منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد الهدوء (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   حكاية عقيق (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=41946)

ود 03-20-2020 11:00 AM

تعاقبت السنون على القرية وعقيق راية فألها الحِسن وجهة تبديل حال المكان. المبتعثة لهم من غيب القدرة الكلية الى الارض كي لا ينام جائع على فراش حزن ولا يحمل هم معيشة أسرته والد وفي مثل هذه الاحوال تختلف الناس كما لا بد تفعل في كل الزمان بين مصدق وموالي وبين حاسدٍ ومشكك وبين كاره ٍ وخبيث وبين من لا يفكر الا في قوت يومه ولا يهمه خارج جدا بيته في خيرٍ او شر

اصبح عمر عقيق ثلاثة عشر عاماً ، ارادت النجيبة القيام بحفلٍ لبلوغها مبالغ النساء وتكليفها بما يُكلفن به ، وقد ابتدأت عقيق الصوم طوعاً وزهدا ً منذ التاسعة او قبلها قليلاً وعقيق طفلة لا تُقبل على الطعام كثيرا فبعض من خبز التاوة وقليل من الملح والماء يكفيها يوما بأكمله مما جعلها خفيفة تكاد تطفو من دقةٍ في جسدها رغم طولها البين والذي يتداولون الفضول في شكلها الخارجي يتحينون الفرص لنظرة عابرة لعقيق في تنقلها النادر وما قد يسربه لهم خدم الدار اذا رأوها تخرج من ديوان النجيبة لغرفة الدرس او العكس

ختمت عقيق العلوم المتبعة آنذاك كأي فتى فلم تعلمها النجيبة العلم المتاح لنساء ذلك الزمان او تلك المنطقة وعرفها وعاداتها بل علمتها ما قد يتعلمه الأمراء استعداداًلوراثة ممالك عظيمة ، وكلما آنس المعلمون اتقاد ذكائها وتشربها لشتى انواع المعارف بسلاسة وسهولة كانها تعرف مسبقا وروحها حاضرة لما هو في العالم من حكمة وكأنما المدرسون ينفضون غبار العبور من عالم الى عالم عن روحها لتتكشف لهم طاقاتٍ لم يروها من قبل حتى انهم في اجتماعاتهم يناقشون عقيق ك حالة لا كانثى او انسان وهم يحترمونها لا لمنصبٍ لها او المال الذي ينالونه في رحابها بل لعقلها ورزانتها وما يشبه الكمال في هيئة شخص ما ولا زالوا في دهشةٍ منها وبها بتعاقب السنين

في حفلٍ التكليف كالعادة اُولمت الولائم ووُزعت الحلويات والأموال على عامة الناس وسألت النجيبة مختار المكان ان كان للعامة اماني يتمنونها او اغراض يحتاجونها
بعد تردد همس المختار بوجل وهو ينظر الى امام المسجد والقاضي يطلب السند

(يقول الناس سيدتي ان كانوا في هذا العمر قد تعذر عليهم القرب من عقيق او السلام عليها فهل لهم بسماع صوتها تتحدث اليهم فيم قد يفيدهًم ربما وهل تستطيع الحديث اليهم فقط عن ما سيؤول اليه المكان وهل ترغب في التسيد عليهم وإمساك الزمام بعد ابيها او ان الجوهر من سيكون سيد المكان)


عند ذكر التسيد انتفضت النجيبة ورفعت يدها لتسكت المختار وقالت للغدِ شمسٌ تظهر المخفي ام الحديث لكم فسارى

يتبع

ود 03-20-2020 11:02 AM

ظهرت عقيق في جلوتها محمولة في هودجٍ مصنوع من الخيزران المجدول بالريحان والرازقي في غير موسمهما، الهودج غرفة صغيرة جداً تتسع لسيدتين من حجمٍ صغير فكانت عقيق في الوسط وليس حولها احد، لم يكن الهودج مبهرجاً فقط فص فيروز محاط بالفضة المجلية يتوسط الاطار العلوي وستارة شفافة بيضاء تتخذ مكان الرؤيا توارب ولا تمنع ولا تكشف يحتار الرائي في رفرفتها ويتمنى البعض لو تمر ريح الشمال فترفعها قليلا كي يتسنى للعامة رؤية عقيق او عينيها الساطيتان كما سمع الناس ، الأكيد انها ترتدي لثاماً اخضر وتقدمت الموكب النحيبة تتكيء على عصا لها رأس افعى الحكمة وبها عيون لامعة من اصل الياقوت وترتدي كذلك الحجاب واللثام
من رأى السيدتان في علوٍ وعلو عرف ان ما عقيق عليه مأخوذٌ في الشكل من جدتها وفي الروح من عشرة النجيبة ودمها الذي يبدو تغلب على كل النصابات الباقية في قوانين النسب وما قد يرثه الحفيد من الصلة بجدٍ او جدة

سار الموكب حول القرية والهودج يحمله اربعة رجال لا يكادون يشعرون منه بثقلٍ او عبء كأنما يطفو في المكان ، من مر بحدود القرية ذلك اليوم اخبر البلاد كلها بالصمت المهيب الذي عم قرية الجبال السبع وانه لم يجرؤ اي شخص على الهمس ولم يرفرف طير او يغرد في مهابة حضرة عقيق ، كان الجو محملاً بالترقب والتوتر ونبضات القلوب تتعالى شوقاً ورغبة في سماع جرس الصوت وما قد تتحدث به عقيق وهي التي للتو ودعت تمام الثالثة عشر من العمر وتخطو في الرابعة عشر هذا السن المرتبك بين الطفولة والانوثة ، هذه الطفلة ما الذي قد تقوله وهم لا يعرفونه وكيف سيؤثر هذا عليهم

كل ما علمه الناس بوعيهم قبل عقلهم انهم ان سمعوا الخطاب لن يعودوا مثلما كانوا

توقف الموكب وسط ساحة القرية وقد كانوا قد اعدوا المكان لجلستها الا ان الرجال انزلوا الهودج في الأرض ووقفوا ولم تخرج عقيق وبعد انتظار بدا ثقيلا ومكثفاً
قالت النجيبة

(ستحدثكم عقيق كما اردتم وكما اختارت ، لم اسألها ماذا ستقول ولا هي قالت، حين تتحدث عقيق تلتفت الشمس وتتوقف الارض ، سمة الكون احتواء جواهره ، وانتم ايها المحبين ان اردتم العلم فاستمعوا بقلوبكم واتركوا العقل فانه غادر في مثل هذه الأمور
ومن لن يجد في ذاته الاولى القدرة على الإنصات فليرحل نحن لا نريد مستمعون )

استغرب الناس من بعض رقةٍ زينت صوت النجيبة وبعض قلق لكن شوقهم لحديث عقيق منعهم من الحديث لبعضهم والتفت الحشد المشاهد صوب الصوت الغرائبي وهو يبتدئهم بالسلام

