منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ورقَة إختبَار .. و سَاعَة ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-24-2008, 08:39 AM   #1
م.ماجد محمد
( ذُوق بنكهَة خاصَة )

الصورة الرمزية م.ماجد محمد

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 17

م.ماجد محمد غير متواجد حاليا

Post ورقَة إختبَار .. و سَاعَة ..




نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


المُفاجأت عُموماً تَقتل عَوامل الإستعدَاد ، تُظهر الشَخص بطبيعتهِ المُترسبة في رُوحه ، تجعله يتصرف كما أخرجته مدرسَة الحيَاة ، سيكون في تحَدي خَاص مع ذاكرته التي تحفظ كل تفاصيله الصغيرة ، سيحتاج لكيميائيةٍ تُترجم أفكَاره المُتطَايرة كالغاز في دماغه إلى سَائلٍ يغزو الورق ، أمَامي فقَط ساعَة و نصف من التنقل المُرهق بينَ محطَات عَقلي ، أحتَاج إلى أن أصَارع الزمَن بإجَابَاتي ، فأمَامي الكَثير من الأسئلة الصعبَة التي قَد تتطّلب إلى الحَظ ، التعَايش بلحظَة ألم ، التوّهم بفَقد شَيئ عَزيز ، لكي يبدأ المُخ بالتَجاوب و التفَاعل بأسرع وَقت ممكن ، كُل ما أملكه أمَام هذه الورقَة ، قَلم نَحيل ستَهلكه أفكَاري و سَاعَة فضيّة تُسَاعد بإمتصَاص بعضاً من حرَارة جسَدي الذي تفاجئ بالورقَة ، أحتَاج إلى إعَادة تركيزي بعدَ أن فقدته بسبب المُفاجأة ، أحتَاج إلى الكتَابة بخَط مُستَقيم أنيق لأغري مُصححها ، سأضطَر إلى التسَارع مادَام الوَقت مُسرعاً ، فالعبرَة ليسَت بالجَري فقَط ! فللتوَازن دَور كَبير في إتمَام عملية الركض لنصل في النهَاية إلى خَط مُستَقيم في مُستَوى الحيَاة .

أسئلة التَعبير تُتعبني دَائماً ، لا أعلم ماذا يُريد السَائل من المَسؤول بالتَحديد ! قَد أكتب خَمسون سَطراً و الجَواب المَطلوب بنصف سَطر ! أحب الأسئلة التي تُمسك الفرجَار و تُحدد مساحة جوابها ، فهذا النوع يُسّهل عليّ نَسج ثوب الحَرير على نطَاقٍ مَحدود لذات السؤال ، تفاجئت أمام هذه الورقَة بسؤالٍ تَعبيري بحت : أكتب مجموعة أسئلة مُرفقَة بالجَواب ! أحتَارت الأفكَار من أين تبدأ نُقطَة الإنطلاق ! و كيف سيتم تَجميعها على رأس القلم المسكين ؟ أحتَاج إلى أن أعرفَ طَبيعة من سأل ، جَاهل ، مُثقف ، أنثَى ، رَجل ، صيّاد سمَك ! فمعرفة طبيعة السَائل تُسّهل عَلينا كأفرَاد بأن نَحوم حَول الجَواب كفراشات الربيع ، كنَحلات الخَريف ، كذباب الصَيف ، كصَراصير الشتَاء ، فإن كَانت أنثَى سأقوم بلفّ أجوبتي بالرقاقَات النَاعمة التي تُنَاسب طَبيعتها ، وإن كَان رَجلاً مثقفاً فسأدعم الإجَابة بـِبُرَادة خشَب مُتمَاسكة ، صيّاد السمَك بحَاجة إلى المَاء الذي يُبّلل ورقته ليُجيد التنفس بها ، ولكن الورقَة أتَت بلا هويّة ، بلا عنوَان بَريد وبلا أدنَى تفاصيل ، كَانت صمّاء من كلمات التَعريف لكاتبها ، خرسَاء لا تتحَدث حينَ اضغط عليها بقَلمي ، عميَاء فلا تَراني وإن ابتسمت أو بَكيت ، اضطّر هذا المَاجد إلى البَحث عن قَواسم مُشتركَة بينَ النَاس ، أريد الخُروج بأقل خسَائر ممكنَة ، فإختبارات الفجأة ليسَت صعبَة إطلاقاً ، و إنمّا يلعب الأدرينالين دَوره الفعّال في تنَاول بعض الحُروف لتظهر الكلمات على غير ماكُتبت ! يُدخل الأرقَام ببعضها البَعض ! لا شَيئ يَنجو منه ، حَتى الإسم قَد يُكتب بالمَقلوب إن كَان النجَاح مرهوناً على سُؤَال وَاحد !

أحتَاج إلى كلمَات تختَصر الزَمن ، أحتَاج إلى حُروف تختَصر المسَافَات ، أحتَاج إلى جُمل تختَصر الإنتظَار ، بإمكَان النَاس أنّ يعمَلوا كُل شَيئ لَو عَاشوا بزمَن لا ينتَهي ، لكن جَدي قَال لي ذاتَ يَوم : ياوليدي محد يأخذ عُمره وعُمر غيره ! أنا الآن أعيش بفترة زمنية رياضية يا جَدي ، خاطَبتني بلغّة المُحنكين التي ضمّت الفيزياء والرياضيات معاً دُون أن تَعلم ، بعض الكلمَات تختَصر الكَثير من الأيَام والأمور التي يَجب تفاديها بعد عناقها ، خذ على سبيل المثَال يا جدي ، كلمة أحبك ، أشعر بأنّ قَائلها سيُصبح كالكَاوبوي ، يُمسك مَحبوبه من عُنقه دُون اللجُوء للمُقدمّات المُملّه والمُكّرره ، سأحاول ان أكتب الكثير من الكلمات التي تختَزل ساعَاتي ، تختصر مفاهيمي ، ليقرأ المُصحح بالحرف الوَاحد ألف إحساس ، و بالكلمَة الوَاحدة ألف فكرة ، وبالجملة الكاملة مليون معنَى لا يُدركه إلا من تفقدّ أرجَاء غُرفته ، ففهم القُرآن تدّبره ، وفِهم الماجد تفّقده ، والقاسم المُشترك بينهما ، من الصعب أن يصلَ أحدهم إلى إدرَاكٍ تَام لهما ، ليسَ لصعوبتهما ، وإنما لقّلة من يَقرأها مُستشعراً لمن يَقف خلفَ هذه الحُروف ، فالله هُو العَظيم و أنا عبده الضعيف بكل حال .

سأحَاول بأن ابدأ بتَحديد مَوقعي بالمجرّه ، سأكتب سُؤالاً بسيطاً يتضمَن غلافَ كَوكبي ، لأوضح من أيِّ المخلوقَات أنَا و ما هدفي من الكَائنات الأخرَى ، سأجعل جوَابي كالقنفذ ليلتَحف كلمَة البشَر ! كلمَة قَد تكون ظريفَة كأنف هذا الكَائن وقَد تكون متوحشة كالإبَر السَامة التي تُعاشر جلده ، لا يُمكن لهذه الكلمَة بأن تُظهر الأمَان للمُصّحح ، لكن حين يحضنها ذلكَ القُنفذ قَد يشعر بالدفء ليَعلم بأنّ الجَواب صَحيح و بذات الوَقت يحتَمل الخطأ في حَالة الطَوارئ ! فالبشَر يا أستاذي غير مُستأمنين ولا يستحقوا العلامة الكَاملة ، لا يتكَاملوا إلا باللحظَات الأخيرة ليعيشوا ، لا يتوبوا إلا بعد أن يتذوقوا طعمَ المعاصي ، فهل من البَديهي أن نُطلقَ كلمَة بشَر دُون أن نُحيطها بأقوَاسٍ لكي لا تَهرب من أدق تفاصيلها ؟

