منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الشموخ في قصائد الحميدي الثقفي
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-30-2009, 05:57 PM   #1
محمد مهاوش الظفيري
( قلم نابض )

الصورة الرمزية محمد مهاوش الظفيري

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 726

محمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعةمحمد مهاوش الظفيري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي الشموخ في قصائد الحميدي الثقفي


الشموخ في قصائد الحميدي الثقفي له وجه آخر
إنه لا يكتب القصيدة بطريقة الصراخ و( المهايط ) الذي يوحي بسقم قائله سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الفني للنص 0 على المستوى الشخصي من خلال الصراخ وتكثيف مفردة " أنا " التي تتكرر في النص الشعري بشكل مقزز ومضحك ومثير للسخرية والشفقة مما يفقد النص قيمته - إذا اعتبرنا جدلاً أن له قيمة - ومثل هذا النوع أو النمط من القصائد لا يساعدنا كمتلقين على احترام قائل هذا النص 0 وعلى المستوى الفني من خلال الإتيان بمعانٍ هشة وصور باهتة وإقحام مفردات متنافرة أو معادة ومكررة ، لا تدل إلا على ضحالة هذا الشاعر ومدى ثقافته المتدنية0 مع العلم أن الصراخ الذي انتقدناه وهو صراخ الصوت ، يدمر القصيدة ويقضي عليها قبل أن نقرأ أو نسمع هذه القصيدة أو تلك ، غير أننا بحاجة إلى صراخ من نوع آخر ، إننا بحاجة إلى صراخ نفسي ومعنوي يزلزلنا ويقتلعنا من جذورنا ويعيد تشكيلنا من جديد ، أو يتركنا مذبذبين أو مشتتين إلى إشعار آخر 0
يقول الحميدي الثقفي
اكتب عزاي إن تعقبت السواد وراح بي
دربٍ طويل من العطش بين الشفاه وكاسها
واكتب عزاي إني بأصل ... لو دربي أكملها حبي
وادخل من أبواب المدن ريح تدق أجراسها
هنا يظهر الصراخ ... صراخ النفس والضمير ... صراخ الإنسان ... هنا يكمن الإحساس بالشموخ والتعالي ... الشعور بالعزة والكرامة لا الغرور .
هنا يصر الشاعر على أن يكون ... أن يتحدث ويتكلم مهما كانت الموانع والسدود " لو دربى أكملها حبي ) لينطلق بقوة هائلة انتشارية ليقتلع الأبواب والمدن 0
الريح حسب التعابير القرآنية ترمز للعذاب والاقتلاع ، فيها عذب الله بعض الأمم السابقة ، وهى عكس الرياح التي ترمز للخصب والخير والتعاون والإخاء والألفة ، إلا أن الشاعر قد مزج بين المعنيين أو الرمزين على أدق تعبير - رمز العنف والسلام - وذلك من خلال استحضاره لمفردة " برق " الموحية بالمطر وهو رمز الخصب والنماء ، والتي جاءت فيما بعد ، في البيت التالي لهذين البيتين من قصيدة الشاعر 0
برق يتعرج في كهوف المعدن / الرمل الغبى
فوق المرايا ... فى القرايا ... فى الوجوه وناسها
هنا امتزجت الريح بالرياح أو الرياح بالريح ، عن طريق قوة الربط " برق " الموحية بالمطر ، وهو رمز الخصب والنماء 0 فهذه القدرة على المزج بين الدلالتين منحت الشاعر قوة انتشارية انسابت وتخلخلت بين الزوايا والكهوف والأمكنة ، وبين قسمات الوجوه وضمائر الناس وأجسادهم 0
جتني مع الريح غيمة وارحلت غيمة
ما كل غيمة حملها الريح تغرقني
أموت عطشان ظامي والمطر ديمة
وارحل وأنا ما خضعت لغير خالقني
تتجلى شخصية الشاعر في هذين البيتين . إنها شخصية قائمة على التميز والتفرد ... فهو يستثنى وجوده عن الآخرين ، لأنه ليس كغيره من الناس 0 فهذا الجنون ، وهذا العنفوان الصادق الشامخ على مسميات الأشياء من حوله في الطبيعة بما فيها المطر , وما يوحى إليه من دلالات الخصب والنماء تنم عن حالة من الشموخ قد تكون مفتعلة أو سعى الشاعر بسذاجة إلى تصنعها غير أنه عندما وضع هذا الشموخ يدور في إطار معين أو يتحرك عبر أفق يمكن السيطرة عليه ، فهو لم يطلق العنان لنفسه تتخبط يميناً وشمالاً حيث أنه يتضاءل أمام خالقه ، وهنا يتجلى شموخه ويبدو أكثر شموخاً مما سبق ، سواء في ذات نفسه أو في عيون الآخرين .
استثني أمي وأبوي أخضع لهم شيمة
على رضاهم جناح الذل يسرقني
وهنا يتجلى خضوع آخر ، واستثناء من نوع خاص ... إنه خضوع للبشر وهما الوالدان ، اللذان منحاه الحياة ، فهو يخضع لهما انطلاقاً من حقهما بالعرفان والفضل بدورهما في الحياة معه 0
إيه وتعطروا دمي... خجل وانكساف
مثلما البحر يتعطر بدم الغروب
