرات ,, وحين كنت عائدة من العمل وجدت سيارة اسعاف بصوتها المدوي تقترب شيئا ً فشيئا ,, أخفضت صوت الراديو وفتحت النافذة وأضحك ببلاهة في حين اصحاب السيارات القريبة مني ينظرون لي باستغراب ! لم يهمني الأمر كثيرا ً !!




وحين وصلت المنزل رافعة يدي الانتصار على هذا الذي اسموه " الفوبيا " وجدت الجميع في حالة حزن و أسى ,, لأدرك فيما بعد بأن سيارة الاسعاف التي مرت بقربي قبل ساعة كانت تحمل في داخلها جثة والدتي !










.
.

خنساء بنت المثنى
02-16-2008, 11:44 AM
سردٌٌ شيق :)

أبدعتِ أخيتي

مودتي وأحترامي

سعـد الوهابي
02-19-2008, 06:40 PM
.
.
.
الفوبيا . .

الخوف من أشياء لايرى فيها الآخرين مايخيف . .

النفور منها . .

محاولة تجنب رؤيتها والتعامل معها . .

نتيجة ضغط نفسي تسببه تلك الأشياء . .

ربما يكون ذلك الخوف نتيجة لـ استشعار النفس

بأن ذلك الشيء سيكون سبب في حدوث

أمر لايعرف كنهه في الوقت الحالي . .

.
.
.
سيدتي القديرة . .


" الوجه الأليم "

قصة جميلة ونهاية مأساوية . .

القصة كـ ترابط سردي وقصصي

كانت متماسكة نوعاً ما . .

لكن يشعر قارئها

بأن في تلك السلسلة حلقة مفقودة . .

التمكن واضح من أدوات القصة القصيرة . .

وتوظيفها رائع

سلم فكرك

ودام عطركِ المنساب . .

في انتظار القادم . .



(احترامات . . مطمئنة)

سعـد

سعد المغري
02-25-2008, 06:20 AM
..

في هذه القصة
لا يسعنا سوا التصفيق وبحرارة.
لهذه الكاتبة الأريبة.
التي تتقن فن القص وتسرد
لنا القصة بفكر مترابط وتناغم تام
مع وجود حلقة مفقودة غير مفهومة.
وتدهشك بنهاية القصة بما كنت تبحث عنه
وهو لب الموضوع..

الوجه الأليم هي كلمة واحدة.. فقط
وجعلتي منها قصة رائعة.

تحية طيبة وعطرة..
.

أسمى
03-04-2008, 05:50 PM
أجل..نحن دائما مع الأقدار على موعد.










:
قاصتنا الرائعة..حديثك بدى منسابا الى الالباب بعناية.

فاطمه الغامدي
03-20-2008, 08:16 PM
نهاية قاسية تدل على قلم متمكن --

د.فيصل عمران
03-23-2008, 03:14 AM
الوجه الأليم
رتابة النسج وجمال السرد
ما يميز هذه الحياكة / الحكاية
فشكرا لك تليق بكل هذا الكرم

جرير المبروك
03-23-2008, 04:40 AM
لم يكن البطل هنا النساء
و انما القدر
و انما القهر
لكن الضحايا هي النساء حسب ما رايت!!
يا ايتها الضحية الرقيقة اللطيفة
تكتب الطبيعة على جباهنا دون اذن منا
بعض الشفافية و العذوبة
و تكتب الاقدار مسارنا لنكون موضوعها

احســـــــــــــنت
احسنت يا وجه الالم و بوركت!
جرير

الوجه الأليم
04-04-2008, 08:16 AM
بسمه الهادي



خنساء ..


لا يتحقق الابداع الا بهذا الحضور منكم !




.
.

الكريم سعد

كثير ما تنوجد في قصصي حلقة مفقودة !
احيانا افضل التعديل ..
و احيانا افضل ان تكون بين يدي القارئ !


احتراماتي لك ..




.
.



سعد


احيانا نكون بحاجة للوصول للنهاية لنكتشف حقيقة الامور , و المشكلة ان البعض يعود ادراجه منذ منتصف الطريق!


لك كل التقدير


.
.






العزيزة و الغالية قيد من ورد


نحن كما قالت دائما على موعد من القدر ّ!
ترى من منا الخائن في الموعد ؟
نحن ام القدر؟





.




