![]() |
علمني أبي أن سياسة الجمع يلزمها سياسة ترويض المحتوى على تقبل المجموع الحال فيه، ومنها سياسته فيما يتلاءم معه كما، وكيفا..فعادة الشيء طبيعته الصريحة بتقبل، أو عدم تقبل الحال فيه خاصة إذا كان نشز الحال عن طبيعة المحل.
ومن هنا عملت جاهداً على ألا أستهوي سياسة الجمع حتى أدرك مدى تقبل ذاتي لاحتواء كل واحد من أفراد المجموع. فكان هنا نوع تدليل للنفس ألا ترغم على شيء ما لم يسغ لها تشربه، وألا تجبر وفق طريقة الإغراء على تكديس الكم النوعي فيها وهي غير قادرة على التكيف السليم مع مجموع ذلك. وقال لي أبي: تعلم يا بني كيف تكسب ذاتك قبل كسب الآخرين، فإن الصحبة درجات، وأولها بل أهمها صحبة الذات عندما تتفهم مرادها، فترويها من الكأس الذي اختارته هي ، وتشبعها من ذات الصحفة التي تبنت نوعها هي كاختيار لها لا يشاركها فيه أحد. ومن قبيل الحسرة أن تجد شخصاً معاقد شهوته موثوقة بحب التكثر من الشيء، في الوقت الذي يخسر فيه من معنويات السلامة، والحفظ بأكبر من مقدار ما أدخل إلى نفسه من إغراءات التكثر، ومن هنا كان حكم القرآن على الإنسان بالتعجل في مكانه من حيث كونه لا يرى بناظريه، ولا بثاقب فكره إلا سياسة المدخلات، مع الإغفال الكامل عن كنه المخرجات. |
علمني أبي أن بناء الذات منوط بشيئين: فكرة، وزمن...فالفكرة جارية مجرى العنوان، وإن شئت قل: هي الطينة الآدمية الساجد لها الملائكة أمراً، ثم هي العابث بها الشيطان اختيارا، ومتى ما تبلورت فكرة بناء الذات وفق هاتين الحالتين المتقابلتين أتيح للإنسان حق الاختيار بين بناء ملائكي يقيم ذاته وفقه، أو تردٍّ شيطاني يهوي بذاته في دركاته...
أما الزمن فهو الجامع لمهمات اللحوق بالذات حتى لا تتأخر، لأن طبيعة الزمن تأنف الوقوف، وتنأى عن الانتظار، وكلنا هنا منتظرون، والزمن لا ينتظر أحداً. ومتى ما أدرك الباني سبق الأيام أمام تأخره علم قيمة اليوم عن الغد، كما علم قيمة الأمس يوم أن كان في مقام اليوم. وقال لي أبي كثيراً ، وكم تربع في جلسته، وأنا أمامه أجلس القرفصاء منصتاً لحلو حديثه، وكأنما أنهل من فيض سماوي وهو يتحدث لي من عراقة الماضي، وحتمية استدراك اليوم. |
الساعة الآن 10:49 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.