منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ثرثرة
الموضوع: ثرثرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2009, 01:17 AM   #55
عبدالله الدوسري
( كاتب )

الصورة الرمزية عبدالله الدوسري

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 52

عبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعةعبدالله الدوسري لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي العقاب والجريمة ،،



لا تختار ميلادك ولا تقرر موتك ،،
وحتى لا تقلق وتذيب الأجنحة ،،
عليك أن تولد من جديد ،، من جوف الينابيع ،،

وتلك الإبتسامة المشرقة المذيبة للشمس ولا شأن لها بالاحتباس الحراري ،،
قالت : هل سنعود إلى السخرية ،،
فقلت حينها : ولماذا نجدّ في العقاب ؟! ،،

* * *

يتدفق ضوء خافت إلى الغرفة الخاصة في المطعم عبر النوافذ المغلقة المسدلة الستائر ،،
لا صوت يتطفل علينا إلا أزيز خفيف يند عن جهاز التكييف ،،
همس يمرق في إطار صمتنا اليقظ قاذفا بالصور والكلمات ،،
النبرات ترق ،، تتلون بشتى الأصباغ ،، محاكية أصوات العناء والحيرة ،،
قبل ترديد أي حوار أرمق صاحب الدور أو صاحبته بنظرة تنبيه ثم أسترسل ،، وتنبثق الصور من واقع صلب يجتاحنا بصراحة مرعبة ،، يأخذنا بتحد مخيف ،، بوذا البدين يجلس على رأس المائدة المستطيلة المكللة بالقطيفة الحمراء ،، يجلس كقاض صارم ،، يتابع التلاوة بوجه جامد هادئ قابضا على سيجار تشرشل بشفتين ممتلئتين ،، يحدق بوجهه المنتفخ في عيني المشرئبة نحو الخارج ،، يصادر بجديته البالغة أي مقاطعة أو تعليق ،، يتجاهل الانفعالات المتوقعة ويدعو بصمته البارد إلى تجاهلها أيضا ،، ألم يدرك البدين معنى ما يلقى على الطاولة ؟! ،،

الصور تتماوج أمام مخيلتي مخضبة بالدماء والوحشية ،، أريد أن أتنفس بكلمة أتبادلها مع أحد الجالسين معنا ،، سحابة الدخان المنعقدة في الغرفة تزيد من غربتي ،، أغوص في جفنيّ ،، وأحيانا ألتصق بنظرة بلهاء بالمكتبة ورائي أو بصورة من الصور المعلقة ،، صورة الجميلة وهي تنتحر بالأفعى ،، صورة صديقي وهو يخطب فوق جثة قيصر ،، ها هي المشنقة تتخايل وثلاثين قطعة فضية تتساقط ،، وها هي الشياطين تتبادل الأنخاب ،، ولم تنفض الجلسة ،،
فاض قلبي بالغضب والمرارة ،، انتشرت أحزان الماضي كالدخان بكافة هزائمه وآلامه ،، إنها فرصتي للتنكيل بعدوي القديم ،،

- ما أدراك بهذه الأسرار ؟! ،،
- عفوا ،، سأرحل !! ،،

يقتحمني انفعال قهار عند رؤية الزحام فأجهش في الضحك مغلوبا على أمري ،، ليس هو الحزن أو العظة أو اللا مبالاة ولكنه جنون عابر ،، أتجنب النظر خشية أن ينقلب الضحك إلى مأساة ،،

خرجنا من المطعم ليجتاحنا ركب السائرون في الشارع ،، الجميل في شوارع "مانيلا " أن الجميع سائر لغاية أو بدونها من غير أن يتلفت لأحد ،،

قال صديقي : معدتي تؤلمني ،، ما اسم هذه الوجبة التي أكلناها ؟! ،،
فقلت ضاحكا : لا أدري ،،
قال : لن نستمتع الليلة ،، هيا لنعد ،،