ينفجر الشاعر في وجوه المحيطين من حوله ، وهم يمتصون دمه في غيابه عن طريق النيل منه ، وذلك عن طريق كلمتي " خجل و انكساف " فهم لا يجاهرونه بعيوبه ولا يستطيعون مواجهته ، وفي هذا السلوك شموخ له وانحطاط لهم 0 غير أن هذا الحديث عنه ، ورغم أنه يحمل في طياته علامات الذل والتصاغر لخصومه كما أوضحنا إلا أن الشاعر كان له رأي آخر ، أو على أدق تعبير حاول فلسفة هذا الوضع الذي صادفه ، حيث أكسب هذا الحديث هؤلاء الناس نوعاً من الشاعرية والسفر إلى فضاءات المجهول وذلك عن طريق التقاء الأفق بالصحراء ، والتي استعاض عنها الشاعر بكلمة " البحر " وهكذا يبدو التوحد والالتقاء بين اتساع البحر وأبدية السماء 0
إن هذا الحديث عن الشاعر من قبل الآخرين ، منح هؤلاء الناس كما يبدو لي قدراً من السمو والشموخ والتباهي ، والشاعرية الفذة التي تعجز عن وصفها ريشة الفنان ، لأن ذات الشاعر وموهبته الخلاقة مادة نقية وعظيمة لديها الاستطاعة على قلب موازين الأشياء وإضفاء عليها حقائق غير التي تكون0
تعودت أموت بصدق وارحل بلا تعليق
كفاني أحس بلذة الموت في أوراقي
قال بدر شاكر السياب :
" إن موتىَ انتصار "
فموت السياب حركة انفعالية إلى الأمام ومحاولة لإعادة الخلق من جديد 0 والشاعر الحميدي الثقفي ليس بعيداً عن هذا الفهم ، غير أن انغماس السياب في صخب الجماهير يخالف انغماس الثقفي في صمت الأوراق 0
بدر شاكر السياب كان يريد أن يكون شعلة سياسية وشعبية تعيد صياغة الحياة في بلاد الرافدين ، بينما الحميدى الثقفي يريد أن يكون شعلة إبداع تعيد صياغة الوعي والموروث ، وتمنح الشاعر مدى أرحب وقدرة على التجدد كطائر الفينيق الأسطوري الذي يحترق لا ليموت بل ليتشكل من جديد ، لهذا يريد الحميدي الثقفي أن يموت على الورق ليتمكن قراءه من بث الروح فيه وفي قصائده من جديد 0 وهذا هو جوهرالشموخ000 الشموخ لا على المستوى الفردي الذاتي الذي تصنعه كلمات تصدر من فم الشاعر ، بل شموخ على مستوى الكلمة والإبداع والشعر والإحساس بالجمال 0
فوق الثريا هامتي ، والرمل لأقدامي فراش
لا من ورا ظهري ولا يمشون قدامي حرس
جيت أعطي الظلما قمر000 جيت أعطي الفجر انتعاش
جيت أرسم البسمة على وجه امتلا غيظ وخرس
جيت أسقي / الزرع الهشيم اللي سمع صوتي وعاش
جيت أكتسي ريش بدال اللي تكسر وانهرس
يحدد الشاعر موقعه في هذه الأبيات . ومن حقه أن يرى في نفسه مالا يراه الناس فيه ، مادام لم يلق وجود الآخرين ، ولم يهمش كيانهم لحسابه الخاص . إن الحرية الحقيقية تقف عندما نصطدم بالآخرين 0 هذا ما قرآناه وحفظناه وعلمتنا به الأيام0
إنه يسمو على غيره من الشعراء ، الذين يؤطرون أنفسهم بأطر نرجسية حادة 0 فهو هاهنا شامخ فوق النجوم ، ورغم هذا الشموخ لم يسع للإتصاف بأوصاف الزعامة ، أو السيادة " لا من ورا ظهري ولا يمشون قدامي حرس ) ينطلق بمفرده أمام الجميع 000 بعيداً000 بعيداً عن الآخرين ، لا من أجل أن ينكمش ويتلاشى أو من أجل أن يتمدد في الفضاء بعيداً عما حوله من الأشياء ، بل ليكون عنصراً فاعلاً في تكوين الحياة والإنسان والطبيعة 000 إنه يرتفع 000 ويشمخ بنفسه عن الجميع ليهب النور للظلام ، ويمنح الانتعاش للفجر ، ويسكب الحيوية والبسمة في الوجوه التي امتلأت بغبار الحياة 0
إنه يعود بطريقة أخرى للشموخ ، وذلك عن طريق الزرع الذي هبط عليه وتساقط كالمطر ، ليبث فيه الحياة ، ويمنحه الروح ، فهو يزرع الحياة في الجماد عن طريق " صوته " وشعره، الذي حمل ملامح المطر إن لم يكن هو المطر بعينه ، ولكن بطريقة أخرى ومختلفة .
إن الشاعر لم يقف بنا عند هذا الحد ... إنه ينطلق بنا إلى فضاءات أرحب ، وكون أوسع ، وشعر أكثر حيوية ، إنه يستحضر أسطورة طائر الفينيق عن طريق " جيت اكتسي ريش بدال اللى تكسر وانهرس " فهو يتجدد ويتمدد في ذاته وشعره ليسمو مرة أخرى أو ليؤكد ما قاله سابقاً " فوق الثريا هامتى 000 " وأن ما قاله في بداية هذا المقطع لم يكن آتياً بشكل عارض أو بطريقة غير مقصودة فرضتها تداعيات خاصة ليس لها أي علاقة بهذا " الشموخ " الذي نحن في صدد الحديث عنه 0
إن قدرة هذا الشاعر على التحكم فيما يقول ، والتمكن من صياغة هذا الإبداع بهذه القوالب الشعرية تجعلنا ندرك أننا في تعاملنا مع قصائد هذا الشاعر سنظل دائماً نحتاجه أكثر مما يحتاجنا كقراء أو مستمعين

 

محمد مهاوش الظفيري غير متصل   رد مع اقتباس