يتبع

ود 03-21-2020 06:34 PM

تعاقبت السنون على القرية وعقيق راية فألها الحِسن وجهة تبديل حال المكان. المبتعثة لهم من غيب القدرة الكلية الى الارض كي لا ينام جائع على فراش حزن ولا يحمل هم معيشة أسرته والد وفي مثل هذه الاحوال تختلف الناس كما لا بد تفعل في كل الزمان بين مصدق وموالي وبين حاسدٍ ومشكك وبين كاره ٍ وخبيث وبين من لا يفكر الا في قوت يومه ولا يهمه خارج جدا بيته في خيرٍ او شر

اصبح عمر عقيق ثلاثة عشر عاماً ، ارادت النجيبة القيام بحفلٍ لبلوغها مبالغ النساء وتكليفها بما يُكلفن به ، وقد ابتدأت عقيق الصوم طوعاً وزهدا ً منذ التاسعة او قبلها قليلاً وعقيق طفلة لا تُقبل على الطعام كثيرا فبعض من خبز التاوة وقليل من الملح والماء يكفيها يوما بأكمله مما جعلها خفيفة تكاد تطفو من دقةٍ في جسدها رغم طولها البين والذي يتداولون الفضول في شكلها الخارجي يتحينون الفرص لنظرة عابرة لعقيق في تنقلها النادر وما قد يسربه لهم خدم الدار اذا رأوها تخرج من ديوان النجيبة لغرفة الدرس او العكس

ختمت عقيق العلوم المتبعة آنذاك كأي فتى فلم تعلمها النجيبة العلم المتاح لنساء ذلك الزمان او تلك المنطقة وعرفها وعاداتها بل علمتها ما قد يتعلمه الأمراء استعداداًلوراثة ممالك عظيمة ، وكلما آنس المعلمون اتقاد ذكائها وتشربها لشتى انواع المعارف بسلاسة وسهولة كانها تعرف مسبقا وروحها حاضرة لما هو في العالم من حكمة وكأنما المدرسون ينفضون غبار العبور من عالم الى عالم عن روحها لتتكشف لهم طاقاتٍ لم يروها من قبل حتى انهم في اجتماعاتهم يناقشون عقيق ك حالة لا كانثى او انسان وهم يحترمونها لا لمنصبٍ لها او المال الذي ينالونه في رحابها بل لعقلها ورزانتها وما يشبه الكمال في هيئة شخص ما ولا زالوا في دهشةٍ منها وبها بتعاقب السنين

في حفلٍ التكليف كالعادة اُولمت الولائم ووُزعت الحلويات والأموال على عامة الناس وسألت النجيبة مختار المكان ان كان للعامة اماني يتمنونها او اغراض يحتاجونها
بعد تردد همس المختار بوجل وهو ينظر الى امام المسجد والقاضي يطلب السند

(يقول الناس سيدتي ان كانوا في هذا العمر قد تعذر عليهم القرب من عقيق او السلام عليها فهل لهم بسماع صوتها تتحدث اليهم فيم قد يفيدهًم ربما وهل تستطيع الحديث اليهم فقط عن ما سيؤول اليه المكان وهل ترغب في التسيد عليهم وإمساك الزمام بعد ابيها او ان الجوهر من سيكون سيد المكان)


عند ذكر التسيد انتفضت النجيبة ورفعت يدها لتسكت المختار وقالت للغدِ شمسٌ تظهر المخفي ام الحديث لكم فسارى

ظهرت عقيق في جلوتها محمولة في هودجٍ مصنوع من الخيزران المجدول بالريحان والرازقي في غير موسمهما، الهودج غرفة صغيرة جداً تتسع لسيدتين من حجمٍ صغير فكانت عقيق في الوسط وليس حولها احد، لم يكن الهودج مبهرجاً فقط فص فيروز محاط بالفضة المجلية يتوسط الاطار العلوي وستارة شفافة بيضاء تتخذ مكان الرؤيا توارب ولا تمنع ولا تكشف يحتار الرائي في رفرفتها ويتمنى البعض لو تمر ريح الشمال فترفعها قليلا كي يتسنى للعامة رؤية عقيق او عينيها الساطيتان كما سمع الناس ، الأكيد انها ترتدي لثاماً اخضر وتقدمت الموكب النحيبة تتكيء على عصا لها رأس افعى الحكمة وبها عيون لامعة من اصل الياقوت وترتدي كذلك الحجاب واللثام
من رأى السيدتان في علوٍ وعلو عرف ان ما عقيق عليه مأخوذٌ في الشكل من جدتها وفي الروح من عشرة النجيبة ودمها الذي يبدو تغلب على كل النصابات الباقية في قوانين النسب وما قد يرثه الحفيد من الصلة بجدٍ او جدة

سار الموكب حول القرية والهودج يحمله اربعة رجال لا يكادون يشعرون منه بثقلٍ او عبء كأنما يطفو في المكان ، من مر بحدود القرية ذلك اليوم اخبر البلاد كلها بالصمت المهيب الذي عم قرية الجبال السبع وانه لم يجرؤ اي شخص على الهمس ولم يرفرف طير او يغرد في مهابة حضرة عقيق ، كان الجو محملاً بالترقب والتوتر ونبضات القلوب تتعالى شوقاً ورغبة في سماع جرس الصوت وما قد تتحدث به عقيق وهي التي للتو ودعت تمام الثالثة عشر من العمر وتخطو في الرابعة عشر هذا السن المرتبك بين الطفولة والانوثة ، هذه الطفلة ما الذي قد تقوله وهم لا يعرفونه وكيف سيؤثر هذا عليهم

كل ما علمه الناس بوعيهم قبل عقلهم انهم ان سمعوا الخطاب لن يعودوا مثلما كانوا

توقف الموكب وسط ساحة القرية وقد كانوا قد اعدوا المكان لجلستها الا ان الرجال انزلوا الهودج في الأرض ووقفوا ولم تخرج عقيق وبعد انتظار بدا ثقيلا ومكثفاً
قالت النجيبة

(ستحدثكم عقيق كما اردتم وكما اختارت ، لم اسألها ماذا ستقول ولا هي قالت، حين تتحدث عقيق تلتفت الشمس وتتوقف الارض ، سمة الكون احتواء جواهره ، وانتم ايها المحبين ان اردتم العلم فاستمعوا بقلوبكم واتركوا العقل فانه غادر في مثل هذه الأمور
ومن لن يجد في ذاته الاولى القدرة على الإنصات فليرحل نحن لا نريد مستمعون )

استغرب الناس من بعض رقةٍ زينت صوت النجيبة وبعض قلق لكن شوقهم لحديث عقيق منعهم من الحديث لبعضهم والتفت الحشد المشاهد صوب الصوت الغرائبي وهو يبتدئهم بالسلام

