منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   ! Pantomime (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=12584)

د. منال عبدالرحمن 08-07-2008 04:39 PM

! Pantomime
 





:
لستُ ادري كم من عامٍ انقضى قبلَ أن أدركَ أنّني شجرة ,

نعم شجرة ..

شجرة يُشبهُ لحائها وجوهَ الجدّات , و تبرزُ أغصانها متفائلةً كأوردةِ الملّاحينَ القدامى ,
و تتبعثرُ أوراقها كضحكاتِ الأطفال قبلَ اغتصابِ الفرحِ بابتسامةٍ على الأقل !

ظننتُ دوماً انّي سنونوة , و حينَ وقفتُ يوماً على ذراعِ الأميرِ النّبيلِ في " مونتي كارلو " ,
علمتُ جيّداً أنّ رائحةَ الدّراقِ على أجنحتي أوحَت إليهِ بأن يذرفَ دمعةً بطعمِ اللّؤلؤ ...

ظننتُ خاطئةً أنّ لي أجنحة و أنّ أقدامي تنعمُ بحريّةِ الفضاءاتِ الهاربة من حدودِ الأزمنة ,
وددتُ لو كنتُ طائراً أكبر , بحجمِ يديكَ مثلاً , أو ربّما بطولِ أنفاسكَ و هي تردّدُ اسمي ..

حينَ اكتشفتُ أنّ أقدامي عالقةٌ برملِ حلمٍ مشبوه , و أنّ رائحةَ ترابِ وطني تفوحُ من دمي فتزرعني هُناكَ جُذعاً مكلوماً بأوعيته ,
و أنّ كلّ الرّقصاتِ الّتي تمرَّنَتْ عليها يدايَ ما كانت إلا كخيالِ مريضٍ يحلمُ بالشّفاءِ و هو على سرير الموت ..

حينها علمتُ أنّ الفرحَ كائنٌ أسطوريّ يُشبهنا , على مقاسِ خيباتنا , نحلمُ بهِ حتّى يتمثّلَ لنا بهم , ثمّ يتلاشى كدخّانِ عرّافةٍ محترفة !

:

تحتَ ثيابي كانت هناكَ امرأةٌ أخرى ,
لا ..
ربّما كانت حقيبةً لازورديّةَ الشّكلِ مختومةً بتواضعِ غرورٍ أتقنَ التّمثيل ,

أو ربّما كانت بضعةَ اسطواناتٍ بلحنٍ غريبٍ كـ " سوناتا " الوجع في لحظةِ تحرّرٍ من النّوتة !

شيءٌ ما غيري كانَ هُناك , كانَ يدركُ أنّني حينَ ألقاكَ سأتكوّم , و لذا كان يفردُ يديهِ و يقصُّ أصابعَ الغيابِ و يملأُ جبهتي بدمعه ,

شيءٌ ما كانَ يمنحني صوتاً لا أملكه , لأتظاهرَ امامكَ انّني لا زلتُ أنا , طفلةً بنكهةِ شجرةِ ليمون ,و لقلقلاً حزيناً لا يملُّ الوقوفَ على قدمٍ واحدة !

لذا كانَت كلماتي تُصبحُ فراشاتٍ منَ الدّانتيل الّذي تعشقهُ و هو يطوّقُ جيدي ,
و كانت حروفي تتحوّلُ إلى بقعٍ قرمزيّةٍ على مساءِ البحيراتِ المكتئبة فتمنحها شرفَ الموتِ بفرحةِ العناقِ الأوّل لبجعةٍ بيضاء ..

لذا كنتُ أنا هُناكَ ألتحفُ حلماً دائريّاً على مقاسِ اصبعي , و أناشدُ حلماً آخر ألا يتوقّفَ عن البُكاء ..

:

ليلةً حزينةً ..

