منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - (( في اغــتياب مدينة )) دعوة للمشاركة ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-28-2010, 08:51 AM   #3
نهله محمد
( كاتبة )

افتراضي


على عكس أغلب المدن ,
لها في الصمت نفسٌ طويل جداً مما يضمن لها هيبة تامة ..
تحتفظ بك في محفظتها المتواضعة كورقة , وعليك أن تصمت كي لاتنتبه لك الشوارع والبقالات الصغيرة جداً والباعة المتجولون والهاربون من الشمس.. ... ..
صغيرةٌ كنتُ يوم دخلتها بحبةِ موز , يوم كانت الثقة شعرة هدب بين البشر والقردة .
سعى أبي جاهداً لذاك الطريق المُقلق لنكتشف معاً سرّ مدينة تأهلك لمدينةٍ أخرى وتقبل أن تكون مدخلاً متهالكاً لجمالها.
المبهر في نظري كطفلة حينذاك , ذلك العدد المهول للأنفاق , حيث تمزق صراخي في مراوحها , ودُهست أصداؤه بالعجلات وأنا معلقة في النافذة , أفرح على اللاشيء ..
سيارة حمراء من نوع متوسط العمر ,
حقائب , وزحام , فوضاي ,
وعينا أبي التي تراقبني في المرآة الأمامية وأنا أجلس في المقعد الخلفيّ كي أحظى بفرصة ضَمّهِ من خلف المقعد -بيدين قصيرتين جداً - وأقبله .
قبلةٌ على الشعر ومرةٌ على " الغترة " ومرة على الكتف وأخرى على الأذن , حتى ضاع الطريق في القُبل و استقبلنا الضباب ..
معطفي هناك كان صديقي الأول , ووصية أبي الدافئة , تنبيهات أمي الملازمة لظلي ..

على ربوة, وبعد خطوة واحدة, اكتشفت أن للحديث فيها شكل دخان, إنها المرة الأولى التي يبهرني فيها شكل الكلام ..
كسرتُ عود شجرة صمغية قريبة , و افتعلت تدخيناً وشروداً ..
كنتُ في الغالب أتلمس في داخلي أنثى لم تسمح لها الفرصة أن تستطيل ..
لكني هناك تحديداً كَبُرتُ بسرعةٍ هائلة ..
شعرتُ بي أختار شخصي , و أميز كينونتي دون عوائق ..
إلا أن الخوف الذي لازمني مطولاً كَبُر هناك أيضاً وأعادني لضفائري ..
لم تكن لتسعفني ذراع أبي وتذبه عني بشكلٍ كامل , لأنه كان يختار النوم فيها بعيداً عن نفث التكييف .
أنا التي اعتدت صوته لترقيع الأصوات غير المبررة ..الأصوات التي تقول عنها أمي " مسرى الليل يابنتي " ..
على ذارعه وفي أحضان أمي_ أحياناً _ كنتُ أعدُّ كم عجلةٍ مرت بقلقي بدلاً من الخراف .
فالشارع لم يترك لي خياراً آخر , ولم يتح لي فرصة الإستمتاع بصوتٍ غير أصوات الذهاب والإياب والأنفاس .. وكأنني حُصرت بين اتجاهين يعاكسهما الصمت ويطحنني ..

الساعة الثامنة كانت شرارة العقدة الأولى ,
حيث أني ببداهة الصغار أدركت أنها الساعة التي تذبل فيها أضواء السيارات , وتنام المحلات , ويخلد الضجيج البسيط إلى سريره ..
عرفتُ تلقائياً أنها الساعة التي يبدأ منها السّبات , وأنّ في ذلك زمنٌ طويلٌ مطليٌّ بالسواد , ينفث دخاناً يمنعك من استقراء ظلك ..
في الشرفة كنتُ أعلق ظلي كل ليلةٍ على الكلام وأخرج لذراعِ أبي كي أقاوم هيبة " الباحة " , المدينة التي لا أذكرها إلا وأقشعرّ ..

 

التوقيع




لم يكتب فيّ أحدٌ قصيدة واحدة ..
ولا ربع كلمة !
كنت دوماً خلف كواليسهم أرقبهم يُقرون
بأن الضوء يتسرب من يدي ..
بأن واحة اعتدل حالها عندما كتبت عنها ..
بأن سنجاباً تأقلم مع صحراء عندما غازلته بأُقصودة ..
بأن المسارح غطاها الغناء ونفضت الغبار بالستائر ثم غسلتها بحبري ..
بأن الجحيم سيصبح بارداً أكثر كلما راسلته .. لديهم أمل أن ينطفئ ..


التعديل الأخير تم بواسطة نهله محمد ; 08-28-2010 الساعة 09:01 AM.

نهله محمد غير متصل   رد مع اقتباس