يتبع

ود 03-25-2020 09:00 PM

( السلام عليكم قومي وعصابة راسي ومسرى آمالي ومجرى دمي ، اما بعد فقد طلبتم مني حديثاً لا على وجه التعيين استوعب معناه عدا عن وعي الطالب بمقصد المطلوب ، لا حيلة لي في نسبٍ او جاه وهبتني اياها الحياة، انما لي في ذاتي ما حرصت على تعلمه والتنور به في ظلمة النفس التي خُلقت من كدرٍ مُصفى ، في ما عرفت دروب بها قبسٌ من نور ٍ لا يتسنى إلا لمن جد في الطلب بقلبه وتخلى عن نزعاتِ طمعه، لذا جئتُ أجيبكم عن السؤال الذي لو انني مكانكم ما التفتُ له ولا إهتممت به

لن أتسيد عليكم ما حييت مختارة، ستكتمل السيادة لوالدي ثم لأخي الجوهر ما استطاعاها وهذا ليس منحة مني بل ما استحقاه بقانون العرف وحكم الاقدمية وكل منهما بكر لوارثٍ ذكر من سلسال ٍ لا تتذكرون تاريخكم بدونه وهذه ثانيةً ليست تزكية مني بل لزوم ما لا يلزم من التوضيح والتصريح دونا عن التلميح الذي يمنعني إباءي عنه

سمعتُ ان الحيرة تلعب في عقولكم من بعض مجريات حدثت وانكم نسبتم لي فضل لا استحقه وهو رزق من الكون لكم وانني ان كنت في رأيكم سبباً او ذات حظوة وُلدت في حدودكم فهذا يحتمل الخطأ إحتماله للصواب

للشعوب مراحل ، يقعون في الجفاف فيموت زرعهم ويجف ضرعهم وتهلك مطاياهم وتقل مياههم فتزيد امراضهم وهي سلسلة من الاحداث يربط بينها الجهل والتبذير حين اليُسر وعدم إحتساب نكبات الزمان حسبة عاقلة

ويقعون في الوفرة فتزدهر الأسواق وتخضر الحقول وتغرد الطيور وتكثر الأعراس

يتناوب الزمانان على البشر عبر التاريخ كل الوقت لا هو تعلم ولا تغير الحال

ربما يكون هذا من اسباب بقائي بينكم ، ان اخبركم انه لن يدوم حال وأنني لست مخولةٌ بضمانٍ الهي وانكم ستصلون الى ذات النتيجة طالما انتهجتم ذات الدرب ولا يزال هناك متسع لعقلٍ ان تعقلتم)

لم يأتِ خطاب عقيق على هوى العامة، بعضهم لم يفهمه والآخر لا يعرف لم ترفض السيادة ولا يعرفون معنى انها تظن انها اختارت المكوث هنا وهي المولودة في هذي الارض بلا إختيار كما كل الناس

لم يلمحوا لها طرفاً ولا حتى تبينوا ملمحاً وحيداً يتحاكون فيه ، قالوا ان لها صوت فتى ما بين الطفولة والمراهقة لا صوت فتاة بعضهم تجرا وهمس ماذا لو كانت عقيق في مكانٍ وسط بين الانثى والذكر الا يفسر هذا كل تصرفات النجيبة

لكن المعجزات التي صاحبت ولادة عقيق بغض التظر عن جنسها اكانت محض صدف

بعد الظهور الذي يكاد يقع في هامش خيبة الامل لعامة الناس تناقلوا الإشاعات على انها أخبار حتى ان بعض من اصبحوا اثرياء خلال الثلاثة عشر عاماً المنصرمة منذ ولادة عقيق سيروا المراسيل كي يبحثوا عن الدايتين اللتين وقفتا على ولادة عقيق ليتاكدوا من جنسها وليجدوا ان الدايتان قد غادرتا البلاد بعد ولادة عقيق بقليل وقبل تمام اسبوعها الأول ولا احد يعرف كيف ولماذا ومتى ولم ينتبه احد قبل الآن ان الدايتان هاجرتا

سرت الحكايا نارٌ في هشيم حتى ذات ليلة تحمل محاقاً في سماءٍ مكفهرة سمعت السيدة بالامر وعقيق في حضرة جدتها وما ان اتمت الناقلة الخبر حتى شهقت عقيق وراء حجابها وحل صمتٌ مخيف استأذنت على اثره الناقلة بالاشارة وهبت راكضة وهي تسمع دقات سبحة النجيبة بقوة في صدى صمت المكان ولم تقف الا بباب ببيتها حيث حوقلت ودخلت قافلة الباب وراءها بالرتاج المحكم

اما النجيبة فتحركت ببطء تتكيء على عصاها وتشق ستار الحجاب لتجد عقيق مغشي عليها في ارض الخلوة.


يقول العارفون ان عقيق كانت فتاة جميلة ، عيناها واسعتان مثل صحراء ممتدة وإنسانا عينيها مثل نبعي ماءٍ جاري ، من سطوة لمعتهما تحسبها على وشك البكاء ، وان لها حاجبان من فتنةٍ مقوسة كانما زججتهما ورسمتهما سيدة من الجان ، كما انهم قالوا انها ان اطالت النظر لمخلوق غر فقد عقله ، وان جدتها النجيبة في صباها تبارت بالنظر مع احد اشجع الرجال في حاشية زوجها واصابته في مقتل اما ارتكاز اللثام على انفها فيوضح شموخاً فيه ودقة ومسافة اللثام تشي بوجنتين مرتفعتين في اباء ، وينسدل اللثام ليكشف عن ذقنٍ لطيف محدد بعزم كما ان لها في العلم باع كبير ولها من الحكمة على صغر سنها ما يُدهش

هكذا وبعد ان وجدالناس الدايتان وتأكدا من جنس عقيق ، وصل وصفها وذاعت صفتها بين العالمين كما لم يخفى عليهم حظوتها لدى اهل الأرض وميراثها ونسبها النبيل وفألها و( معجزاتها) ولم يخل الامر من بهرجة الخيالات وزيادة الصور

وبما ان عقيق أوضحت ان لا مطمع لها في حكم او سلطة وبلوغها الرابعة عشر فقد توافد عليها الخاطبين من ابناء الأمراء والملوك والسلاطين وكبار التجار واصحاب المناصب من شتى بقاع الممالك المحيطة بمملكتهم

تكاثر الخطاب وتكرر الرفض من عقيق حتى بدأ علية القوم يشعرون انهم مُحتقرون وانها تترك اولادهم اسرى في انتظار ردا ثم ترفض بل وتُرجع الهدايا بالرفض شفاهة على لسان خادمة لها ورغم ان ابيها قد اكرم وفادة الجميع منهم كلٌ ومنزلته وعاملهم بكل احترام الا ان هذا لم يمنع غيظ البعض و غضبهم واعتبروا عقيق مغرورة وانه لا حكم لأحدٍ عليها وابتدأوا بمضايقة أييها وأخيها في المصالح المشتركة والنجيبة ترد ابي عقيق عنها كل مرة

في ليلةٍ عاصفة افاقت مبروكة على صرخة السيدة وهي تردد يا الله يا الله
هرعت لها ناولتها بعض الماء تمتمت بسورة الاخلاص ثلاثاً ونفثت عن يسارها ثلاث ثم سألت سيدتها عن الأمر فقالت السيدة