قالتْها عيناك , ثمّ استدارت لتُكملَ دورةَ الغيابِ الأولى حولَ الفرح , وحدها يداك أيقنت أنّ أوتارَ الحنجرة تلتفُّ كأغصانِ العليّق على الفرح , فتمتلكُ خطواته .

شفاهكَ الّتي تعانقُ دخّانَ قلبي , لا زالت تُمارسُ ذاتَ الحركاتِ الفوضوّيةَ على سلالمِ عينيّ ,
و تعلّمني كيفَ تكونُ القراءةُ مبلّلةً بالمطر , و كيفَ تُصبحُ الموسيقى لوحةً سريالية !

ينحني ماردٌ عميقٌ بطولِ حُزني في داخلك , يحملُ وجهي في سلّةِ من قشِّ المسافاتِ الغريبة ,
و يتفرّسُ ملامحَ الفقدِ في عينيّ و يمرّرُ أصابعهُ بمحاذاةِ أرقي ثمّ يضعني أمامَ ذاكرته و يتضاءل ..

ليست يداي وحدها من تعلّمت الرّقص , فكل مساماتِ جلدكَ تُشاركها لذّة / وجعَ اللّهفةِ بذاتِ القدرةِ على سرقةِ الأشياء ,

بذاتِ القدرةِ على منحِ اللّون الأزرقِ شتاءَهُ الموؤد ..

:

أكنتَ تعلمُ أنّكَ حين ستحرّكُ كتفيكَ لا مبالياً بأناقةِ أنفاسي و تواترها الملتوي عبرَ صدركَ أنّ رأسي سيسقطُ و يتدحرجُ على عتبةِ الكلام ؟

لا , كنتَ تظنُّ فقط أنّ الأثوابَ ترتدي وجعنا , ثمَّ تحيكَ لنا قصّةً على مقاسِ أرواحنا المهترئة , رقعةً بلون غيمةٍ منتشية أو ظبيٍ فقدَ صوته !

أمّا أنا فكنتُ أكثر جهلاً منكَ بي , فاعتقدتُ أنَّ المغفرةَ ملوّنة و أنّ الحبَّ ينتهي دوماً كأحلامِ الأطفال ,
و أنّ الماردَ يخرجُ كلَّ صباحٍ من ذاكرتنا و يبني للسّعادةِ قصراً جديداً و يُهديها صولجانَ الحريّةِ و تاجَ الرّغباتِ المدوّرة ..

اعتقدتُ أنّ للفقدِ عينين يرانا بها و يتجنّبُ الوقوعَ بِنا , و أنّ سلالم الطّائرةِ تُدركُ الأرضَ الّتي تحتضنها و تُمارسُ تقبيلها كما يفعلُ عاشقٌ متمرّس ,
وأنّ الأيادي فعلُ انتماء و الاعينَ سلالُ عطشٍ من بيّاراتِ دموعنا المتناثرةِ على سفحِ حبٍّ وليد ..

:


لا زلتُ أشارككَ الرّغبةَ في احتضاني , و أراقبُ ظهركَ و أنتَ تلتجأُ لهُ خوفاً من وطنٍ لن يكونَ بحجم انتمائك , ثمّ تمارسُ حركتكَ المعهودة :

تديرُ رأسكَ و تتفقّدُ روحي على كتفكَ الأيسر , ثمَّ تربّتُ على رئتي في جانبِ صدركَ الأيمن ,
ثمّ تلامسُ شرياني في حنجرتك و تمشي باتّجاهِ البابِ المحاصرِ بأشواكِ الرّحيل ,
و تمضي و في عينيكَ سؤالٌ صغيرٌ بحجمِ طفلٍ جاوزَ سنتهُ الواحدة !

