رومانيات:
تحتضن حديقة أمي في الجنوب أشجار عدة ومختلفة.
وفيها شجرتان للرمان وما أثار فضولي لهما أن أحداهما مليئة بالرمان الناضج والذي يمتاز باحمراره الداخلي رغم شحوب لونه الخارجي.وطعمه اللذيذ"مجرد دعاية"
أما الرمانة الثانية فقد كانت مليئة أيضا حتى أني كنت ارحم حالها وكيف أغصانها تقوى أن تحمل هذا الثقل وكأني أرى الحمل الثقيل على إعتاق تلك العجوز التي تسكن بالجوار .
ولكن ما يختلف في الشجرة الثانية أن جميع ثمار الشجرة من الرمان كان متشقق وتالف
سبحان الله على نفس الأرض وذات التربة ونفس الهواء وطعم الماء
لا تزيد المسافة بينهما عن 30 متر ولكن نتاجهما يختلف
وحينما سالت عن سبب سوء حال ثمارها أجابتني خالتي" تلك القروية الي يشهد الجميع لها بقوتها
وصبرها على قسوة الأرض والزوج والحلال الممتد حتى أراضي ببشة وليس لها منهم نصيب
- الأرض والزوج والحلال-فقط الأسم يثبت كل شيء وكل شيء محرم عليها.
عذراً..أجابتني: بأن سوء حال ثمارها بسبب الظمأى!!!!!
قلت: الأخرى لا أراها كذلك الم تعاني هي من الظمأى؟ أليس لهما الماء ذاته ؟
قالت:هي أقوى تحملت مشقة الظمأى لتثمر لنا.والأخرى قد يكون صادف جذرها صخر فلم ترتوي مثل الأولى.ولم تجاهد الصخر لتصل للعمق فـ ترتوي وتثمر الثمر الصحيح.
هنا سكت ورددت سبحان الله حتى نحن البشر لا نختلف عن تلك الرومانيات
كل شخص منا يتعرض لظروف صعبة ومواقف تهز الجبال ومنا من يتحمل ويكون أقوى وكل
ما قسا عليه الزمن أعطى أكثر وأكثر ويبقى له نور يضيء دروب الآخرين رغم وجود عتمة
في جانب من روحه.ومع هذا نجده مبتسم متفائل ينسى شح السنين معه ليكون كريم مع
أيام الآخرين..لله دره مثل هذا الشخص وكأني أتذوق من حسن خلقه حلاوة كحلاوة الرمان.
ومنا من ينهار عند أول موقف صعب ليعتزل العالم ويعلن حالة كآبة وإن أعطى كان عطائه مر
وعلقم بسبب عدم اقتناعه بجمال الحياة فمرارة نفسيته تنعكس على تعامله مع الآخرين
تتجمد ملامح الحزن على وجه ليجبرك أن تنظر له بشفقة وأنت تردد(إلا يعرف كيف يبتسم؟)
أن اقتربت منه عليك أن تتحمل شكواه ولا باس بأن تكتئب معه من باب التعاون
ولكن لا تنسى قبل الرحيل عنه انفض غبار اليأس عن صدرك.
إحداهما تعرضت لموقف( ورفضت الخروج للناس التزمت غرفتها تاركه خلفها منزل واسع
فقط تبكي وتتابع قناة (البداية-وشريطها الكئيب)
وعندما سألتها عن سبب اختيارها لهذا الأسلوب. قالت لا استطيع أنا أشاهد ناس سعداء ولكن
هكذا لا أرى سوى الحزن والبؤس من حولي.
ابتسمت لها وقلت:أتريدين أن تشاهدي حزن يشعرك بـ أنك تملكين خير الدنيا وسعادتها أجمع زوري مركز الأورام والسرطان في مستشفى الملك فهد.
وانظري لمن عاش هناك لا يسهر معه سوى دمعه وحقنة تسكن وريده...
وحينها ستقولين الحمد لله على كل حال واني بحال أفضل منهم.
***
جميل أن نتأمل الحياة من حولنا ونأخذ الدروس من كل حي وجامد حتى نرتقي
بفكرنا وأخلاقنا..ولكن فقط نحتاج للحظة سكون وتأمل بصمت.ولكن لا تنسى
ابتسم وأنت تتأمل لترى النور في فكرك ومن ثم ثق سيكون ذالك النور في أخلاقك ومن ثم وجهك.
رمانة أخيرة: استمرت أمي تعنتي بتلك الشجرة التي لا تطرح سوى رمان مريض على أمل أن يتحسن حالها طوال فترة الصيف
وهي مسافرة كانت توصي القريب عليها وكأنها أبنتها حتى خلت بأنها أختي....