* * *

أي كآبة ستغشاني لو اخترقت هذه الشوارع وحيدا ،، منذ سنوات لم تقترب قدميّ من الأحذية الضيقة وتصفح عناوين الحوانيت ،، حوانيت التقوى والخلاعة ،، أغوص في زحام وضوضاء وأمطار الرجال والنساء والصبية ،، تحت سقف هذا الصيف الأبيض ،، كل شئ يلوح في ثوب الازدراء والمرح ،، حتى الذكريات منفرة جارحة بما فيها تعلمي السير لأول مرة بغير ذراع صديقي التي أتأبطها ،، مثل الهوان في الظل ومعاشرة الصعاليك والقبوع تحت جناح الروائح الخالية ،، ها هو الطريق النحيل مثل ثعبان إلى الفندق ،، وها هي بوابة الفندق المشعة بتجهمها الغائر في الحضارة ،، والغد القديم رابض مكانه بما سيطويه في صدره من تاريخ أسود وأحمر ،، ووجه موظف الاستقبال هو صورة مجسدة للامتعاض ،، ينغمس في الكدر على حين تلمع فيه ابتسامة من وقت لآخر ،، منذ الأمس لم أتوقع استقبالا أفضل ،، اعتدت ألا أبالي ،، فما زالت قسمات الرحلة تتشبث بذكريات جمالها ،، الأحلام يقظة مفيقة رغم أنفها ،، من هذه العين ولد الحنين المجرم ،،


- الدنيا شبكة من الهموم وما نحن إلا غارقين من الغرقى ،،
- أحيانا تجئ الأحلام من الغد كذكرى من أسوأ ذكرياته ،، ولكننا نحلم ،،


لن تعاقب الحزن ولكن عليك أن تجد له زنزانة ملائمة ،، والحديث الضاحك مكرر ويدور باختصار ،، كاشف في الوقت نفسه عن جرائم خفية تفسر الوقائع تفسيرا جديدا ،، سترى نفسك كما أرى نفسي ،، كل شئ ،، كل شئ قتل ولم يمت ،، يا عزيزي إنها القسمة والنصيب ،، وبمرور الأعوام الشارع يضيق ويجن ويصاب بالجدري ،، نلت جزاءك ،، من الإنصاف أن تصارع الليل والنهار الذي تركته من أجله ،، سيستفحل الزحام حتى تأكل الأفكار بعضها بعضا ،، لولا الظلام لتشردت في الطرقات ،، وصوت البحر في الخارج هو قمة المجد ،، لا ميزة لك إلا في النوم ،،


فكنا نسير فوق غيمة في النصف الثاني من السهر ،، سهونا عن قشعريرة البرد وثملنا بدفء الحلم ،، وعاد الحنين دون أن يدري ،، سأمثل دوري مثل كل ليلة ،، وسنبتهج مرارا وتكرارا أمام النعش ،، ليموت الحزن دون أن يندم ،، ولن يذكرنا ،، لن يعرف أنه قتل ،، ينتحر في هذه المسرحية ولكن يجب أن يشنق في الحياة ،، ها هي جريمة تخلق مؤلفا وممثلا في آن ،، باق على الأنفاس حتى النهاية ،، يملأ الفراغات بكل ما يجده في طريقه ،، ليشتعل القلب من جديد بعد أن ظننت أن الروتين سيخمده ،، تلاشت الصور بحركة مباغتة ماكرة قاسية تلاشى معها الأمن وحل الجنون ،، وبزغ الحب من ركن مظلم غائص في الأعماق ينفض عن ذاته سبات بياته الشتوي ليبحث غذائه المفتقد ،، لاح الصوت خلف شراعة الوجدان كتلبية لنداء جرس ،، وعكس سقف الغرفة نظرة ارتباك مثل نطق ملعثم ،، ولكنه لم يتراجع متحديا أزمة مصيره ،، تفرست في الصورة الجديدة المتحررة من الإذعان الأبدي ،، المتطلعة إلى الجديد وهي تنزلق فوق الحد الفاصل الذي يستثير كوامن الحنين ،، الذي يأمر وينهي في الحياة كأنه أحد الشئون الإدارية ويطالب بالتنفيذ في الحال ،،