كنتُ وعقيق في قافلة نتجه لحج بيت الله بمكة وفي الطريق وقبل مشارف الجبل الأول هبت عاصفة وتلاطمت بنا الرمال وماجت الارض وكدنا نغرق بل غرق بعضنا وانا ابحث عن عقيق ولا اراها حتى لمحت يدها التي عرفتها من خاتمي االفيروز الذي منحتها تحاول شق الأرض لتخرج منها وتمد يدها للعون واردت الذهاب لها لكن رجلي كانتا مغروستان في الرمل الناعم وكنت. استغيث بالله واستيقظت ، اعوذ بالله من الحلم وما يحمله مبروكة اشعلي المبخرة وناوليني مسبحتي وافرشي سجادتي وهيئي لوضوءي للقد حُرمت النوم منذ الليلة في سواد الوقت


يتبع

ود 03-27-2020 08:03 PM

صبح الصباح في بداية الخريف وكان نوء القوس يقترب من سماء البلدة مُحملاً برياحٍ خفيفة باردة ، بدات الأشجار تتعرى من اوراقها ويبرد النبع ويحلو النوم في الصباحات

الا ان ديوان النجيبة اشتعل بالتسبيح وبخور اللبان وارواح المستكة تدور في الانحاء ، صوت به طلاوة يتلو سورة يس في طرف المجلس وعقيق تتوجس خيفة على جدتها التي مذ استفاقت من حلمها الرملي وهي تراقص الحُمى وترفض الزاد ، تحتضن كتابا مهلهلاً من كثرة ما قُرِأ وتطلب الحناء الممزوج بماء الورد الدافيء وتمسك يد عقيق وتخط على كل مفصلٍ حرف ، كلما تعرشت الخطوط طمست الحروف بورق السدر واعادتها ثانية في دوائر مٌحكمة على كل اصبع يد رتلت كهيعص من أول سورة مريم ثم في اليد اليُسرى حاءٌللحفظ وميم للملازمة وس للسيادة وع للعلو وق مقفولة على نقطها غير مفسرة للواردين

استمرت حالة الفزع والحمى في جسد النجيبة سبعة ايام لا يغمض لها جفن وتتناوبا على رعايتها مبروكة وعقيق حتى اذا انقضى اليوم السابع بعد صلاة الفجر وهي على سجادتها تصلي ومن يراها يظنها تُطيل الركوع وتستجدي الرحمن فإذا هي قد اسلمت الروح في دعةٍ واصبع السبابة منه يرتفع بالشهادة

عرفت ذلك مبروكة حين وجدت ان رأس سيدتها مال الى اليمين وشارف على السقوط وعرفت ذلك عقيق من قبضةٍ اخذت بتلابيب روحها وخرقت شغاف قلبها ثم سمعت صرخة مبروكة فركضت الى جدتها وألزمت مبروكة بالصمت وامرتها بالمسك والسدر والكفن وبيديها المحنيتان بالاذكار والطلاسم غسلت جسد جدتها بدموعها الصامته بلا نشيج ولا نعي وعندما فرغت من ذلك عطرتها بالعود والمسك وخطت على صدر الكفن بماء الزعفران الم نشرح كاملة وغطت وجهها وارسلت لوالدها مندوباً يناديه ليزف والدته الى قبرها راضية مرضية وينادي اخوته ويعلن الحدادثلاثة ايام في ارض البلاد

عرف الحزن درباً لقلب عقيق، لأول مرة منذ ولادتها تتعرف على طعم الفقد ، الفقد الذي لا يشبه اي شيءٍ آخر ، المٌ في القلب وخوف مُريب لا تعرف كنهه

استدلت على معنى الوحدة والحياة بدون سند لأول مرة حين أتت والدتها وجدتها لوالدتها لتاخذناها لبيت والدها ، ارادت الاعتراض والبقاء في بيتها لكن والدها اتى مع اخيها الجوهر ولم يسألها حتى لم ارادت البقاء هنا امر الخادمات بلملمة ما تبقى من حاجيات النجيبة بعد ان اخذت عقيق حسب الوصية بعض الأشياء والكتاب المهلهل ملفوفاً في عباءة القصب الخاصة بعرس السيدة النجيبة وتم نقل عقيق الو بيت والدها مشياً في الغسق برفقة مبروكة ورجل من حراس والدها ، هودجها القلق ومطيتها الحسرة ولباسها السواد ، لم يكن هناك احد في هذا البرد يسير فيما حول ، البرد فقط يتسيد المشهد ويتسلل الى عظامها مؤكدا لعقيق ان مسيرة شقاءها قد بدأت الآن…

انقضت ايام الحداد ونادى السيد عبدالله ابو عقيق ابنته التي لم يكن لها اباً حقاً كل هذه السنينن واتت عقيق تلبي النداء بصحبة مبروكة فانزعج الأب وامر مبروكة بالخروج ، التفت الى عقيق فإذا هي واقفة بلثامها على يمينه فقال لها بلهجة الآمر اتتحجبين وجهك عنا يا عقيق ، ازيحي هذا اللثام واجلسي وجلست عقيق دون كشف وجهها ودون رد عقدت يديها في حضنها وانتظرت

طال الصمت والأب يبدو مرتبكاً ، انتظرت عقيق بصبرٍ ان يتحدث بما يريد وحين بادر بالكلام صرخ بصوتٍ اجفلها نادوا الجوهر ووالدته

بعد برهة حضرت الأم يتبعها الشاب حسن الطلعة في منتصف المسافة بين المراهقة والشباب يميل للطول في قامته وكانما يبدو لمن لا يرفه بأنه في السابعة عشر وحالما دخل المجلس انثنى على رأس ابيه يقبلها ثم تناول يده ووضعها على جبينه ثم لثمها وبصوتٍ يفضح صغر سنه قال (أأمرني سيدي)

امرهم السيد بالجلوس وتنحنح قليلا ثم. قال

( عقيق يا ابنتي انك الان في عرفنا فتاة في عمر الزواج ولم يتبق لك الا عام لتكملي السادسة عشر وكلما تقادم بك السن قل حظك وانقطع نصيبك وقد خطبكِ منا علية القوم وملوكهم وأثرياءهم ولا يزال بعضهم ينتظرون ردك وانني انصحك بالإختيار الآن ما دمتِ قادرة عليه ولدى والدتك اسامي ومناصب وأصول كل من لا يزالون ينتظرون واولويتهم واهمية مصاهرتهم لرخاء البلدة ولتعزيز مكانتنا بين البلاد فاختاري الرأس ان احببت او عضيده ولك فسحة من سبعة ايام للتفكير و تقليب الامر في رأسك ولديك واالدتك تفهمك شأن النساء وتدبر أمرك فأرجو ان تطيعيني وتراعي ابوتي لك ما دمت معكِ في طور الرجاء، وان اردت ان تعرفي عن الخاطبين اكثر فدونك الجوهر يعرفهم ويجالسهم ويلاعبهم في المبارزة والخطابة ويعلم عنهم ما لن نعلمه نحن فاسستعيني به واستخيري وعودي لي)

