-
2-4-2010 .. الجمعة 3:08 am
يقولْ بحزنٍ يُخالفْ طبيعتهُ التلقائية المَرِحَة : " هِيَ قسوةُ القَدر لا غيْر " ضرب كفه بقوه على الطاولة وَ تطايرت ثمة وريقات ، مما أضطرها أن َترفع عيناها لتراه بالرغمِ مِن خلافها الفكري التام معه و لمحت الشجن قد سَلخ ملامحه تماماً حتى ضاعت طلته المُعتادة .. لتنطق : مالأمر د . خالد !؟
سَحب تنهيدة طويلة و قال : هي اللعنة يا " د . منى " أن ترى المريض أمامك يرجو المَوْت و لا يصافحه عزرائيل .. اللعنةُ هي عندما تُحدثكِ ابنة الرجل الثمانيني الشابة العشرينية و هي تتوسل إليك أن تُنهي معاناة والدها معْ المرض بأي حقنة أو جراحة الأهم أن لا يتعذب طيلة هذه السنين ... !
ماهو دوري كدكتور هُنا ..؟ هل أزيد كمية المورفين كي يختنق و يموت و يرتاح من هذه الصراعات المريرة مع المرض ..؟ هل قد يقر لي أبقراط هذا الأمر ..؟ طالما مرّت علي حالات صعبة و يندى لها الجبين ، فلمْ أكتشف مشاعري و جانبي العاطفي إلاّ مع هذا الكهل الثمانيني الذي يموت باليوم مائة مرة ..؟
كيف و لِمَ لا يشرّع أن ينهي الدكتور معاناة مرضاه لو ثبت موتهم طبياً " إكلينيكياً " ...؟ مافائدة شهادة الطب تلك التي تزيّن مكتبي ما دُمتْ ممكماً هكذاً ..؟
دُهشت د . منى كثيراً مِنْ عاطفية د . خالد المعروف بمنطقيته و عقلانيته في كل الأمور ، وَ بعد أن رفعت نظاراتها الطبية و بهدؤها المعتاد قالت : ما الأمر يا د . خالد هل تريد أن تُطلق قيد صندوق باندورا بعد أن أغلقته..........؟
صمت بحسرة ثم رفع رأسه ليقول بشجن : بل اللعنة كلها بالشرور المنبثقة من صندوق باندورا ، هيفاستوس و زويوس و باندورا و بروميثيوس كلهم ملامون إلى يوم يبعثون و ما باندورا إلا جزء من العقوبة على البشر ، هلكت هي و زيوس و هيفاستوس و كُل الخرافات اليونانية ...!!
تركها و راح يشق على مريضه بعد أن قال لابنته العشرينية : " قدر الله لا مرد له ، و احنا عملنا اللي علينا و الباقي على الله و لا يأس من رحمة الله دعواتك... " لتبكي له مُجدداً و يبكي قلبه الآخر : أرجوك د . خالد ريحه الله يرحم لك أمك و يسكنها الجنّة .. شدّد عليها بالصبرِ و خرج يجر الماضي الأليم .. ياااه ترجوه أن يُنهي حياة والدها ، تبكي من أجل ذلك ..؟
كتب لي قائلاَ : لم أحتقر شهادتي يا صديقتي بيوم كهذا اليوم الذي لم أستطع أن أعمل به شيئاً لهذا الثمانيني ، فكيف يكون الطبيب قاتل ..؟ و هل قد يكون الطبيب مجرماً لو علم بكميات الوجع و السقم بمريضه و جعله يحيا بهذه السكرات !؟
الموت الإنساني " موت الراحة " ، " الموت بواسطة أدوات الطبيب " " Euthanasia " , "good death" , " the practice of ending a life a in painless manner
شرائع ممقوتة بالإنسانية أجمع و لست أعلم شيئاً إلاّ أنني أجهش بالحقد الفظيع على باندورا و صندوقها اللعين و الاساطير اليونانية التي تقرأينها بشغف سأكفر بها بعد أنْ درسناها سنوات ..

فلم تورث لنا ذات الفضول باندورا إلا كل الشرور و الأمراض أما الأمل وحده الذي قفلت عليه بعد أن نهرها ابيمثيوز ـ زوجها ـ ...
لكِ ودي وَ اقطفي بعثرتي هذه ..
لذعنتني جداً حروفه هذه ، و طعمها لظى حنجرتي ، و لم أرد على صديقي د . خالد إلا بقول أن القيم الاخلاقية مطلقة لا اعلم غير هذا دع أمره لله و الله رحيم بعباده .. ، بالرغم من أننا قد تناقشنا سابقاً في وضع الأحياء الأموات و شروط أن يستفيد أحد الأحياء من أعضائهم وَ لكن ... أرواحهم تسكن ذويهم لذا لنكنس مسألة الموت الإنساني هذا حتى للكهول وَ المرضى منذ سنين فو الذي نفسي بيده أن لديهم من يعيش على أمل حياتهم لو بهذه الوضعية .. ـ تذكرت تلك العشرينية و توقفت و خذلتني قناعتي للمرة الثانية ـ لك الورد عهدتك قوياً منطقياً "
مُكَممّة بالخيبة تماماً : (