:

حينَ ستنهمرُ شلالات صمتي أمام دموعي , و تغمرني عيناكَ بخوفٍ طفوليٍّ على أنفاسيَ الموقوتة و نبضيِ المتقّد ,
سأعلمُ أنَّ شفاهنا موقنةٌ بحتميّةِ اللّقاءِ و ضرورةِ الفراق و انّها ستكبتُ أغنياتنا و تردّدُ اسمينا في قالبٍ من مشابكِ الفرحِ المخبوءِ في محيطاتِ الإيمان بالشّك و اليقينِ برعشةِ الخوف ,

حين ستُغلق ُالسّتائرَ خوفاً على لهفِ حروفنا من الهرب , و تدركُ أنّنا كلماتنا , أنّنا كلُّ حرفٍ نطلقهُ في العدم , أنّنا ثمانٍ و عشرينَ خيبةً و فرحاً و قلقاً و يقيناً ,
أنّنا نحرّكُ الأشياءَ بسكوننا , ونمنحُ مشاعرنا حياةَ الأقفاصِ الذّهبيةِ حين نصمت , و حريّة العصافيرِ الشّاردة حينَ نتكلّم ,

حينها قد ألّفُّ صوتكَ بشاليَ الموشّحِ به , و أضمّهُ إلى صدري ليلتحمَ بحنجرتي , و أهدي حِبالَنا الصّوتية إلى آخر خيوطِ الشّمسِ في الشّمال .. و نمضي !







* Jean & Brigitte Soubeyran , Pantomime, 1950

ياسر خطاب 08-07-2008 05:40 PM

للحجز ولي عودة

ماجد العتيبي 08-07-2008 05:46 PM

اوووف .. هذا النص يتكاثر .. يتكاثر
بالضبط .. كالخامسة لبيتهوفن


منال ...

قولي ان النص في الأعلى .. مجرد نوتة
كتبت بـ طلاء اظافر


كوني بخير

سمية عبد الله 08-07-2008 06:37 PM


اممم

شعرت بشيء مختلف.. لا يمكنني كتابته

فقط

أنتِ جعلتني أنبض الآن


سأشرب قهوتي وأرتاد سماءك كل يوم












ودّ وياسمين

فقـد 08-07-2008 09:16 PM

... وأنا ارتديتها
تلك الشجرة التي حكيتها للحلم...
كنت أصغر بقليل من كل الأشجار الأخرى
لهذا، عندما احتضن ظلي رأسه
استيقظ من النوم...



منال
أنت، أحبك جداً...!


-فقـد-

فيصل الحلبوص 08-07-2008 11:25 PM

الأخت منال عبدالرحمن



أن كلماتك كالفراشات التي برؤيتها ترتسم البسمه على من يراها


ولكن فراشاتك حلقت بعيداً إلى عالم لا يوجد به إلا منال وما تحس به



تحملين بين طيات حروفك الكثير



منه ما كان ظاهرا ومنه ما كان معناه باطنيا


فيختلف ما ظهر عن ما بطن


هذا على حسب ما قرأت


لكي كل تقدير


اخوك/ فيصل

نورة عبدالله عبدالعزيز 08-08-2008 01:33 AM


،://


" غَادَةُ السّمَان " تَنْبِضُ هُنَا بَيْنَ حُرُوفُكِ يَا مَنَال ،،
وَ بَيْنَكُمَا شَرِيْطٌ حَرِيرٌ مِنَ الجَمَالِ يَلْتَفُّ حَوْلَ أنَامِلكما
لا يَنْفَكُّ عَنْ إثَارَةِ الدّهْشَةُ فِيْ أحْداقِنَا ،،


تَقْدِيرٌ وَ أطْغَى http://www.wl3.net/uploader/up/20891104120080423.gif
:://::

مَنَالْ أحْمَد 08-08-2008 02:06 AM





:
شيئاً ما هنا مختلف..
بل كل شيء مختلف.. عدا نبرة الوجع على ضفاف شفاه وحلم..!



منال؛
شرنقة متكاملة من كل الأشياء..
محرضة على الهروب لـ حضن ورقة..: )


لكِ http://www.soft-sadness.net/vb/images/icons/soso.gif




...!


الساعة الآن 10:29 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.