منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الشيء الذي ترك لسانه عندي وذهب...
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-15-2014, 06:35 AM   #7
فقـد
( كاتبة )

الصورة الرمزية فقـد

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 18

فقـد سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي


زواج أمي من أبي غير حياتها كثيراً
بطرق مختلفة عن الأشياء التي تتغير في الحياة عند الزواج
زواج أمي من أبي جعلها تكتشف كم هي إنسانة خاضعة، ومطيعة وطيبة

كانت حياة أمي مختلفة تماماً عن حياة أخوات أبي
كل واحدة من أخوات أبي إنسانة مستقلة تماماً
قويات، ذات آراء خاصة ومتعلمات لدرجات الماجستير والدكتوراة
كل هذه الأمور كانت غريبة على أمي التي جاءت من بيئة بسيطة ورجعية نوعاً ما
تعودت أمي على السمع والطاعة وعدم المجادلة واحترام الزوج وطاعته
وبذلك فرض أبي الذي كان في أوج شبابه، سلطته على أمي،
منع أبي أمي من زيارات الحريم التي كانت جدتي مداومة عليها،
ومن الماكياج لأنه لم يكن يحبه،
وأمرها منذ البداية بعدم مخالفة أوامره
تقول أمي بأنه كان عصبياً جداً معها، وعندما نسألها باستغراب: "كيف بقيت معه؟"
تقول: "جدتكم كانت طيبة، وأنا أحبه"

جدتي هي سيدة المنزل
الآمرة الناهية، لا يحدث أي شيء في البيت مهما كان صغيراً إلا بأمرها
متحكمة بكل أركان البيت والعائلة
جدتي امرأة قوية جداً، لا يمكن أن تكسرها الظروف
لكنها تنكسر أمام حبي جدي الكبير والعظيم لها
مازال جدي يحتفل بعيد زواجهما إلى اليوم، 25 شعبان، كل سنة
يتصل بأبنائه واحداً واحداً، وهو لا يتصل بأحد أبداً
يذكرهم بالتاريخ، يأمرهم بشراء الهدايا ويحتفل بجدتي التي تنخرط بالبكاء كل سنة
كل سنة، رغم أنها تعرف ما سيحدث، وتعرف جيداً أن جدي لن ينسى
ولكن لم يحتفل أي أحد بجدي، ولا مرة، لم نقم له حفلة أبداً ولا أعرف لماذا!

اكتسب أبي عادات جدي، ولفترة طويلة كان أبي يحتفل بجميع أعياد أمي
وكان يعطينا المال لكي نشتري لأمي الهدايا في عيد الأم، وعيد ميلادها، وعيد زواجها
وكانت أمي تبتسم ابتسامتها الغريبة التي تخفي فيها أسنانها،
والتي اعتادت عليها بسبب فقدها لسنيها الأماميين عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها
عندما تزوجت أبي، أخذها إلى طبيب أسنان ركب لها أسناناً صناعية
كان أسعد يوم في حياة أمي، قالت لنا بأنها شكرت أبي كثيراً وكل يوم
لكنها لم تستطع تغيير شكل ابتسامتها الغريب...

لم يكن أهل أبي ملتزمين دينياً لدرجة كبيرة، لذلك لم تجبر أمي على ارتداء الحجاب
لكنها تعلمت أصول الدين للمرة الأولى في حياتها
تعلمت الصلاة والصوم وقراءة القرآن، وهي إلى اليوم تدين لأهل أبي بتعليمها الدين
بعد فترة قصيرة، سنة أو سنتين، التزم أحد أعمامي دينياً
وأجبر الجميع على الالتزام بتشدد
حطم عمي كل التماثيل وطمس اللوحات الفنية التي كانت تحتفظ بها جدتي في المنزل
وأصبح كل أهلي ملتزمين دينياً فجأة

قصة التزام عمي هذا مازالت لغزاً لم يستطع أي أحد تفسيره إلى اليوم
فقد كان أكثر أعمامي شقاوة، كان لاعب كرة مشهور جداً، وانضم إلى صفوف المنتخب الوطني
حياة الشهرة التي عاشها جعلته يميل إلى حياة العربدة والنساء
كان جدي متعباً من تصرفاته الحمقاء، وكان يعاقبه كثيراً
ثم قرر فجأة أن يتجه للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية
وحصل على بعثة دراسية فعلاً
توقع الجميع ضياعه وفشله التام
وكانت أسوأ الاحتمالات هي عودته محملاً بمرض خبيث لا علاج له
تقول أمي بأن سفره كان مأساة حقيقية بالنسبة لجدتي التي لم تعرف كيف سيكون سلوكه هناك
المفاجأة أنه عاد ملتزماً دينياً، ومتشدداً أيضاً!
عمي هذا أدخل الالتزام إلى عائلتنا، وصار جميع أعمامي وعماتي مثله
أطالوا اللحي وقصروا الأثواب
بعد فترة، ستقل درجة الالتزام في العائلة، ستقل كثيراً وستصل إلى مستويات معتدلة ومنطقية

