منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - تجديد الوصاية
الموضوع: تجديد الوصاية
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-22-2009, 05:08 PM   #1
عبد الله العُتَيِّق
( كاتب )

الصورة الرمزية عبد الله العُتَيِّق

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 17

عبد الله العُتَيِّق غير متواجد حاليا

افتراضي تجديد الوصاية


تجديد الوصاية

كنتُ في مراجعة لإدارة المطبوعاتِ في وزارة الثقافة و الإعلام ، فتوافقتُ عند المصعدِ مع رجلٍ جاءَ بكتابٍ له من ورقاتٍ تسع ، يتكلم فيه عن العقائد التي في كتب سيد قطب ، رحمه الله ، و تجاذبنا حديثاً طويلاً بدءاً من نشر الكتاب و فسحه في البلاد إلى أن مررنا على الكلام عن كتابه في سيد قطب ، و ذكرت له بأن الكلام في نقد الأشخاص شيءٌ لا نحتاجه اليوم كثيراً ، إلا في حالتين :
الأولى : شخص له تأثيره و نفوذه إلى قلوب الناس و عقولهم ، و عليه من المآخذ القدر الكبير الضاربِ في ثوابت الدين ، و هذه الحالة لا تُقبل إلا بعد ثبوت :
الثانية : ألا يكون قَد انتُقِدَ قبلُ .
لأننا اليوم نحتاجُ إلى عرْضِ الثقافاتِ على أنفسنا و على مَن حولنا ، و في العرض يكون النقضُ للمعترضِ ، سوءاً نقضاً كلياً أو جزئياً ، و أصلياً أو فرعياً ، فلا يكون همُّ المثقف النقضُ لمن خالفه ، لأنَّ النقضَ حيلة العاجز الخاوي ، و العرضُ حلية القادر المليء ، و الردُّ إنما قيمته في توظيفه و كيفية صياغته ، لا في كمِّ المؤاخذات و لا في سلاطة اللسان .
تحججَ الأخُ بأنَّ فعلَه من باب النهي عن المنكرِ ، و استدل لنفعله بالحديثِ الشهير " إذا رأى أحدكم منكراً " ، وافقته على حقِّ الإنكارِ ، و لكن : متى ، و ممن ، و لمن ، و كيف ، و لماذا ؟ ، إذا أدركنا أبعاد هذه الأسئلة كان للإنكارِ وزنا معقولاً ، و لكن هذا الشخصُ في إنكاره و انتقاده لسيد قطب لم يَسِرْ على وتيرةِ الإنكارِ الحقيقي الجوهري ، بل سار على شنشة أخزم التي عرفها التاريخ المعاصر ، و صارت وصمة العار فيه ، حين أقدم فئة لا يعرفون معروفاً و لا يُدركون معنى المنكر على كتبِ سيد و غيره فأحرقوها و أتلفوها ، و استخرجوا الفتاوي في ذلك من مجاريها ، و كل إناءٍ بما فيه ينضح ، جمع سبعة أشياءَ أخذها الناسُ ، ليس كل الناس ، على سيد قطب ، و نقلها هو من تلك الردود ، و برأَ ذمته و ديانته ، كما قال ، بأن ذهب إلى مصدرِ كل وثيقةِ قولٍ و قرأها بعينيه ، و لم يقرأ كتبَ سيد قطب كلها ، و لا كتاباً كاملاً ، و لا أظنه قرأ روايته " أشواك " ، وهذا خللُ الردِّ ، فلو كان أحدُ هؤلاءِ يردون بدينٍ و صدقٍ مع ذواتهم في المعرفة و العلم لقرأ ما كَتَبَ المردودُ عليه ، و لكن وجبةُ ردٍّ سريعة ، فهنيئاً مريئاً .
و هذا الإنكار منطلقٌ من منهج الوصاية على عقول الناس و أفكارهم ، فلا يقرأون إلا من يُملى عليهم في سِجلِّ الأقدمين ، و لا يكتبون إلا ما يتغيرُ في العنوان المبين مع ثبات المضمون المتين ، تكرارٌ بإمرارٍ .
عرض كتابه ذا التسع صفحات على مجموعة من أشياخ الدين و العلم عنده ، فأيده رجلانِ و عارضه واحد ، و قال : إن فلانا يقول هو مهم بالنسبة للعامة ، و العامةَ هم كل من دون ذاك الشيخ ، و حتى الكاتبَ من العامة ، و بيَّنتُ له جلافة و صلافة و جفوة و قسوة شيخه هذا ، و أنه من المنفرين عن الصواب بسبب ما فيه من سيءِ الأخلاقِ و الصفاتِ .
