منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2022, 09:00 AM   #48
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


بالعزيمة يتردى المستحيل
لم يهنأ جاك بنوم ولا بطعام بعد رصده لآلاف النجوم ومئات الثقوب السوداء، هذا الرصد الذي تفحصه وحلله مرارًا وتكرارًا واستخرج منه إمكانية تحوّل نجم سحابة أورط إلى ثقبٍ أسود ، كما أنّ التصاميم الخاصة بالمحركات والجهاز الشامل لدعم الحياة في الفضاء قد وضع لهما بالفعل اللمسات النهائيّة وما بقي إلّا التنفيذ عمليًا على أرض الواقع.
وفور أن انتهى من تلك اللمسات وضعها في رسالة لكي تناقش بين لفيف من الأساتذة الكبار في بيركلي.
حيث إنّ لجنة المناقشة آنذاك من أكبر فيزيائيّ العالم على الإطلاق.
ذهب إلى رئيس ناسا ليفاتحه في الأمر، كلّمه
- «سيدي، أريد أن أناقش هذه الرسالة.»
نظر إلي ما في يده وقال: «أناقشها وهي في يدك؟ أعطنِيها.»
- «لم أقصد ما اعتقدته، أريد مناقشتها مع خبراء ناسا قبل إرسالها إلى بيركلي.»
- «لم أفهم، أتقصد مناقشة رسالة دكتوراه؟! لم يمضِ على حصولك على درجة الماجستير سوى ثلاث عشر شهرًا فقط.»
- «أعلم، ولذلك أتيتك لتساعدني.»
- «لن أستطيع أن أفعل لك شيئًا، ألَا تعلم أنّ هناك قوانين ولوائح منظمة لمناقشة الرسائل وستحول دون ذلك.»
- «سيدي، القوانين واللوائح لن تحمي العالم مِن الخطر المحدّق به، وأردت المناقشة لإنقاذ العالم لا للحصول على الدكتوراه.»
- «أنذرها إلى حين، ودعنا نتشاور مع خبراء ناسا بشأنها قبل إرسالها إلى رئيس الجامعة كما اقترحتَ.»
- «إذن، عليك بإعطائهم الرسالة ليدرسوا ما بها، ثمّ بعد 3-4 أشهر نجتمع معًا لنتدارس محتواها وليس أكثر فإنّي أخشى ألّا يكون هناك متسع من الوقت.»
- «أخفتني وآثرت فضولي، ما بها؟»
- «سطور فيها مسار رحلة من الأرض إلي ذاك الرابض الملعون في السحابة للفتك به وتدميره.»
- «أجننت؟!إنّه نجم، والنجم لا يُقتل وإنّما ينتحر.»
- «لن يكون نجمًا عندما أذهب إليه، سيكون ثقبًا أسود.»
- «لذلك أتيتني حتى أخبر الجامعة بقبول الرسالة، ثمّ أخبر الرئيس الأمريكي ليجتمع بالحكومة لتوفير نفقات الرحلة.»
- «أقصد ذلك بالفعل.»
بينما هم على ذلك إذ رنّ جرس هاتف رئيس ناسا، إنّه الرئيس الأمريكيّ جورج رامسفيلد يدعوه هو وجاك لمقابلتهما غدًا في البيت الأبيض، فردّ عليه قائلاً: «أنا وجاك سنكون سعيدين بذلك سيادة الرئيس، غداً سنكون في البيت الأبيض.»
همّ جاك بالانصراف بمجرد الانتهاء من المكالمة، ولمْ يهتم بالأمر مع أنّ المتحدث أكبر رأس في العالم.
قال رئيس ناسا بغرابة شديدة: «ألم تسمع المكالمة؟»
- «معذرة سيدي لم أهتم بالأمر، مرني سيدي.»
حدّق فيه رئيس ناسا ثمّ قال له بسخريّة: «الرئيس الأمريكيّ يدعوانا لمقابلته غدًا.»
ردّ جاك: «ليس لديّ وقت، فأنتَ تعلم مشاغلي.»
- «طلبات الرؤساء أوامر يا جاك، استعدْ سنذهب غدًا.»
مضى جاك ولم يعتني بالأمر برمته، كلّ ما شغل فكره هو نجم سحابة أورط وكيفية الخلاص منه.