لم ترد عقيق على ابيها ولم تنبس بحرف رغم غمز والدتها لها بل ولكزها لعقيق الا ان عقيق بعد صمت مهيب وقفت وقالت ( هل استطيع الانصراف للشأني الآن يا سيدي)

قال الجوهر لكنك لم تجيبي الوالد

قالت وهي لا تزال تنظر في عيني ابيها (ايمكن ان انصرف الأن)

اومأ الاب بما لا يُعرف معناه وخرجت عقيق بهدوء من المجلس ووالدتها ترتجف من الغيظ وااخيها واقف في دهشة اما الوالد فحوقل ثم قال لوالدتها

(تقربي منها فهي ابنتك مهما حدث وحاولي اقناعها بحكمة او انظري عماتها يساندنك ان عجزت ِ والا ……. ) لم يتمم كلامه هب واقفا وهو لا يزال في همهمة وحوقلة وخرج من المجلس

ود 03-27-2020 08:05 PM

انعقد مجلس سيدات البلدة زوجة السيد التي هي والدة عقيق وعماتها ، اثناء التحضير لفتح الحديث مع عقيق كانت العمات يحثن الكنة على استخدام سلطة الأم بالنصح تارة والتحذير اخرى والابتزاز العاطفي احيانا أُخر الا ان الوالدة فاجئتهما بقولها
( نعم انا والدة عقيق لكنني لست متأكدة انني امها ، لا اشعر بها كإبنة لي كأنما هي في الهيبة امتداداً للنجيبة بل تفوقها، نظرة منها تلجمني ولا استطيع ان أامرها كما ان اخيكم لو اطال النظر اليها ولم يحجبه عنها اللثام لما استطاع قول شيء مما قاله ثم انها تصمت كل الوقت وان سألتها سؤال عادي تتأنى في االإجابة بصوتٍ خافت وواضح وذي صدى في آن يبثث في الخوف لا لان به نبرة غضب او حدة بل لان به ما يشبه الصبر المر، يترك صوتها الحزين منذ توفت السيدة صدى مرارة الفقد والصبر عليه وتبدو كانها اصبحت في ذل بعد عز هذا ما أشعر به ولا احس الا به منها، زاد على ذلك اننا نريد تزويجها وأظنها تعتقد اننا نريد الخلاص منها وفي الحقيقة نحن لا نعرف كيف نتعامل معها)

استخفت العمات بحديث الكنة ولم يمنحنه الإهتمام وارسلا الخادمة تستعجل عقيق وقبل ان تخرج اقبلت عقيق بلثامها والقت السلام ثم لثمت رأس والدتها وجلست بالقرب منها فأستبشرت السيدات وبادرنها بالحديث عن الزواج ومنافعه للفتاة واخذن يسردن اسامي ومناصب ومنااقب الخاطبين حتى اذا انتهى حديثهن بعد ساعتين واكثر وعقيق صامته سالنها هل تختار احدٍ بعينه او يختار والدها او ماذا ترى فصمتت حتى مللن سكوتها ثم قالت اريد ان اتحدث الى كل خاطب على حدة بلا مرافق عدا مبروكة ثم اقرر جوابي

صُعقن السيدات من الطلب الغير مسبوق وحاولن ثنيها عنه. قالوا لها ان كانت تريد رؤيتهم سيحضرهم الجوهر الى حديقة الدار وتطل هي عليهم

قالت

( لا غوى لي في الشكل ولا غاية اريدالحديث مع كل رجلٍ راساً براس ثم اقرر ان اردت الزواج اولا)

هبت واقفة واستاذنت ثم خرجت دون ان يأذن لها احد فقد صعقتهن الدهشة

اضطرت العائلة لإيجاد طريقة مستحدثة يسنون بها عرفاً لم يكن متوافراً آنذاك فليس للمرأة ان تطلب النظر الى الخطيب نظرة اولى بشكل سافر ، على النسوة ان تحتال كي ترى ما هي مقبلة عليه فكيف والحال هنا ان تجلس الى الخطيب وتتحدث له

في البدء استنكر الخاطبون الطلب خاصة انهم ينحدرون من عوائل كبيرة وذات هيمنة وسلطان في الانحاء انما نظرا لأن ما هو معروف عن عقيق ان لا يوجد بين نساء الناحية من يبزها جمالا واخلاقا وعلما ونسبا رضخوا للأمر وانتابتهم الحيرة وتمكن منهم الإرتباك فما الذي من الممكن ان تتحدث لهم فيه عقيق وهم اصحاب سيف ورياضة وليسوا اصحاب فكر وقلم

اتت الموافقة وابتدات عقيق اللقاءات تسألهم سبعة اسئلة وتحذرهم من تداولها بينهم او افشاءها لايٍ كان ، وهبتهم مهلة ثلاثة ايام للرد على ان تختار من يجب الأسئلة كما يناسبها

الملغز في الأمر انها طلبت اليهم استشارة معلميهم وعامة الناس ان امكن دون افشاء الأسئلة اي ان يستعينوا بمن ارادوا او اي كتاب يجدونه لكن في غموض وتورية
وكانت الأسئلة كالتالي

من انت؟
ما اقرب شيء اليك؟
ايهما ابعد الأرض او السماء؟
ما الذي يوجد في البر ولا يوجد في البحر؟
ماذا يبكيك؟
لو فقدت سلطانك ومالك ما الذي تملكه بعدهما؟
لم اخترتني من دون النساء عروساً لك؟

امهلت عقيق ثلاثة رجال ٍ متنفذين وورثة لممالك وسلاطين سبعة ايام لياتوا بالرد شفاهة لا مكتوبا ولا في يد خادم بل كلٍ ياتي بنفسه ولسانه ويجيبها وسوف تقرر من سيكون زوجها وذلك بعد انتخابها لهولاء الثلاثة فقط ورفضها لباقي الخاطبين

لم يعرف الناس ولا حتى اهل الخاطبين او اهلها ما دار بينها وبين خاطبيها وبقى الترقب والتوتر معلقان في سماء البلدة حتى الوفاء بالعهد والعودة بالاجوبة او اتخاذ الخيار الآخر وهو الانسحاب


انقضت الأيام السبعة وأتى فجر الثامن بلا خبر. شارفت الشمس على المغيب حين حضر ابن سلطان الجبل بالاجوبة مكتوبة فيي رق ِ عتيق ومختومة بفص ياقوت اطاره. ذهب مصهور ، استأذن بالدخول ،اذنت له عقيق ووقفت مبروكة بباب الديوان والجوهر حاضرا مع صاحبه ، مد يده ابن السلطان ليسلمها اللفافة فقالت له

( لا ، قل لي شفاهةً ما اجوبة الاسئلة السبعة )

تلعثم الفتى البالغ العشرين ربيعا وفتح اللفافة مرتبكا ً فبادرته عقيق بمخمل صوتها الطري
( الا تستطيع الاجابة دون الرجوع للرق )