الشيخ الآخر المعارض قال له : مزقها ، لأن سيد من علماءِ الأمة ! ، و استنكرَ على الشيخ هذا الوصف لسيد قطب .
فقلت له : سيد من علماءِ الأمة ، لأن علوم كلِّ أمةٍ كثيرة فليست العلوم النقلية الدينية ، فهناك الأدب ، و سيد قطب أديب .
لنضعْ في بالنا أنَّ هذا الرجل قد ردَّ على سيد قطب من مُحصَّلِ ما قرأه لأولئك المنتقدين و الرَّادِّين عليه ، لأنَّ الأمرَ الأساسَ عنده إبراءُ ذمةٍ في الإنكارِ للمنكرِ على القائم به ، و لو كان قد سبقَ أن أُنكِر عليه ، فهو قد اعتبرَ الإنكارَ وظيفةً لازمةً له ، بل لكل مسلم ، يجب القيام بها كل حينٍ ، و لما نُمعن النظرَ في الحديثِ الشريفِ الذي استدلَّ به نجد أن الإنكارَ حالةٌ تعترضُ الإنسان حين يقع منكرٌ مرئيٌ .
كرر الكلام عن سيد قطب كثيراً ، و بيَّن خطورته _ [ الله أكبر ] _ ، فقلت له : لن يقرأ لسيد إلا من يريد أن يقرأ الكتب الكبار الثقيلة بالمعلومات ، و كتابك هذا سيفتح باب شرٍّ أنت تريد سدَّه ، لأنك ستُلفت أنظار أناسٍ إلى كتب سيد قطب فيتأثرون بها ، بان على وجهه التردد ، و لكنه استدرك أمره فاستدل عليَّ بحديثِ الإنكار .
في معرض كلامه عن سيد قطب كان يُريني مقاطع من كتابِهِ ذي التسع صفحاتِ (a4) ، و يقرأ ما ينقله عنه من كتبه ، ككتاب " في ظلال القرآن " و هنا قال : حتى تسميته القرآن ظِلالاً لا تجوز لأنها لم تأتي في الكتاب و السنة ، و الله سمى القرآن نوراً ، و الظلُّ ظلمة ، فيكون تناقض ، فكيف يجرؤ سيد أن يسمي القرآن ظلالاً و هو نور ؟!
فقلت له : أذكر حديثَ السبعة المظللين يوم القيامة ، في أي ظلٍّ سيكونون ؟
قال لي : في ظل الله .
فقلت له : و الله سمى نفسه نوراً ، و أثبتَ لنفسه ظلاً ، فهل تقول لي ، بناءً على كلامك ، أنك تثبت لله ظلمةً ؟!
فتراجع ، لطف الله به ، عن كلمته ، و بينت له أنَّ تراجعه دليل على عدم وجود قاعدة يستند إليها في الإنكار ، و إلا فلو أنزلتُ الحالَ تنزيلاً علمياً لكنتَ في شكٍ من أمرك .
و في تحليلي أن القضية ليست في الكتاب ذاته ، و إنما في المنهج التأثيري لسيد قطب في التيار الصحوي في وقت سادة و أشياخ هذا الكاتب ، و إلا فهناك كتب أشد من كتاب سيد قطب منتشرة في بلادنا ، و كانت كتب سيد قطب قبل بروز الصحوة منتشرة و لا أحد يُنكرها أو يعترض عليها ، فالسبب الرئيس هو إسقاط لسيد قطب و المتأثرين به من خلال إسقاط الكتب التي ألفها ، و هذه حيلة العاجز الضعيف الخالي من كل برهان و إيمان بمبدأه و عقيدته و فكره .
جرَّنا الحديثُ عن الإنكار إلى الحديثِ عن العقيدة ، و كان الرجلُ جداً مهتماً بها ومدققاً ، و هذا الذي جعله يقضي غالبَ وقته في مناقشة أصحاب المناهج ، لم أخالفه في كون الشخص يُدافع عن معتقداته ، حتى لو كانت باطلة ، فهي في نظره حق فله أن يدافع عنها ، و لكن أن تكون مجالسنا كلها في مناقشة المخالفين لنا أساساً أو فرعاً فهذه هي المشكلة التي تحتاج إلى حلٍّ ، اعترضت عليه بأن وقتَه كثيرٌ جداً في هذه المهمة ، و بإمكانه أن يكتفيَ بالقليلِ منه ، لم يُعجبه رأيي و رجعَ مستدلاً بحديثه الوحيد " من رأى منكم منكراً " ، و عجبي له ، على قدر تلك المجالس في الإنكار على القطبيين و السروريين و الحزبيين أخرج بعد مخاضٍ شديد ورقاتٍ صغيراتٍ لا تكشفُ شيئاً عنه ليُحكم من خلالها عليه أو له .