الفاضلة فاطمة


المؤلم اني لا اجيد الا النهاية القاسية المحزنة!



.
.


د فيصل


جميل منك هذا الحضور ..
و التمكن الحقيقي لن يتحقق الا بملاحظاتكم ..


.
.


جرير المبروك



النساء ضحية ..

ضحية حب
ضحية اسرة
ضحية قدر
ضحية رجل



و قد يكون كل شيء ضحية بسبب امراة !



لن اغفل عما ورد في جملتي هذه اعلاه في مجموعتي ياجرير!



.
.





لكم كل الحب و التقدير على هذا الحضور لا حرمني الله منه ابداً

الوجه الأليم
04-04-2008, 08:19 AM
بسمه الهادي










.
.

[ 2 ] أرملة رجل حي

أعبث في محتوى حقيبة يدي ؛ محاولة تناسي ماحصل .. الطائرة ستقلع الآن .. وأنا في شعور التكذيب لكل الأحداث التي مرت ,, أحقاً أنا مودعة أرضٍ ضم ترابها أرواحكم؟؟ إني والله لن اقوى على البعاد ,, أقلب الذكريات في مخيلتي كما أقلب صفحات الكتاب وأفشل فشلاً ذريعاً في حبس الدموع المنسابة على خداي ,, فكيف أنسى حزناً حواك يا مريم !؟

اعذري قلب أمٍ ما قوى على الصبر فمضى عله يستريح من صروف هذا الدهر المرير ,, لكني سأعود ,, سأعود لأجل روحك الطاهرة !

هاتفي المحمول يرن ,, مكالمة من صاحبة قديمة ,, هي تعزية لفقد ابنتي ,, اصمت .. ثم اشكرها وأنهي المكالمة ,, لأرى خلفية الشاشة التي ضمت صورة الراحلة ,, معشوقتي حد الجنون مازال العقل يرفض خبر موتك , أحقاً ارتحلت عن عالمي ؟؟ أم أنه كابوس عشتِـه في خيالك و أوهمتني بطيوفه ؟ متعبة .. مرهقة .. و وحيدة بعد موتك الذي أنهاني ..

الهاتف يرن ثانية ,, المتصل أخ زوجي جاسم ,, يعزيني هو الآخر ويصبرني ,, جميعهم اتصل ,, جميعهم رجا مني الصبر عداك يا جاسم ,, لا تزال قطعة جليد لم تقوَ ظروفك معي أن تذيبك ,, فكيف أن تمر لحظة موت فتاتك دون سماع حديثك ؟

إنك وإن هاتفتني لن أغفر لك تخاذلك وإهاناتك لإعاقتها ,, لن أغفر لك غيابك .. استهتارك بمرضها ,, مريم وحدها من كانت تعاني , وحدها من كانت تبكي ليلها خلسة راجية حضورك وهي تصرخ في فزع " بابا .. بابا " ,, توسلاتها لم تحرك ساكنك ,, دخولها المستشفى مرات عديدة لم يزد مشاعرك إلا تجمدا سفرها الاخير لم تسأل عن موعده ,, و موتها لم يطلق لدموعك العنان .. فهل تعرف عيناك معنى الدموع ؟؟ وأنت الذي لم تبكِ معي مواساة لفقد والدي !


مريم رحلت عن دنياي منذ اسبوع ,, أما أنت فرحيلك عن عالمي مذ تزوجتك ,, فلماذا لا تفك قيدي يا سيدي وقد رحل الوصل بيننا ؟؟ فبعد رحيل العزيزة لم يعد لك شيئاً بين يدي .



الصوت يصلني :" سنبهبط الان " أهي الدقائق مرت سريعا هكذا ؟؟

صاحبتي سعاد تستقبلني بأسى وتسأل :

" أين جثة مريم ؟

" تركتها هناك مع أرواح الاحبة !

" ولماذا تبقين روحها بعيدة عنك ؟

" لن ابقى بعيدة فأنا راحلة لها ..

" ترحيلن لها ؟

" سأترك كل شيء هنا وأرحل !

" لا تكوني مجنونة !

" سأكون مجنونة إن بقيت بعيداً عن روح والداي وروحها !

" وعملك ؟؟

" الفرصة سانحة للعمل هناك ..

" وزوجك ؟

" و هل كان لي زوجاً ذات يوم ؟

" لكنه زوجك !

" لم يعد يهمني أمره ..

" الهجران يعاقبك الشرع عليه .

" لكنه لا يدري ما الشرع .. حُسم الامر , إني مسافرة رغم كل شيء !

" وتتركين وطنك ؟

" وطني حيث أرواح الاحبة .. حيث والداي هناك توفيا بذات المرض ولم يجدِ العلاج معهم ,, وحيث فتاتي التي رحلت أمام عيناي ,, هناك وطني .. فأي وطن ٍ يؤنس العيش فيه دون الأهل !؟



سأودع هذا الوطن بما حوى ,, وسأخلف كل الذكريات .. الأمكنة و الأزمنة ,, قد يجرفني الاشتياق يوماً للعودة للعيش مع الاطياف ,, وقد لا أعود فلاشيء لي هنا ..


أنهي اجراءاتي الاخيرة ,, وصدفة ألتقي به خارجاً من مقهى بصحبة فتاة ,, هي حكاية جديدة ,, سنتهي فور الشروع في بداياتها ,, أضحك بعد جرعة الألم القاتلة , وأموت حزناً حين ادرك أنه قدري ! قدري رجلاً عرف صنوف النساء ,, وبقي عاجزاً أمام صنف زوجته .. !


سأرحل من هنا ,, ومن هذا العالم ,, لأبقي عمري مع أرواحكم احبائي ,, وأرثي عشرين عاماً انقضى من عمري ما عرفت فيه غير الأسى و الأسى و الأسى ....


فوداعاً أيها الوطن .. ووداعاً أيها الزوج الغريب !






.0.

الوجه الأليم
06-08-2008, 04:39 PM
[ 3 ] مخطوبة


بعد شهرين من الان سأحتفل مع خطيبي محمد بحفل زفافنا بعد خطوبة دامت لعامين لظروفي المدرسية ,, لم يتبقَ لي غير شهر وأتخرج من الثانوية ..

أحاول قدر المستطاع عمل اللازم لتكون هذه الحفلة تاريخية لكلينا , اشتريت فستانا راقياً , فيما محمد اختار " كوشة " رائعة جدا ابهرتني , القاعة التي اخترناها من افخم القاعات هنا , كل شيء يبدو ممتازاً .. .


سأفعل كل مالدي لاجل هذه الليلة , ولتسجلها الذاكرة بأبهى صورة ..

إنما أكثر ما كان يحزنني مرض محمد المتكرر في الاونة الاخيرة , لا اعرف لماذا تتكرر نوبات مرضه هكذا دون جهد قد يبذله , هو مصاب بـ " فقر الدم المنجلي " واصبح يقضي اوقات كثيرة في المشفى لتلقي العلاج ..


سمعته ذات مرة يبكي خلسة , وتفطر قلبي لاجل ذلك , شعرت بأن لاجاذبية في الارض لتوقفني عليها ! اقتربت منه قائلة :

" أتبكي ؟ أتبكي وأنا معك أيها الحبيب ؟


ليجيبني بما زلزلني أيما زلزال :
" تعبت يا مريم ولا طاقة لي بالمزيد !


لم أشعر بانهيار مثلما شعرت به عن هذه اللحظة , ضممته مخاطبة إياه :
" لا تبك فأنا معك , قريبا ًسنتزوج عزيزي وسأهتم بك اكثر .


أجابني بأسى :

" سعيد انا باقتراب الزواج , الا اني اخشى ارهاقك ..


لأول مرة أرى في عيني الحبيب انكساراً , مرض كثيرا طيلة العامين المنصرمين , و تعب كثيراً الا أن الابتسامة عشيقة شفتيه حد الجنون , كنت أبكيه كلما تألم , وكان يبتسم مصبراً قلبي ..

إن لحظات ضعفه لهي أضعف لحظاتي , لا اقوى على رؤية دموعه , او سماع آهاته , فكل قوتي تنهار لذلك ..



واقترب موعد الزفاف , كنت اطيل النظر للمحبس الموضوع في اصبعي واخاطبه :

" قريباً ستودع يدي اليمنى أيها العزيز ..


وما إن أنهيت حديثي وإذا بصراخات مدوية وصراخ آهات تبكي لها المسامع ..

