منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - في غياب الشمس
الموضوع: في غياب الشمس
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-15-2010, 02:54 PM   #1
بثينة محمد
( كاتبة و مترجمة )

الصورة الرمزية بثينة محمد

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 20

بثينة محمد غير متواجد حاليا

افتراضي في غياب الشمس


منذ زمن يطوي البعد ببطء .. اعتدنا أن نقطع المسافات سفرا من غربٍ لجنوب على خط البحر الأزرق .. نودع الوطن الجميل و نلاقي الأحباب ! نتأمل الساحل بشوق و نعدوه بتوق لما نصله ..
على أسماعنا تغرد " ليلة لو باقي ليلة بعمري أبيك الليلة و أسهر بليل عيونك في ليلة عمر .. " و كُلاًّ منا يفسرها ، يغنيها ، يحكيها على هواه ..!
تحيِّيِنا المحطات الفندقية الصغيرة دوما .. تعطينا قطع الكيك بالبرتقال و أصناف العصير .. كانوا دائما يحبون نكهة المانجو .. وأنا أشرب التفاح ! و ننثر على المقاعد قطع بسكويت التمرية الشهير حينها !
نضحك ، نثرثر .. نتشاجر على الأمكنة ! نقبل والدتي و نزعج والدي .. و نصل مُرهقين سعداء دوما ..
حتى حدثت نقاط انفصال في طريق السفر .. و لم يعد من سفر نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة ..

اليوم الأول ..

استيقظتُ بنصف عين ، أجاهدَ الصداع بعدما ترجَّيْتُه : " اليوم يومٌ مهم ، أعدك ؛ سأشبعكَ من خلاياي طيلة أسبوع العطلة .. لكن دعني أستمتع برائحة أمي هذا الصباح ! " . أمي كالنحلة في المنزل ، ترتب هنا ، تنظف هناك .. تضع الملابس بجانب التوصيات .. إلا أن أحدهما يدخل حقيبتها و الآخر يقفز في قلوبنا . و أنا كالوصيفة أجري خلفها من مكان لآخر . أحسب اللحظات المتبقية للثانية فراقا ! " أمي ، ماذا تريدين مني أن أفعل ؟ أتحتاجين شيئا ؟ أخذت دوائك ؟ أخذت عطرا و شامبو و ملطف للشعر ؟ خذي هذه الحقيبة فهي أفضل .. لا ، لا ، يا أمي .. لا تنفعك الأكياس .. خذي الحقيبة إنها تحفظ أشيائك بشكل أفضل . " .. تعاندني دوما .. " يا ابنتي ، الحقيبة الصغيرة هذه ستأخذ من حقيبتي حيزا كبيرا .. ! " . أصر : " كلا ، هكذا أفضل ! ، حقيبتك كبيرة للغاية و ستتسع لهذه الصغيرة لتحفظ أشيائك من الضياع في كومة الملابس ! " . أحشو حقيبة أخرى بمستلزماتها الأخرى .. تطالعني بفزع : " ما هذا ، لا ، لا ، لا أريدها . سأضعها في كيس صغير ! " . أنظر بغضب و أتمتم : " البدوي عمره ما يتحضَّر ! " .

تُعِدُّ وجبة الغداء حين يفترض بها أن تجمعنا حولها ، و أفكر .. " العشاء الأخير ! ربما نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة " . أبتسم بحزن و أنبه نفسي لئلا أفكر بسوداوية . عليَّ ألا أفكر بشكل الحياة من دونها في الأيام المقبلة . نعم ! عدم التفكير يعني عدم الألم ! عليَّ أن أتشجع فإذا بكيتُ ستنخرط هي بالنحيب . والدي يتحقق من وجود كل شيء في الحقائب .. و كعادتنا نسخر دوما من كل ما يؤلمنا .. يتجول إخوتي يطلقون النكات على والدي و اهتمامه ! و على والدتي و ارتباكها . نحاول إقناع أنفسنا و إقناعها ؛ كاذبين ! " عشرة أيام بس .. و بترجعي .. لا تخافي محد بياكلنا ، و بعدين منتِ رايحة الصين ! " . و أعيننا تحكي احمرار الشوق !

باقي نصف ساعة من زمن الشمل الجميل . تركت جهازي المحمول حين رأيتها جالسة تشاهد التلفاز و والدي يلتهم بقلبه وجبة الغداء الأخيرة من يديها المباركتين . ذهبتُ و وضعتُ رأسي على ركبتها الطاهرة ، دمعةٌ واحدة تفالتت من سجن الجَلَد . كان لهذه الدمعة الوحيدة تأثير صمام الأمان . انفجر والدي بالبكاء . و تحلق الكل حوله .. و لم يعد هناك من سجن للجَلَد ! لا عقل يواجه صعوبة هذا الموقف !

مواساة ، و دموع حارة .. ثم قام الكل فالحياة لا تتوقف من أجل قلب ! ذهبت والدتي تخيط أكمام العباءة الطويلة على عجل فلم يبقى الكثير على الرحيل . أنظر إليها بشرود .. اتأملها فقط و قلبي ينخلع شيئا فشيئا ! تضحكُ و تبكي و أنا أغرد فوق رأسها بروحي .. وجنتيها الحمراوين مسقط عينيَّ . ابتسامتها الواسعة المرتجفة .. تخيط بالدموع و أضحك لدموعها و أحاول السخرية بلا جدوى .. حتى هذا السلاح بدأ يتصدع أمامها !

الآن ، احتَضَنَتنِي و اسْتَسْلَمتُ لها كليَّأ .. يداي ترخي الوثاق على صدري و روحي .. ، قلبي ينتقل في تلك الضمة مني إليها و فؤادها يتوزع علينا في كل ضمة ! كم هي غنية ، أخذت برفقتها سبعة قلوب و وزعت علينا فؤادها الينبوع .. بكاء ! و من ثم هروب إلى المحمول ..

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

التوقيع




بثينة محمد غير متصل   رد مع اقتباس