******

تسخير الكفاءات

فخامة الرئيس العادل: «أنا جاهز تمامًا ومنتظر إشارتكم.»
مهدي: «جيد أنك أتيتني، كنت سأرسل إليك منذ لحظات، تسعدني همتك يا ولدي، فليس لدينا وقت لنهدره، فأموال الشعب أمانة في أعناقنا.»
- «سيادة الرئيس، أريد أساتذة متخصصين في فروع الفيزياء المختلفة وخاصة الفيزياء النظريّة وفيزياء الجسيمات، وفيزياء الإحصاء.(يكلمه فهمان ولا يحدّ النظر إليه إجلالاً).»
تبسّم ابتسامة لطيفة وهو يقول: «طبعًا يا فهمان، لقد عملت على ذلك منذ فترة، منذ أن انتهيتُ من اجتماع الوزارة، وسيصل إلى مصر قريبًا العديد من الخبراء الفيزيائيين مِن أوروبا وآسيا، كلّهم أخبروني بأنهم يفتخرون بالعمل تحت قيادتك.»
قال وهو مندهش: «تحت قيادتي أنا؟!»
أجابه بطأطأة رأسه ولم ينبس بكلمة، ولكن ملامح وجهه ملآنة بالتأثر.
قال فهمان: «فخامتكم دائمًا لا تهدرون وقتًا، تصرفاتكم رصينة وحكيمة وتدبيركم محكم متين.»
- «أتظنّ أنّ رئيسك نائم، قلتُ لك منذ قليل أنّ أموال المصريين أمانة في أعناقنا وليس لدينا وقت لنهدره.»
سأله فهمان على استحياء: «هل من الممكن أن أطمع في كرم سيادتكم العليّة واستفسر عن أمر؟»
-«بكل سرور ..سل ما تشاء.»
- «لقد سمعت عجبًا، كيف يفتخرون بالعمل تحت..؟»
قاطعه مهدي بسيل من ضجيج الضحكات المتتابعة ولم يتوقف حتى أصابته نوبة سعال من حشرجة أحباله الصوتية، ثم كوّر يده ووضعها على فمه حتى توقف سعاله وهو يقول والدموع تنهمر من عينيه: «هذا الكلام يقال في البلاد العربيّة التي ما زالتْ تعيش تحت بئر السلم وخاصة في مصر، أمّا الغرب فلا يعترفون إلّا بالكفاءات، لو عندهم صبي لا يتجاوز السادسة مِن عمره ولديه كفاءتك لبنوا به المصادم على أراضيها وكان القائد عليهم هذا الطفل.» صمت قليلا ثم تكلم بحكمة: «الفرق بين الجنس العربيِّ والجنس الغربيِّ أنّ جنسنا اعتاد على الفشل منذ الصغر،
وجنسهم اعتاد على النجاح منذ صغرهم أيضًا، فسلكنا سلوك الفاشلين على الدوام وهم سلكوا سلوك الناجحين على الدوام، فامتلكوا رقابنا وتحكموا حتى في كيفية لبس ملابسنا الداخلية. الآن عرفتم لماذا يفتخرون بالعمل تحت قيادتك، ويجب عليك أن تعرف أيضًا كيف يتبرأون منك العرب ويسخرون منك لو طُلب منهم العمل تحت قيادتك مع أنهم لا يساوون أكثر من النعال التي ينتعلها هؤلاء العلماء الغربيون.»
أدار مهدي وجهه عنه وأعطاه ظهره وهو ينظر من الشرفة بعد أن رفع شراعتها وقال: «أتعرف أن هؤلاء الذين انتعلوا علماءنا قالوا عنك بالنص: «ما لدى فهمان وجاك ليس علمًا مأخوذًا من الكتب؛ إنما وحيًا من السماء ».» استدار مرة أخرى ووقف أمام فهمان وربت على كتفيه وقال: «قلت لهم أهم رسولان؟ قالوا متعك الإله بالصحة والعافية سيادة الرئيس فعصر الأنبياء ولّى.»
قال فهمان: «ألم يذكروا لفخامتكم ميتشو كاجيتا؟»
أجابه: «ذكروه متأففين.»
سمعها فهمان منه ودار بخلده استفسار سبب تأففهم منه ولم يجد إجابة إلا لسلوكه المريب الذي سلكه تجاهه من قبل عندما كان جالسًا مع الدكتور وليم. لكن فهمان قال لنفسه بأنه يظن أن كاجيتا يكره العالم، حتى امتد كراهيته له إلى نفسه هو.
قال مهدي: «لم تكن تكلفة خزانة الدولة ثلاث مائة مليارًا من الدولارات أمرًا هينًا في بلد أهلها يعيشون في البرك والمستنقعات، ولذلك فأنا متأكد بأنك ستستطيع بناءه، وسيصبح منارة وقبلة لعلماء الأرض يأتونه، عندئذ أضرب ضربتي، فأرفع شعبي من المستنقعات إلى الروابي، وأخلع النعال التي ينتعلها علماؤهم وأضربهم بها.»
نظر فهمان إليه وتعجب من قسوته
ولم يفهم معنى كلمة أضرب ضربتي، ولكنه شعر فيها بالقسوة ولاسيما أنه كان يقولها وهو يلكم الهواء بكلتا يديه.
قال مهدي: «هل من الممكن أن يعمل جاك معك؟ وهذا الكاجيتا أيضًا؟»
أجابه وهو يبكي: «لقد فرّقت الشياطين بيني وبينك يا جاك، كم أنا مشتاق إليك! كم أنا محتاج إليك.»
- «حسنًا، أرسل إليه يأتك.»
- «لن يستطيع، فلديه هم أشد مما نحن فيه، إنه سوف يلقي بنفسه في جحيم ثقب أسود محاولة منه لإنقاذ هذا العالم.»
قال مهدي مرعوبًا:«كيف ذاك؟»
أجابه: «ثقب أسود يهدد حياة البشرية بالزوال، بل قد يلتهم المجموعة الشمسية أيضًا.»
قال مهدي: «لطفك يا رب، هل أنت متأكد مما تقول؟»
أجابه: «متأكد، لكني متأكد من قدرة جاك على التصدي له ودحره بعيدا عنا.»
قال مهدي: «ألم تقل بأنه سوف يلقي نفسه في جحيم ثقب أسود منذ قليل، فكيف يدرأ أخطاره عنا؟»
أجابه فهمان والدموع قد ملأت وجهه: «سيدرأ أخطاره عنا بأن يكون قربانا له.» وظل يبكي حتى تقطع صوته.
فأراد مهدي مواساته فقال له: «لا تألوا جهدًا في بناء المصادم وسوف أجعل أباك -رحمه الله- بجانبك.»
ذهل من كلامه ولم يدرِ مقصده وسأله مستفسرا عن الأمر فقال له مهدي بأنه عندما يحين الوقت ستزول عنه دهشته.

**********

 

إبراهيم امين مؤمن متصل الآن   رد مع اقتباس