* * *

تقلبت على فراشي فرجعت الأفكار الفارة من الهدوء تدعيما للأجفان المتوعكة المثقلة بالصخب ،، ورائحة الدمع كالمؤلف الزائف يسرق الحقيقة بلا حياء ،، دهشت لحضوره ،، لا تدهش ،، ما مضى قد ينقضي ولكن آثاره تطرح نفسها من جديد ،، فدائما قاعة المحكمة تصب مطرا من الظنون ،،

وجدتني في رحاب غضبة بوذية ،، عندما يغضب الحاكم ينقلب زوبعة ،، لمعت أنيابه ،، لمحت الوهج في عنينه النحاسيتين الغائرتين ،، آثرت الصمت حتى تخف العاصفة ،، لن تتقن دورك حتى تتفرغ له ،،
اجتاح جوفي فراغ مخيف تمادى حتى لفظني في العدم ،، فلن تعرف الكآبة أسوارا تقف عندها ،، غصت في بئر ،، لا يمكن أن تجئ الأفكار من النصف الآخر من الدنيا لتلقي بأكاذيب يسير كشفها ،، لا قدرة لي على الانفراد بوساوسي ،، ليكن ما يكون ،، لن يصيبنا أسوأ مما أصابنا ،، ألم نبدأ في ملتقى مفعم بالحرارة والرغبة والأحلام ؟! ،، أين نحن من ذلك الآن ؟! ،،

وتنتشر الأحلام المسمومة التي تجعل الزهور تذبل والطيور تنتحر ،، لقد تجلى الطلاء فتجلى عن حقيقته الموروثة من رحم الغيب ،، الحقيقة المعبودة في هذا الزمان التي توشك أن تعلن عن ذاتها بلا نفاق ،، تقتلع كل شئ دونها في القلب ،، القلب الذي يعيش خارج أسوار المكان جاعلا كل شئ مهدا للغرام ،، فترمقني ابتسامة الرغبة المتحفزة ،، استسلمت لأنامل ناعمة ،، لنعاس مهدهد بأحلام ليست من اليقظة في شئ ،، وانفسحت أمامي عذوبة الحواس الطاغية ،، لأدخل منطقة الظل الحنون ،، منطقة المنى الصافية ،، منطقة شفافة يمتزج في نسيجها وشى الحلم بعذوبة الواقع ،، ورود تتناثر فوق أديم الحس محددة له معالم جديدة تحت دفقات الضوء ،، هبات النسيم تطير ما خف منها فيزحم أقدام صبية النجوم ،، وقد جذبتنا الرحلة نحو صدَفة خانقة ،، غابت الأعين فلم يبق إلا التاريخ ،، انقبض النبض حيال الحيرة المقتحمة ،، كدت أتصور أن الوجود قد مات لولا تصاعد النحيب المكتوم ،، وقال النحيب كل شئ ،، ثم أنصتٌ إلى الصمت متأثرا بلسعة مجهولة البواعث للجمال الرائق والصوت الدسم ،، كيف لي بذاك الانبهار ؟! ،، أين سكرته المشعشعة ؟! ،، في أي مستقر من الكون تحنطت ؟! ،،

- نشأتَ بين أحضان السعادة ،، فكيف تفسر تماثلنا ؟! ،،
- هذا يعني أن الجرم موهبة لا تتأثر بالبيئة ،،
- أحيانا يخيل إلي أن الجنون حقيقة !! ،،
- ما هذا القول ،، حتى للجنون حدود !! ،،