اقترحتُ عليه أن يأخذ ببروتوكول صهيوني و هو : مسايرة الخصم في صفه و الهدم في الخفاء ، بمعنى : أن يعيش مع من يعتقد أنهم خصومه و أنهم مخالفون للدين ، و في أثناء معايشته إياهم يعملُ في بيان الخللِ ، و هذا أنسب من المواجهة المُصادمة ، و لكن لم يقتنع ، لأن الحديث فيه " فليُغَيِّرْه " لا " فلْيُسَايرْه " ، و هذا فهم عجيبٌ !!!
بيَّنتُ له أن الاهتمام الزائد ببعض العلوم يورثُ ضعفَ قيمتها في نفوس الناس ، و يحولها من حقائق إلى صور ، و هذا حاصل في العقيدة ، فكثيرون اهتموا بها كمادة معلومة لا معمولة ، و لهذا نلحظ كثيراً من المواقف التي تتطلَّب حضور العقيدة فعلاً لا ترى العقديَّ المتقن المتعمقَ في علوم العقائد إلا فاراً هارباً خواراً ، وذكرت له أن بعض العوام الأميين في العقيدة رجالَ موقفٍ ، تعرف أنهم يؤمنون بعقيدتهم فعلاً و عملاً بعكس الكثير من الأكاديميين في هذا الشيء .
في هذه الأثناء كان يذكرُ نعمة الله عليه بحفظه للقرآن ، و بَدئه بالسنة ، و من أحبَّ شيئاً أكثرَ من ذكره ، فكانت هذه الميزة كالفواصل الإعلانية في القنوات ، فذكرت له الكمَّ الكبير المُخرَّج سنويا من حفظة القرآن ، و ليس عيباً و لا يقف ضد حفظه أحد ، و لكن ليس من حفظَ يصبح عالماً .
حلل الرجلُ شخصيتي بأنني أقرأ كثيراً ، و أنني شموليٌ في القراءةِ ، و أنني أقرأ للفلاسفة ، و خشي علي الزندقةَ و الإلحادَ !!!
فابتسمتُ و أطلتُ ابتسامتي ، و قلت له لا تخف عليَّ ضلالاً فإن ربي سمى نفسه هادياً و لم يُسمها ضالاً ، فأنا في بُحبوحة هدايته و حفظه .
فقال لي : أنت تتبع هواك .
وهذه لم ترُقْ لي ، فاعترضت عليه منتقداً و قاسياً في العبارة : أرجو ألا تعيدها مرة أخرى ، لأنني لا أقبل لأي أحد أن يصفني بهذا الشيء ، و لو تركت لنفسي الهوى لأسقطت رأيك في وريقاتك هذه و أنت لا تستطيع شيئاً ، فأعادها مرةً أخرى ، فأدركت أنني كنت أتحدثُ مع مسلوب عقلٍ و ذكاء ، فقلت له : أتؤمن بأن الله يجمع الخصمين يوم القيامة فيقضي بينهما بعدله ؟
قال : نعم .
فقلت له : فأنا سأجعل هذه الكلمة محلَّ خصومتي لك عند الله ، فيقضي بالحق و هو أحسن الحاكمين .
فضرب على صدره و قال : و أنا مستعد للمخاصمة و المقاضاة يوم القيامة أمام الله ، لأنني أؤمن أنني على الحق المبين 100% و أنت لا .
فزاد يقيني بأنني أمام جاهل ، فقلت له : من عظم الله سقط من هيبة ذكر الاسم ، فكيف تجرؤ أن تقول بالموافقة و الاستعداد للمخاصمة أمام الله ، و لكن ضعف الإيمان مُلبَّسَا بزينة الديانة و الصلاح .
فنفضت يدي من يده و تركته أمام جموع الموظفين الخارجين من وزارة الثقافة و الإعلام ، و أخذت أوراقَه المليئة بالحبرِ بِلا علمِ حَبْرٍ .

 

التوقيع

twitter: ALOTAIG


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله العُتَيِّق ; 03-22-2009 الساعة 05:19 PM.

عبد الله العُتَيِّق غير متصل   رد مع اقتباس