حينما رَحَلَ بهاء بكيته بإخلاص عجيب .. بكاء ً كان أشبه بالانتحار في ساحة عمياء. ولكن أيضا برفاهية عجيبة .. كنتُ بتلقائية مفرطة أملك خيار البكاء ، كنت لا أزال أنتمي لصدر ٍ أستند إليه وأعتمر النحيب ..
حينما مات بهاء وكأننا توقعنا مماته وإن رفضنا التصديق ، ولكن انهيار الأسطورة وإن تحقق فليس من السهل ابتلاعه ..
"che" عائلتنا .. ذلك الطبيب الأول في قريته يداوي الجرحى ، وينصح الثكلى ، ينحني على يد الشيخ ويغض الطرف عن عورات البيوت .. الجيل الذي حمل سلاحا على الجبهة ، وسلاحا في عمله .. لكنني تمتعت بكامل حقي في النواح عليه ، في الترحم واستقبال العزاء والدعاء ، واقتسام إرثه
أجل .. نعمتُ بالنشيج قرب بصماته فوق أوراقه .. وإيقاظ الأيام الخوالي .
كان أبي يحضرنا في تلك الأيام صامتا متجهما .. وكأنه يخبرنا بأنه التالي
نظرته نبأتني بشعور كصرير الباب في صدري ، ضياع ومرض في آن واحد . شعور ما يحقنني ببارود القنابل ولا ينفجر ، وإنما ينطفيء بين عظامي ، ثم يعود للتعبئة ولا ينفجر ، وينطفيء في ابتسامة زرقاء ألهي بها أمي . ينطفيء في عقلي حينما أصمت لأستمع إليهن يثرثرن بالبطولات ويترحمن على أبي .. ثم أحسدهن "يا بختهم" يمكنهن الحديث عنه ، يرشفن دموعهن وسوائل أنوفهن ، يرتـِّبن شفاههن في حسرة المتمرسات ثم يتأوهن "الله يرحمك يا بابا" ..
كل خزعبلات الصداقة والمواساة والأخوة والهواتف والكلمات المواتية للموقف لم تكن لتنفذ إلي ، ولا إلى أبعد قشرة من المقعد الذي أجلس فوقه .. شيئ ما أشبه بالدعابة السخيفة .. صرتُ أراهم كخيالات الظل الهزيلة يلمعون في الظهيرة ، وفي الليل تنعق فوقهم الغربان .. ولا أبكي
لم يعد هناك من يسرد علوم عين شمس ، و والحرب والملك وعبد الناصر وقصة الفلاحين
لم يعد هناك من يحيي خط عم ميشيل ، أويذكرني بتاريخ وفاة الشيخ يسري
لم يعد هناك من يسألني بساطا قرب منفذ الهواء " هاتي الكليم امدد هنا في الهوا"
لم أعد قادرة مواجهة فكرة الكسر
الحصاد من الحي اللي عرفته وأنا على كتفه
مش عارفة اقول الله يرحمه
مش عارفة اعيط عليه