* * *

الليل في الخارج يزفر نسمة لطيفة أما في الداخل فثمة نذير بجو حار ،، السماوات تتعانق وتتموج بالتصفيق ،، الصمت خمر معتق وكأس الفجر غائب ،، تحالف النعاس مع اليقظة ،، حتى نخب الجلاد سنشربه ،، وستغطي مسرحنا التجاعيد قبل الهبوط الأخير لستار الشمس ،،
حتما تذكر الشعور ،، كأن طيور الأرض كلها مجتمعة تحت الصدر تنقر فيه ،، كنغمة كئيبة تطفو بحزنها على ثقب ناي ،، حتى باتت الذكريات تتخذ شكل جرح وتتساقط كشلالات طويلة دون أن تبالي بنبيل مفلس يتمرغ في الغرق قبل أن يدين للشاطئ بنجاته ،، حكاية من حكايات الأحلام المؤجلة التي تعيش معك بعد الرحيل كنشيد ساحلي وترافقك لبقية العمر كالأرق المنسي داخل سجن الضلوع ،،

- الابتسام كالطفل المنبوذ من أسرته العريقة لانحرافه ،، فلمَ تحدق به الخيبة ؟! ،،
- لا عليك ،، سيغدو سجينا أبديا لا يجد إلا الحرية حقلاً لاستغلاله ،،


حتى المواعيد صارت تهرب كالبخار ،، أشبه بفراشة طـُعنت بإبرة فتوقفت من يومها عن الرفيف ،، فضاء لم يترك حيزا لأي أمل ،، تنطفئ النجوم فوق السطح والقناديل تحشرج على جوانب الطرقات ،، منطويا على نفسه كمنديل أضحت رائحة الموت تغطيه ،، قدر على مفرق ،، لينتقل الحنين كمارد من وجع ،، وأنت كالربيع في ولادته البكر ،، نسائم تغلفها عباءة وأزهار تحملها الخطوات ،، لن أدعك تذهبين ،، مصيري هو حبك ،،

والغيم لا يعرف الزمن نهايته ،، ولكن لا شئ يقطع ذاك المعصم بيننا ،، فلا أسى من هذا الرجاء بنا،، رجاء كالدمع ،، لم يغرقنا بين ذراعي طموح الغد بنسيانه ،،
لا يوجد المزيد من الحياة ،، من المطر ،، والسماء حبيسة البكاء ،،
خذني هناك ،، خذني إليك لحظة ،، بعيدا عن العالم وقريبا مني ،،

* * *

رأيت سكتي قطار ،، مر أحدهما بسرعة خاطفة من جانبي ،، والآخر يتأخر دائما حتى موعده في الساعة العاشرة ،، فحلمت أنك لا تستقلينه ،،
فمن يبتغي إيمانا عليه أن يبحث عن مبرر ،، نعلم ذلك ،، أو على الأقل سنعتاد أن نعلم ،، ونحن ننتظر أن يعبر بنا الإيمان خلال الأوقات الصعبة ،، ثم يأتي وقت من تلك الأوقات ،، وننتظر ،، ليل ونهار ،، لعصور مذابة ولزيوت تشعلها ،، فلم نسمع شئ ،، ولم نتوقف عن الاستماع ،، ولأننا لا نستمع إلى ما نرغب في سماعه لا يعني ذلك أن الزمن لا يتحدث ،، فالسؤال أنك لا تفهم ما المفترض أن تستمع إليه !! ،،

فهل ستنظر من فوق كتفك ؟! ،، وماذا لو توضأت ونسيت كيف تصلي ؟! ،، تتحرك دون أدنى خشوع ،،
تتمنى أنك سمكة ،، هائمة في البحر الكبير ،، وأنت معي نصطاد معا ،،


قال صديقي : صباح الخير ،، هلم نمش على البحر في هذا الوقت الوحيد الذي يتاح له فيه الوقار ،،
قلت : ومعدتك ؟! ،،
فقال : بأحسن حال ،،
ابتسمت وقلت : طيب ،،

 

التوقيع

المتشرد

عبدالله الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس