في يونيو تكتشف قوة سلاح سهلٍ ينتمي لمدينة توقف بعضها عند عصر , والآخر مضى قُدماً غير آبهٍ لغيرة المدن الفقيرة من ماضٍ بات لغيرها , لا ملكاً لها ..
ذاك السهل الخفيض يمنحك متسعاً للتأمل , ونسيان نفسك ..
يآخي بين جسوره ليعبرك . يتودد إليك بنهره , وفراشاته التي اعتادت المكوث في ركنٍ قصيّ من الذهول ..
على مقربة من أساطير " رودس " كَبُر الوادي بالفراشات
وكان واجباً عليّ أن أكون في باقته كي لا أشذ عن السرب ..
تلك المساحة كانت كافية بالنسبة لي كي أمحو مصطلح "الصحراء" من قواميسي مؤقتاً على الأقل ..
هناك حيث تؤذي عينيك الخضرة الفاقعة, ويفرقعك الصمت كبقيةٍ للكرنفال تضفي مزيداً من السحر على المكان ..
هناك حيث تنسى الألوان الترابية والرمادية
ويصبح المكان مسرحاً " لبليتة "الألوان و للخيال" ولفنانٍ قادم بتواطوء الطبيعة ..
لم يسحرني تاريخ "رودس " برغم هامتها الفارعة في التميز كما فعلت بساطة ذلك السّهَل , السهل الممتنع ..
ولم يلفت نظري "إيليوس " كما فعلها " بيثيوس " عندما تولى أمر سياجٍٍ يحفظ حقوق جمال تلك البقعة ..
لكني وقفتُ فاغرة على أبواب " ليندوس " القرية التي تتنفس البحر بعلوّ طيرّ من جيبي فراشاتي ..
كنتُ أفكر جادة بأن المار من هناك لن يستطع إلا محاصرة ذاكرته كما فعلتْ ؛ مخافة أن تُهدر فيها فيعود خالياً لأرضٍ لاتشبهها في شيء ..
لا في باحاتها المرصوفة بكِسَر الفسيفساء المجنونة والمرصوفة بحذاقة ولا بمحافظتها على إرثها العريق ولا
في منازلها البيضاء المتدرجة و التي تجبرك على تحسس جدرانها !!..
بالنسبة إليّ كنت أوجه لها أسئلة من تحت ضرسي :
- ( إلى متى سيمتد بكِ هذا البياض ! ) ,
-( أمتأكدة هناك أحدٌ بالداخل ؟)
-( أما مللتي من مقابلة الشاطئ ومجاورة القلعة ؟ ..
أوووه , القلعة التدك في صدرك باباً من أول نظرة , وتجعل من الهيبة مفهوماً مختلفاًعن الذي عهدته مرعباً في "الباحة" ..
من أول ما استقبلتنا " أثينا " ,
كان لديّ حدسٌ غريب بأن هذه البلد لاتخون زائرها . يكفي أن تقدم لكَ أرضاً تفاجئك بصورتك على رصيفها ,
أو على رمل شواطئها أو طاولاتها تماما كما على زجاج " الفاترينات " . و ماكنتُ لأشعر بالقرف لو سقطت من يدي حلوى واستعدتها من الأرض بثقة , بل واستلذذت مذاقها ..
" أثينا " التي اختلطت فيها الحضارة بالمتاحف والمعابد وعجّت حول آثارها الأجنحة و الأساطير ,
تجعل من شعورك أسطورة وأنت ترتقي " تل الكافتيوس " مراقباً إياها عن كثب , مُضيفاً إلى قائمة التأمل ألفي جزيرة كاحتياطٍ جمالي تعتد به
وفيه من الدهشة ما لاينتهي من إقلاعٍ واحدٍ وقصير ..
" اليونان " المدينة التي سأعود لها حتماً وبحوزتي ذاكرةً إضافية ..