زاد اضطراب الفتى ثم وبصوتّ خافت قال لها ( انتِ اقترحتِ علينا الإستشارة فلم تستنكرينها الآن)

قالت له (نعم قلت استعينوا ولم اقل انسخوا ، ما هو مكتوب هنا رايك وشانك او رأي سواك )

قال ( المهم ان تكون الإجابة صحيحة)

قالت ( انا اُجيد القراءة ، اترك لي الرق وانتظر سبعا لأرد على طلبك)

تنفس الصعداء وترك الرق وذهب

ثم اتى بعده وريث الممالك الشرقية ودخل على عقيق وبعد السلام قال سليني اجب

قالت من انت

قال انا ابن من لا تغيب الشمس عن مملكته

أعادت ومن انت
قال انا وريث ااعظم مملكة في التاريخ

أعادت عقيق السؤال بصبر من انت

قال انا الذي لا يُبارى في نسب ولا يُجابه في حرب

قالت لم نعرف من انت

قال انا فلان بن فلان ابن فلان حتى سابع جد من الملوك

قالت هذا اسمك وذاك فعلك وقبلهما ارثك انما من انت

هب غاضبا وصرخ ( ان كنتِ قد قررتِ رفضي لغرور فيكًّ،،،،، او سوء طالع لذويك فليس لكِ ان تهيني الملك العظيم وابنه ولستِ ممن لم تنجب مثلها النساء مقارنة بي ولولا حب ولادي لجمع الفرائد ما استجبت لعتهٍ وتيه انتِ فيه ،. وبما انني دخلتُ في هذا السباق واتيت لك مختارا بالجواب فلا بد من الإيجاب والموافقة وهذا انذار اخير والا…)

وتقدم صوب عقيق خطوتين سريعتين بغضب


وهنا هب الجوهر صارخا ( اصطبر والزم الحكمة التي تليق بابن ملك ولا تتعدى حدودك)

قال وريث الملوك (سنرى الحدود اذا تبقى لديكم ما قد تدعونه حدودا)

ولى خارجا مثل ريحِ عاتية والجوهر يرتجف من الغيظ ويبدو على عيني عقيق الشرود

ود 04-05-2020 09:38 AM

لحق الجوهر بوريث الممالك الشرقية وقال له دون علم اخته عقيق انه ان انتظر سبعة ايام سيحظى رد فأنذره الوريث انه لن يقبل أي رد بل يجب ان يكون ايجابا وقبولا ووعده الجوهر ومن هنا بدأت المعضلة التي تسبب بها رغبة الشاب الغرير الجوهر بمراضاة غضب آني لم يكن ليُلتفت له لولا ان وعد الرجال في ذلك الزمان كان بمثابة عهد الدم لا يمنع منه المُعَاهد والموعود الا لموت الذي وعده

أرسلت عقيق الرفض لوريث مملكة الجبل ولم تهتم بالرد على وريث الممالك الشرقية ولم يحفل الجوهر بعدد الأيام حتى كان صباح اليوم الثامن وكان في نوء شؤم وموعد خماسين وغبار كثيف يحيط بالناحية وإذا بثلاثة فرسان ٍ يشقون عنان الصباح المغبر بخيولٍ سوداء خرجت عن نص الخماسين تلمع مثل ابنوس حر لا أثر فيها طول طريق ولا نال من حسنها غبار

وصلوا الى ديوان حكم البلدة وطلبوا مقابلة المسؤول بخطابٍ ممهور من ملك الممالك الشرقية دخل به صاحب الباب الى عبدالله ابي عقيق وكان نص الخطاب

( بعد السلام المحمود والاحترام الواجب وتبييت حُسن الظن وحفظ الزاد والملح بيننا وجيرة حسنة جاورتمونا اياها سبعون عام
نبعث بخطابنا هذا نطلب الأذن بالقدوم لطلب كريمتكم عقيق لإبننا وولي عهدنا حسان زينة الشباب وتقديم المهر والهدية والعهود والنيشان هذا بعد ان تمنحونا الموافقة التي وعدتمونا بعد سبعة أيام وانتظرناها حتى منتصف ليل البارحة في تمام اكتمال السبعة ايام ولياليها وقلنا لعل ما يمنعكم عنا قلة مواردكم ووعر الطريق ورياح الخماسين وهذا لانكم لنا الآن بمثابة النسب والرحم لأولادنا ان شاء الله ،فإن جاوبتمونا كما وعدتم ولي عهدنا اتينا لكم محملون بما لا تستطيعون استيعابه واما… ان كان هناك (اما) فأنتظروا فعلنا فنحن قوم لا نقول بل نفعل ،هذا والحمدلله ان منحكم نعمة العقل ومنع عنكم نقمة الجهل ومثلكم خبير بما بين السطور
قلت قولي هذا وقد تم
ولله الامر من قبل ومن بعد)

وجد عبدالله رجفة في أوصاله ونبض يتزايد في قلبه حتى خشي ان يفضحه شحوب فتعذر بالغضب وصرخ يطلب الجوهر وعقيق بعد ان قابل الفرسان وأكرم وفادتهم وذبح لهم ثم طلب منهم الذهاب للإغتسال والراحة حتى يجهز الرد كتابةً

دخل الجوهر وفي أثره عقيق فسألهما الاب من حينه وهنا شهق الجوهر واستنكر على نفسه نسيانه والتفت الى أخته يترجاها ان توافق وهي صامته وحاول ان يسرد مزايا حسان فقاطعه أبوه وسال عقيق ان ما رأيك
فقالت
( لا تلتقي الاثافي الا على النار ، ونحن وحسان حجرا رحا سنطحن بيننا السنين وتطحننا ، لا أصلح له زوجة وأنا فص العقيق وهو حجر يقدح النار غضبه ويغلي دمه لكلمةٍ عابرة ولستُ ارضى بخطابه لي ولا بخطبته ولن أكن له وفيّ عرق نابض وهذا ختام الحديث) وصمتت

تفصد العرق على جبين الجوهر ودخل اباها في حوقلةٍ طويلة ثم قال لها
( يا ابنتي انك ان رفضته ، فقد احكمتِ على البلدة بحربٍ ودم ودمار ، ألا يستحق الناس ان تعيدي النظر في حكمك فالرجل شاب وللشباب احكام وانتِ قادرة على ترويضه وتطويعه وسيكون لك كما تريدين انا اثق بذلك فما قولك)

ردت

(سامحني يا والدي ان نفسي لا تقبله ولن ارضى به لو كان آخر رجل على وجه البسيطة)

تسللت عقيق الى بيت جدتها السيدة النجيبة مع مبروكة وطرقت باب ديوان العلم تطلب استاذها الاول الذي ظل يرعى مكتبتها ويسكن مدرستها بعد ان قضى بجوارها كل سنين عمرها وتعلق بعقيق والمكان وتجاوز هبة المال الى عشق الصحبة ورفقة الكتب وحرية الدرس