ومَا أدرَاكَ ما الحب ، هُو الألَم المُهذب ، هُو الوَجع المُقّلم ، هُو المَوت المُقّدر ، هُو الصرَاط المُسّنن ، نَسير بهِ بلذّة رغمَ حدّته ، كذلكَ هِيَ الأمور دَائماً ، لا نستَمتع إلا بالألعاب الخَطرة ، النجَاح بها يُوهمنا بالقُوة ، والسُقوط بهَاويتها يَقتل الأمال لحينٍ من الدَهر ، الحُب يَنمو كالطِفل ، يَعيش ، يأكل ، يتنَفس ، وحينَ يَبلغ حِلمهِ سيظهَر ، وَ ظُهور الأشيَاء تُوجب وُجود المُهتّم بِهَا ، سيحتَاج صَاحبه إلى العنَاية ، الدَلال ، الإهتمَام ، و الإبتسَامات ، يُحب صَاحبه أن يُظهَر تَكاملهِ للنَاس أجمَع ، وحينَ يَكون معَ مَحبوبهِ يظهَر كالطِفل الذي يُحب مصّ اصبعه ، فالحُب يُعيد تأهيل المشَاعر في كُل لحظَة عنَاق ، فهو يمر بكُل الصُور التي عاشها المُحبَين بدءاً بالطُفولة و نهايةً بشرابٍ ليمونه رَجل و سُكّره أنثَى ، الحُب كألم العضَلات ، ركضَنا الكَثير بهِ يُعرضَنا لألمٍ لَذيذ ، ضغطَنا برفق عَليه يُريحنا و القسوة عليه تُؤلمنا .

سنلعَب شطرَنج الأفكَار سَوياً ، أنَا و أستَاذي ، أستَاذي و أنَا ، نُفّكر و نُحرك الأفكَار من مرحلة لمرحلة أخرَى ، وُصول الفكرة للحَد الأقصَى لها من الصلاحيَة يعني خُروجها من اللعبة ، تجديد الأفكَار ليسَت إلا مرحَلة مُتطورة تستَند على الفكرة الأولى ، نحتَاج إلى الإنسيَابية بعرضها ، الدقّة ، والقرَاءة السريعة لفحوَاها ، فالشطرنج تعتَمد على فَتح المسَاحات للأفكَار ، من المُفترَض أنّ التَحرك لخطوَة يعني إستيعَابي التَام للسَابقة ، على كُل حَال ، يلعَب العَقل دوره من شخص لآخر في استقبَال الكميّة المُحددة من البيَانات ، فتَلقين الطِفل حُروفه الأولى وإن كَانت خَاطئة ستجعله يتذكر مُلقنهِ حَتى يَموت عكسَ النَاضج تَماماً ، فالأخير إن كَان لا يَرغب ، نَسِيَ مُلقنهِ وَ أحرفه ابدا .

وَ مازلت أمسك القَلم و أكتب ، أي الأجوبة ستُقنعه ياتُرى ؟ هَل سيُعجب بالأفكَار الجَديدة أم ستُعجبه آرَائي حَول الحُب الذي رشّ أرَاضي الكَثير و نبَتت ثمَاره ؟ هل أجمعَ الفكرتين سَوياً ليظهَر حُب الشطَرنج ؟ أو شطرنج الحُب ؟ سيظهرَ حينها نوع جَديد رُبَما من الحُب ، حُب الذَات ، حُب الذكَاء ، حُب العَار ، ذلكَ المُتداول بكثرَة بينَ السَاقطين ، الشطرنج عُموماً تحتَاج إلى مُوسيقَى هَادئة و أجوَاء خَالية من المايكروبات لكي يُنتج اللاعب أقصَى ماعنده . سأسّلم الورقَة ايماناً وإحتساباً بالتَالي ، مُتأملاً من ذلكَ الأستَاذ بأن يتفقّد أشيَاء غُرفَتي ، وأن يلمحَ الحبر بأدق تفاصيله الصَغيرة ، تَرددي بالكتَاية يمنَح بعض أجوبَتي خطاً عريضاً ينتصفَها ! خَوفي يجعل رأس قلمي السَائل يُفّكر طَويلاً بهامش الورقَة مِمَا يمنحَها بُقعاً تتربّص بإجَابَاتي ، سيظَل الإنتظَار سّيد مَوقفي ، دَخلت بقَلم و سَاعة و خَرجت مُترقباً للنتيجَة برهبَة ، فالقَلم و الساعَة رغمَ حجمَيهما الضَئيل ، إلا انهما منحَا عينيّ إجَازةً اضطرَارية عن النَوم لحين لُقيَا الخَبر ، أسعيدٌ سيكون أم شَقي ؟ وكالعادة ، الصَبر وحدَه هُو من يمنحَنا الأجوبَة الموثقّة بالوَاقع بعيداً عن تخمينَاتٍ ترتَجي نُجوم الخيَال .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

م.ماجد محمد غير متصل   رد مع اقتباس