جريت بجنون ناحية الغرفة , كان محمد يضرب رجليه بالارض ضرباً مبرحاً عنيفاً , تناول الزهرية الموضوعة قرب السرير ليكسرها لا شعورياً على رجليه لتبحر رجليه في بحر من الدماء ! !

صرخت , بل كدت أموت لذلك ..


اقتربت في فزع ما مثله فزع صارخة مستنجدة خائفة : حبيبي مابك ؟

ليجيبني " سأموت والله .. لا احتمل لا احتمل ..


وهل لقلبي أنا أن يحتمل وجعك ؟ وهل لعيني أن تحتمل رؤيتك ؟ وهل لاذني ان تحتمل سماع آهاتك ؟

ناديت والدته في فزع قاتل لم يكن بالمنزل سوانا , هاتفت المشفى طالبة الاسعاف ..

لا اعرف كم من الدقائق بقيت اصارع الخوف المتمرد على قلبي وانا بقرب حبيب الفؤاد أبعد يديه عن رأسه واوقف رجليه عن ضربها , ضعفه لم يملكني اي قوة لعمل اسعافات اولية , انما بقيت جاثية على الارض , حتى لساني لم يكن قادراً على نطق اي شيء .. غير اني رفعت يدي للسماء وصرخت بكل مالدي من قوة :
" يارب .. يـــــــاربــ !


والدته تبكي بجنون , وكل دقيقة تمر تقترب من النافذة تستفقد سيارة الاسعاف كانت هي المرة الاولى التي يضعف فيها محمد حد هذا الانهيار ..

في سيارة الاسعاف كان يصرخ كثيراً ,, ويتألم كثيراً , وفجأة صمت كل شيء , ضغط على يدي بقوة , حتى كاد يخترقها , اشار لي ان اقترب اكثر واكثر منه , ابتسم .. وحين قربت اذني ناحية شفاهه قال بصوت مخنوق :
" مريم احبك ورب السماء !

وسكنت آخر آخر انفاسه , وارتحلت روحه للعالم الآخر .. ناظرته , حدقت به , تقاطرت سيول ادمعي على خديه ,, الا أن لا صوت له لينطق , ولا روح له ليوقف البركان المتفجر .

من أعماقي صرخت : لا .. محمد ارجوك لا ..

إلا أن ساكنا لم يتحرك له , فبأي الكلمات اصف ألما حوى قلبي عن تلك اللحظة ؟ وأي حديث قد يوصل للعالم حزني ؟

بين هذه الاحضان قد مات , ليرحل ويترك لي نظرته الاخيرة ,, ابتسامته القاتلة , وكلمة احبك .. وذكريات موجعة ..

ليس محمد وحده من مات , بل مات كل شيء معه , يومي وغدي , ضحكي , فرحي , ابتسامي , ويخيل لي أن حتى عقلي قد مات !
إلا أن الوجع هو من وُلد ..


ومر يوليو كئيباً , موجعاً , وفي اليوم المحدد للزفاف .. ليست فستاني مخاطبة صورته المعلقة على جدار غرفتي :
" محمد انا انتظرك .. اليوم زفافنا ..

وقادني جنوني للمضي الى القاعة , بكيت حين دخول العروسين , وبكيت اكثر حين علمت ان اسم العريس " محمد " .. حسبت بأن لا روح لي ستبقى بجسدي بعدها ..

لا زلت ارتدي المحبس في يدي , والذي تمنيته ان يلامس الاخرى , وحين يسألني أحدهم اخبرهم أني لا ازال " مخطوبة لرجل " !
فيبكيني من له علم بأمري !


تقدم لي أحد المغرمين فرفضته , فكيف لحضن مات به حبيب الفؤاد ان يقبل برجل آخر ؟ وكيف لحضن عانق آخر انفاس حبيب الفؤاد أن يقبل بأنفاس رجل آخر ؟

إني وإن خٌلدت في هذه الدنيا لن انسى النظرة الاخيرة التي رقمني بها قبيل رحيله ! ولن انسى زفراته التي صاحبت كلمة " احبك " ! .. سيبقى مشهد الرحيل في ذاكرتي وشماً , وفي عيني طيفاً يتراءى لي في كل لحظة ..

محمد , سأرفض الرجال من بعدك , و سأكتفي بالتضرع الى الله ان يجمعنا معاً في جنة الخلد , وقتها فقط لا شيء يفرقنا !


.0