اندهش المعلم الأول وقام للباب فوجد عقيق بعينيها الحادتين ،استأذنت في الدخول وأذن لها وجلست بحجابها وحجبها برهة من الوقت ، تشاركا الصمت الحميم والمفهوم بينهما ولما استشعرت عقيق طمأنينة في دواخلها قالت للمعلم

( قد كنت لي نِعم المعلم وتعديت المنزلة الى الصديق وتعليت في الرتب الى مقام والدٍ رقيق وناصح امين وقد جئت اسألك مشورة لست فيها بشحيح علي)

اخبرته بما دار بينها وبين ابيها او كما تشير اليه امير الناحية وسألته ان كانت ستحمل وزر دمار البلدة وهلاكها فقال لها

(لطالما اقتتلوا البشر على ناقة او ممر او قطعة ارضٍ خراب بُغية التسلط والسيطرة وان لم تكوني سبباً سيكون هناك عذر لهم في زمنٍ ما وفي وقتٍ ما فإن وجدتِ للرجل في داخلك مكانة ومكان فلا بأس وان وجدتِ له البغض والنفور فلا تتجملي عليهم
بقبول يُنزلكِ منزلة لا تليق بك وانت العقيق التي تأتي ولا تؤتى وتنتخب ولا تُغتصب وتمنح ولا تُؤخذ
وعلى صغر سنك المتعارف عليه وغر تجربتك كما يعرفونها الا ان في روحك قبس حكمة وفي عقلك ما يزن رجالاً محنكين فإن اردتِ ساعدتك على الهرب وانا على يقين انني بهذا احز عنقي بسيفي واقضي علي بيدي لكنك ان اتخذت الليل ستاراً واتفقتِ وأخيك ان يتحمل فضيحة هروبك وقد يقول الناس انكِ ما فررتِ الا لعارِ او فضيحة تمنعك من الزواج وقد يتهمونني في عرضك ولا بد ان تحتسبي وتفهمي كل الإحتمالات التي تتراوح ما بين النفي وهو هين او الاسر والتنكيل وهو الاصعب وبينهما القتل ففكري في بعض هذا النهار وعودي لي في غروب الشمس ان وافقتني الراي وان خالفتني فلا تاتي وحسب)

جلست عقيق قليلا في هدوء ثم قامت للباب بعد ان القت السلام على معلمها ومرت من فرجةٍ جانبية الى ديوان جدتها وكان المعلم ينظر لها ويعلم انه لن يراها بعد الآن

وقفت للمبخرة اشعلت الفحم بيديها مرت بارواح الجاوي والمستكة وفاحت روائح اللبان في مراراتها في الأنحاء ثم عادلت المر بمعتق العود الأصلي واخذت تنظر الى عطره لزيتي يتراقص على الجمر في غواية وعقدت طرف شال جدتها على العطر ووعدٍ قطعته لها قبل مماتها

ودعت المكان بنظرة متمهلة ترفقت بالأشياء حولها وغادرت متجهة الى اطراف البلدة في اتجاه التكية مبروكة تلهث خلفها حائرة

ود 04-05-2020 09:43 AM

وصلت عقيق الى اطراف التكية وانعطفت الى اليسار ، لم ترها مبروكة وقد اخذ الليل يرخي سدوله على الناحية ، وهنا افترقتا ذهبت مبروكة الى التكية مباشرة بينما اخذت عقيق منعطف اليسار الى ما يشبه عش طيرٍ عظيم ونادت بصوت خفيض
( يا اهل الارض ، هذا يوم رد الامانات ، جئنا نطلب حقنا فيها)
وطرقت الباب طرقتين متتاليتين وقرات سورة التوحيد ثم طرقت الثالثة ففُتح شقا ً على قياس خطوتها ،ذلفت فيه عقيق وانغلق عليها، وقفت قليلا تحملق في الظلام حتى تعودت عيناها عليه ورات ممرين امامها ، خلعت خاتم الفيروز وربطته بطرف شالها الموروث عن النجيبة وخلعت عن كتفيها الشال ، لوحت به سبع دوائر ، القت به فسقط الخاتم وتدحرج جهة اليسار ، تكشف لها قبس ضوء آخر الممر، خطت ثلاث خطوات تجاه الخاتم وانحنت لتأخذه وهي تعتذر من الفص الحرلإضطرارها لرميه هكذا فالتمع عرق ممتد في الفص وضم رقة خنصرها الايمن واصبح براقا مضيئاً بذاته كانما له لهب ازرق

مضت عقيق بعد ان ارتدت شالها واحكمت عقال حجابها تمشي الهوينا في الممر المختار وهي تتلمس الجدارين اللذين يضمان الممر وتسمع ما تظن انه صوت ماء خافت وبعيد

بعد برهة ليست قصيرة لم تستطع لمس الجدارين فقد تباعدا ولم تستدل عليهما على امتداد ذراعيها ، تنفست بعمق وشعرت ببرد خفيف ولم تعرف ان كان ناتج عن خوف ألم بها من حيث لا تدرك او هبة من نسيم لفحتها ، لكنها استمرت تمشي وكي تقيس الوقت في الظلمة اخذت تقرأ يس بصوتٍ مسموع يؤنس طريقها ويجعلها تعرف المسافة وعند انتهاء (مبين) الأخيرة وصلت الى قاعة كبيرة في مركزها نافورة لا بناء حولها تنبع ما بين صخرتين من حجرٍ اخضر لامع تحسبه زمرد لولا قتامة في جنس الحجر وسمك ٌفي قطعه ونحته نتيجة جريان روح الماء المُهذِبِة حواليه

واما سقف القاعة فعالي لا يكاد البصر يصل لمنتهاه والسقف ذاته من بلور شفاف يكشف عن سماء يحتلها قمر يسعى الى بدر تمامه بعد ليلةٍ او اثنتين ،مضيء وبض مثل وجه عذراء في أوجها وتتراقص حوله نجوم في كوكبات متغيرات كل مجموعة ترسم رمزا عصياً الا على أهل العلم

تقدمت عقيق نحو النافورة والقت السلام فارتفع الماء وقفزت قطرات الى شفتيها ،شربت عقيق القطرات وارتوت من سلسبيل عذب لم تذق مثله من قبل ، حمدت الله وشكرت النافورة واخذت من جيبها مسبحة قديمة مكونة من ثلاث وثلاثين حجر يسر اسود معقود على خيط حرير عتيق ما مسح حد الحجر ولا صقله صانع بل اخترقته دودة القز بذاتها وانتخبته كي تنظم حريرها قيدا لليسر وختمته بموتها في عقدة مربوطة على الحجر الأول عود من بدء وكانت السبحة خشنة مدببة الأطراف جواهرها حين اهداها عراف الى النجيبة على ان تصقل حجرها بالتسبيح فإن اهملتها ستهجرها السبحة هكذا قال وهذا ما فعلت النجيبة اكتفت بها وأدمت اصابعها في التسبيح بها حتى استدار الحجر واستطاب الملمس

