منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - احتماء .... بالضوء !
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2010, 02:58 AM   #4
سحر الناجي
( كاتبة وإعلامية )

الصورة الرمزية سحر الناجي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 16

سحر الناجي غير متواجد حاليا

افتراضي



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* ظلام الموت
تحس بي الأفلاك ساعة شروقي على تأملها , تجوسني وقد هلت العتمة معتمرة السواد حدادا على النهار . وفي حنايا الكون تكتظ الغرائب ,
فأتوقف بجانب زحل وأرمق كل العجائب التي تحيطه كحلقات من شظايا الأضواء وترسبات النيازك وهشيم الكواكب ..
أقر بأن مجابهة العجاف من الأفراح كالتوسل إلى شبح يهمهم في جوار الروح فزعا .. أطياف تهيم على قرى نائية للذاكرة كانت القبور في ثراها ترقد بخيلاء ..
وربما أن اللحود تمادت في سبر أغوار الرفات , والأجثام تواسي استفحال الفناء ويحايلها بالخلود ..
كنتُ كمن أُتي كتاب الصدفة بشماله والشؤم مسطور على جباه الزمن .. كسيرة فرحتي التي ترعرعت على الشموخ ثم انحازت إلى الخنوع حيث الفقد يضنيها في كل غصة تعتريني ..
تعلقتُ بشدة بذاك الصغير الذي وُلد والفرح موشوم على صدغيه .. طفل في الثانية من عمره حباه خالقه بكل ما جبل عليه مخلوق رائع بهيئة النقاء والجمال ..
كنتُ أتحين زيارة أختي لآخذه من بين ذراعيها وأجوب به حقول الطفولة بينما سنابل السعد تنتشي لضحكاتنا وعبثنا ..
كنت ألاحقه وأطارده , ألقيه في الهواء وأدغدغه أطعمه وأهدهده في أحضاني حين نعاسه ووجهه الوسيم يمدني بمشاعر لا تنتهي لهذا الكائن الشفيف النضر البراءة ..
وعندما كتب الله النهاية لحكمة لا يدركها إلاه سبحانه كان الصبر في أوجه والإبتلاء زاخم بقدوم أسود في أيام طاهرة كانت تنضح بالبياض والرحمة ..
أجل .. كنا في شهر رمضان المبارك , وبعد فوضى الإفطار كنا نتجهز كي يصحبنا أخي لصلاة التراويح في مسجد الراجحي كما هو دأبنا كل عام ..
فجأة رن الهاتف .. وجاءت صلصلته المقيته تحمل في طياتها الخبر المشؤوم ..
رأيت أمي جيدآ وهي تتحدث عبره بعيدآ حتى تغيرت ملامحها فجأة وأخذت شكل التقطيبة ثم الفزع وارتكزت على الجدار لتندي, عنها صرخة جعلتني وأخي نهرع إليها بخوف لنستجلي الخبر ..
سألتها بقلق : ما الأمر يا أمي .. ماذا حدث ؟
قالت وهي تبكي بحرقة : لقد مات .. مات ..
يا للهول .. زلزلتني كلمتها .. وصفعتني بشدة حتى تخيلت أن الوجود بدأ يتلاشى من وعيي ليحل محله الذهول والشتات والحيرة ..
أسرع أخي لالتقاط الهاتف الملقى على الأرض , وسمعته يتحدث إلى زوج أختي ..
وبعد قليل أنهى المكالمة بقوله عظم الله أجركم , وجعله من شفعائكم يوم الدين ..
كنت تائهة حائرة مصعوقة , فأمي كانت لا تزال تبكي وتولول وأنا أحاول مواساتها والتخفيف عنها بينما أخي يوصيها بالصبر ويطلب إليها أن تهدأ ..
هنا صحت بصوت كأنه آت من بعد آخر : من الذي مات .. أخبروني ..
قال أخي بحزن : عظم الله أجركِ في إبن أُختنا الصغير ..
لا أذكر حينها ردة فعلي .. ولا أذكر أبدآ ما فعلته , كل ما أعيه أنني وجدتُ نفسي بعد ساعة فقط في بيت أختي بمعية أمي وأخي وأنا أعانقها بشدة وأبكي بمرارة ..
كانت حادثة سوداء في تاريخ عائلتنا , وكنا نتذاكر أنه موته كان من أعجب ما سمعنا به , فقد مات غريقآ وفي يوم جمعة من العشر الأواخر من شهر رمضان ..
وكنا نحسبه من أهل الجنة إن شاء الله ..
وتوالت السنين , ومرت بنا الأيام والشهور , وذلك الصغير لا تزال ضحكاته منقوشة على جدران حياتنا .. لم تذبل أبدآ ..
رحمه الله ..

 

سحر الناجي غير متصل   رد مع اقتباس