حاولت العمات الاخذ بالنصيحة انما غلبتهما الغيرة وعمى بصيرتهما الغضب فاخذتا تتلصصا على البيت الكبير وتزورا امهما كثيرا وتدسا في يد مبروكة العطايا والهبات التي وبدون ان تعرفا كانت تذهب للنجيبة وتضع كل شيء بين يديها من مالٍ واخبار وهدايا والسيدة تستمع للاخبار بغير ما اهتمام وتترك لمبروكة المنح كلها
وبلغت عقيق شهرها التاسع حين استيقظ اهل القلعة على مطرٍ غزير لم تنله الناحية منذ زمن ، لم تشفع لهم قرابين ولا صلوات في جفاف ارضهم كل الثلاثين سنة التي مرت عليهم بمرارةٍ واسى وتحول فيها الكثير منهم من اصحاب اراضي الى بحارة او صيادين حيث لا يفصلهم عن الخليج الا ساحل رملي ضيق وبقايا بناء غامض مسور لا يعرف احد من بناه ولم كل هذه الاقفال عليه
اتى المطر متقطعا وكثيفاً في مواقع الآبار وعلى النهر الناضب فاضت الغيوم وتلاقت في صخب حتى تراءى للمارةِ ان الارض انشقت والسماء انفتحت ولم يعد يميز الرائي اتمطر المساء ام تفيض الأرض
في خضم كل هذا وحدها مبروكة عرفت ان النجيبة في بدر تاسع اشهر عمر عقيق اخذت الطفلة الى البئر الرئيس في القرية وبيديها الفضيتان سحبت دلو الماء الذي احتوى قطراتٍ قليلة وانها غمست رجل الطفلة اليسرى في الدلو وصبت الماء ثانية الى البئر ووحدها مبروكة تعرف ان موجة المطر في غير موسم اتت بعد هذا الطقس بثلاث ليالٍ لا غير مع انها لا تعرف لم تذكرت تذا الطقس الذي ادهشها عند اول طرقٍ لحبات المطر الرقيق على نافذتها
استمرت الامطار حتى غسلت الارض وطهرت الاسطح وعادت القلعة مثل عروسٍ في جلوتها الاولى فاستبشر الناس وقالوا هذه مواسم تعيد لنا الرفاه الذي كان واخذوا الشيوخ يتهامسون عن الخير الذي عم منذ طلوع النجيبة مكشوفة الوجه واليدين في ميلاد عقيق ومنحوا بركتهم لتفاسير الحلم وعودة النهر وقرنوا هذا وذاك بعقيق وفأل ولادتها
ي منتصف السنبلة ، تحديدا في بزوغ نجم سهيل وبداية بشائر الرياح الخفيفة القادمة بعطرها تتهادى من الشمال اتمت عقيق عامها الاول دون ان يرى وجهها العامة فقط جدتها النجيبة ووالديها ، لم تصدق سيدات العائلة مبروكة حين سالوها عن الشبه في ملامح عقيق وهل بوجهها ما يعيبه لاخفائه هكذا
احدى العجائز قالت وهل لوجه السيدة النجيبة سوى وسم الجمال النادر مسغبة حتى تخفيه حتى عن قرينها في النهارات ومنذ قدومها صبية وهي لم تخلع برقعها امامنا الا في ولادة بكرها عبدالله ولبرهة الشهيق والشهقة التي اخذتنا في رؤيتها ثم عادت الى عهد اللثام ولم تخلعه الا في ولادة عقيق
ردت عليها الاخرى نعم صحيح وقد منعت عبداالله من الزواج واختارت له من بين عشرات الفتيات زوجته الآن مما جعل كل اخوته واخواته يسبقنه في الزواج والنسل ولم تعترض على اختيارات اولادها وبناتهاابداطالما جُدل النسب في الاجداد بدم ابيهم واسمه لم يهمها مال او جمال ولم تُسكن احد لديها قط ولا حتى بكرها كما لم ينم في خصرها طفل سوى عقيق
في تمام العام استيقظ الناس على صوت ماءٍ يتدفق خفيفاً ويصب ، كان المطر ياتيهم بانتظام منذ الدفق الاول منذ ثلاثة اشهر لم يمنعه صيف ولم يعرفوا القيظ هذا العام لكن هذا ليس بصوت مطر ، صوت ماء لا شك لكنهم لم يتعرفوا على نوعه ولا مصدره
دون العارفون في تاريخ القلعة ما يلي
( تناثر الناس في الانحاء في غبش الفجر بلا قناديل متحدون ببصيرةالاجتماع على امرٍ ، ينير دروبهم بدرٌ يغيب وشمس ٍ متثائبة ، تفرقوا في الجهات الاربع على شوقٍ وفضول وبعض خوف ووجل آمرون صغارهم ونساءهم بالمكوث في المنازل حيث ان الماء على قدر نفعه يؤذي ان خرج عن نصه وتتابع ، ولم يجدوا ما يُظهر للصوت معنى ولا رأوا ماءً وظلوا هكذا في بحثٍ وقلق حتى تعالت الشمس في وسط السماء واذن المؤذن بصلاة الظهر حين صرخ مجنون القرية هنا هنا)