اخذت عقيق المسبحة وغمرتهافي النافورة وهي تسال هل قبلتها يا صاحب النبع…؟

وبينما عقيق تنتظر إجابةٍ ما ، وقد اتت لهذا المكان عن دراية وبوصية ٍ متكررة من جدتها النجيبة صباح يوم منيتها وبعد ان جرح قلبها الحلم الذي بعثر امانها وقد استدعتها للخلوة تودعها وتستودعها الله ثم انها امرت السيدات حولها بالخروج من الخلوة واخذت يدي عقيق بين يديها وقالت لها

( بعد ان افارق هذا الفضاء ، سأكون في النور والسلام كما وُعدت فلا تقلقي علي، اما انتِ يا ابنتي فقد تواجهين ما تظنينه صعباً وهو على الله يسير فإن أُغلقت دونك السبل وضاقت الأرض عليكِ فأخرجي لهذا المكان المرسوم على الخريطة هنا واشارت الى رقعة رقٍ بجانبها، واعلمي ان هذا المكان لن ينكشف لمخلوق سوى من يتختم بهذا الخاتم الذي وهبتك فلا تخلعيه في حلٍ ولا ترحال ثم انه لن يظهر نفسه الا لو كنتِ وحيدة لا يتبعك إنس ولا يخاويكِ جان، واعلمي ان قدرة الله فوق كل شيء وان قدره ماضٍ فيكِ كما في كل ما حولك في هذا العالم ، وبذات القدرة منح الله بعض المخلوقات اسراراً وحملهم امانتها واوصاهم ان لا يمنحون هذه البركات الا لمستحق ، وقد صادفت من نعمة الله في حياتي بعضهم وثاءب ان لي لديهم مكانة الصاحب في قلب صاحبه على الخير والشر لا يخذله ولا يبيعه ، وكي يعرفون انكِ اناي الصغيرة وانكِ سر خلود اسمي بين العالمين وابنة روحي فيجب ان اترك لديك اثراً عني يعرفونه ، ووضعت النجيبة المسبحة في يد عقيق وأخبرتها بقصتها وأعطتها بعض دلائل واشارات لتتعرف على ما هي مقبلة عليه اذا احتاجته
ثم انها حذرتها من البوح لأحدٍ بما دار بينهما الآن وايضا بعد ان تأخذ مرامها ان اراد الله وقالت لها ما اُمرنا بالتكتم على طلب الحاجات عبثاً يا ابنتي لكل صلاة روح تتصعد الى السماء تسبح وتطلب حاجاتها فإن عرفوا عنها شياطين الأرض أو حمقاها لا فرق كبير تعلقوا بتلابيبها وحاولوا اسقاطها )

هذا ما تذكرته عقيق وهي تنتظر ما لا تعرف

في هذه الأثناء انفتح شق على يسار عقيق وسمعت حفيف ثوب وحركة واستدارت ولا تزال يدها معلقة في النافورة والماء يعانق الحبات ويراقصها وكان الضوء والظل يتناوبان على تقبيل وجه القادم من الضوء لظلٍ تمكث فيه عقيق التي لم تتبين ملامح الشخص ولا تستطيع التقرب منه حتى تُقبل المسبحة وعندما وصل القادم الى مسقط ضوء القمر تعالت دقات قلب عقيق وشهقت شهقة عالية ثم صرخت …

اقترب الرجل من عقيق وهي تجاهد الظلام لتتبين وتتأكد من ملامحه ، انه هو او توأمه، ذات الملامح انما ليسا نفس الشخص ، ولما همت بالسؤال همس الرجل

( نعم يا ابنتي، انا مجنون القرية ما تطلقون علي هناك وانا صانع النبع هنا وحارسه، وانا خالك لجدتك ، اخ السيدة النجيبة رحمها الله ، جئت معها من وراء الخليج مختبئاً في صندوق عرسها ، عينتني والدتي على ابنتها في الغربة وصي ولبست عليّ السواد امام العباد في بلادنا ، كنتُ حجر الظهر للنجيبة وخاتم الجلب، وكنت الشقيق المشفق والأخ الحنون والعزوة الحامية ولولا شبهاً بيننا واضح في صبانا لما صدق جدك روايتنا ولظن فينا الظنون، علمني ورباني وهذبني مثل ابنٍ له ، كفلني واوصاني بأن اكفل ما يهم محبوبته في غياباته وكان ما كان وتُوفي رحمه الله ولم اشأ ان اكون طوع بنان لأحد فأدعيت الجنون ووجدت في ذلك راحة وحرية وفسحة وسهولة حركة ، لم يكن احداً ليهتم بجهة سيري ولا بكتابٍ احمله او عربات صخر اكسرها من الجبل القربب وآتي بها هنا الى صحراء الغرب كما نسميها واخذت احفر نبعين منذ سبعة وعشرين عاما او يزيد ولم اعد اهتم بقياس مدى التوغل في الأرض بحثا عن ماءٍ بعينه به طعم من معدن الفضة وتسري فيه ومضات ضوء زرقاء ملتهبة فإن اغتسلت به في البرد كان دافئاً وان اتيته في القيظ اصبح العذب البارد من زلال صافي وان طلبته للشرب وبك داء شافاه بإذن الله وان لمس جرحٍ او قرح شفاه بقوة اسم الرحيم وقد ملكنا خرائطه ونعرف انه هنا لكنه لا يُنال الا طواعية ، يكشف عن نفسه او لا يفعل وقالوا في كتبنا ان هذا النبع اختفى منذ وفاة نبي الله سليمان وفي اثر الفوضى التي عمت آنذاك وانه تفتق وانكشف لبعض الصفوة في نخبة الزمن وامروه بالبقاء ساكنا حتى تأتي فتاة مختارة لها اسم مشتق من جبل النور القائم في طِوى وعندما تعرفت جدتك النجيبة على العلامات وتاكدت من صدق النبوءة حجبتكِ وحددت خطوك ففي كل بلد وراقون يتناقلون حرفة التدوين ويجرحون معاطف الأسرار ويخلعونها على الملوك والسلاطين طمعاً في سلطة او خوفاً من بدد وان سمع عنك احد تقاتل العالمين ليحظوا بك ، لذا وبعد ان فهمتِ كل شيء يجب ان تثقي بي وتتبعيني اخرج بكِ عنهم وليكن ما هو كائن)

كانت عقيق تحبس انفاسها مصغية بكل حواسها لجانب آخر من حكايتها ما عرفته الا اللحظة وتساءلت ماذا يخبيء اها بعد جراب الزمان وبينما هي مطرقة تتأمل اخذ بيدها المجنون كما لا زالت تدعوه في داخلها وادخلها الى غرفة متوسطة وقال لها نامي قليلا واستريحي فإن استيقظت وفي يدك رد فنادني وان لم يكن فعودي لما كنت فيه ولا تقلقي سيخبيء نفسه الطريق ويخفي ذاته النبع وانا معهما اينما حلا

قد يتبع


الساعة الآن 08:19 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.