
* خمسة عشر شبحآ .. وليلة
خارج المدى .. تنهمر الظلال كسيل عرم لا تحجزه سيوف الضوء التي أشهرتها قناديل الأرصفة ..
تأتي الأطياف بلا مبرر , فقط لتشعل أخشاب مبللة بالجفاف , لخوف كان ملقى في ركن عميق من الباحة الصماء ..
وكان الليل يشير إليها خفية صوب الأزقة ويحجبها بعباءة الظلام التي أغوت الأطياف بالحضور ..
قيل بأن خمسة عشر شبحآ قطعوا الطرق في الأزمان البالية , ثم لم يعد لهم وجود على حواف المدينة ..
ولكن القروي , الذي أقبل مع طلوع الفجر , لم يزد الأمر سوى غرابة ..
قال بأنفاس متقطعة بأن الأشباح قد ظهرت من جديد عند الوادي وقامت تعيث في الصحراء فسادا ..
تمتم شيخ المسجد يشد عليه مئزره : تحصنوا بالتعاويذ .. وستدبر كما أقبلت ..
سأله فتى كان ينتفض فرقآ : لن أبرح المسجد .. فهذا بيت الله .. ولن تدخله الشياطين .. أليس كذلك ؟
أجاب رجل بصوت أجش : دع عنك الجبن .. فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف عند الله ..
وانفض الجمع .. وعين سعادة لا تنغلق لا على حلم أو وهم ..
مازالت تتحضر للمشهد الأخير .. وحضور جند الظلام ليغتالوها هي وأحلامها الصغيرة ..
ونثرت بين الزوايا ببخور جلبته من تيك المرأة التي ادعت الطهر ..
وأقسمت على سراجها الواهن أن يظل مشتعلا حتى حين ..
ولكن النار بقيت على موعد مع الإنطفاء , ومادام الضوء قد قُد وهجه فلا سبيل إلى الأمان ..
وآنست في روحها سطوعا وقد جاء السحر بموعد مع الصبح .. فخفقت تهمس بتمتمات الفلق والناس ..
ولكن الخوف الذي أطل من جدار الروح لم يدعها تعيش بسكون ..
وأمها المريضة .. واخوتها الصغار قد علا شخيرهم من الحجرة المجاورة ..
وليت ذلك البحار يأتي ليذود عنها وعنهم سواد الليل الذي يخبئ الموت بين جنباته ..
خمسة عشر ليلة مضت وهي على هذا الحال من انتظار مداهمة الأطياف .. وعودة البحار ..
خمسة عشر يومآ ولا صارخ يلجم هواجسها التي تعملقت حد الهوس ..
أخذت تذبل شيئا فشيئا والعيون اكتساها السواد والوعي في منأى عن الحواس ..
حتى نفذ جلدها وراحت تذوي في غياهب الخنوع .. حين جاءت الليلة الأخيرة بالعجب ..
على الطرقات تعالى صوت المجنون جذيم الذي كان ينقل أخبار الطريق إلى سيد القرية ..
سمعته يصيح فتوجست رعبآ مع تعالي صوت المآذن بالتكبير ..
وما هي إلا لحظات حتى سمعت ضجة بالقرب من العريش الذي يغطي سقيفة بيتهم القديم ..
قال الصوت : هل يعقل هذا .. أكل هذا الخوف كان مجرد وهم .. سراب .. !؟
وأتاها صوت الشيخ عبد العزيز كصوت حق تحتمي بنوره من تمتمات الظلام : أجل .. كل ماحدث كان مجرد كذبة ..
كذبة ..!؟ عن ماذا يتحدث هذان الرجلان .
وأجابهاصوت الشيخ الوقور : إنها خرافة أشاعها التاجر فاروق .. كي يقطع على الناس تجارتهم ويسرقهم تحت جنح الظلام ..
وأردف بينما خطواته تبتعد : ليس هناك من أشباح ولا يحزنون ..
هنالك فقط اشتهت النوم لترتديه جبة تحتويها لساعات طويلة .. طويلة جدا >>