في ظل هذه الأجواء الدينية اكتشفت أمي أن الخمر حرام
ومباشرة أخبرت أمها أن الخمر من المنكرات وأن أبوها، جدي، سيدخل إلى النار دون حساب
خافت جدتي على جدي من غضب الله، وأقنعته بهجر الخمر
وفعلاً، خلال فترة قصيرة أقلع جدي عن الشرب، وارتاحت أمي،
واستغفرت الله كثيراً لأنها كانت تسقيه الخمر دون اعتراض
بعد سنوات عندما مات جدي أبو أمي، قالت أمي: "الحمدلله، أمهله الله، الحمدلله"

عندما حبلت أمي بي بعد سنتين من زواجها
كنت أنا الحفيدة الأولى للعائلة، وكان احتفالهم بي كبيراً
دللوني كثيراً
وكنت ابنة مزعجة، مزعجة لدرجة كبيرة
عشت في بيت جدي الكبير خمس سنوات قبل أن أنتقل إلى بيتنا
بعدها صارت تربيتنا قائمة بيد والدتي فقط
التي بذلت جهداً كبيراً في تحصين بناتها بالدراسة، بالاستقلالية، وبحرية التعبير عن الرأي
الشيء الذي دعمه أبي لكن دون حماس،
فضل أبي ترك هم التربية بين يديّ أمي ولم يتدخل في تربيتنا أبداً

الشيء الذي لم يفلح فيه والديّ هو أسلوب العقاب الغبي الذي اتبعوه معنا
خرج الإثنان من بيئة تؤمن بأن الضرب هو الوسيلة الأولى للتربية
واتبع أبي معنا الأسلوب نفسه
لكن في معظم المواقف التي انضربت عليها لم أفهم سبب الضرب
ولم أعرف لماذا انضربت أصلاً
والطريقة التي يضرب فيها أبي كانت مؤلمة
مؤلمة لأنك لا تفهم السبب
ومؤلمة لأن أبي يتحول لكائن قاسٍ جداً، يتعمد إيلامك، ويضرب بأسوأ الوسائل

أحد المواقف التي لا يمكن أن أنساها هي عندما كنت في المرحلة الإعدادية،
كنت في الرابعة عشرة من عمري وكنت قد "بلغت " قبل أسابيع قليلة
ذلك اليوم عدت من المدرسة وتلقيت اتصالاً من عمتي،
عمتي الكبرى التي كانت وكيلة في المدرسة التي أدرس فيها ذلك الوقت
قالت لأمي بأني أنزل من باص المدرسة، أذهب للدكان وأعود للباص مرة أخرى
وأن أهالي الطالبات اشتكوا بسبب تأخر بناتهن عن العودة للبيت،
وبأني وبعض زميلاتي السبب في ذلك وبأنها ستخبر أبي
الطريقة الغبية التي تكلمت فيها عمتي لم تكن منطقية أبداً بالنسبة لي
كانت في حالة عصبية غريبة، وكانت تهددني بأنها ستخبر والدي، تهدد!

استغربت وسألت والدتي عن الخطأ الذي وقعت فيه
لم أكن الوحيدة التي تنزل من الباص
ولم أكن ممنوعة من الذهاب للدكان، كنا نذهب للدكان كل يوم
لكني بدلاً من العودة للبيت والذهاب مشياً على الأقدام، كنت أفضل النزول من الحافلة
قالت أمي: أبوك بيقتلك!
- يا سلام! ليش؟!
استطاعت عمتي وأمي أن تشعراني بالذنب وبأني ارتكبت فعلة كبيرة، كبيرة جداً رغم إني لم أعرف ما هي
وانتظرت عودة أبي، انتظرت العيد بفارغ الصبر

عاد أبي،
وكان غاضباً طبعاً،
ناداني مباشرة إلى الغرفة، دخلت وأغلقت الباب خلفي
كان يمسك بعصا مكنسة كهربائية بين يديه
من المنظر، عرفت بأني سأنقتل من الضرب ...





 

التوقيع

لماذا أكتبُ كلَّ جملةٍ في سطر؟
لا أدري،
ربَّما لأنَّه التَّوزيع البصري للكلمات بهذا الشَّكل
يُريحني،
ويُبهجني،
وربَّما لأنَّها البعثرة تُعجبني أكثر.

محمد البلوي/ تحت الأزرق بقليل

فقـد غير متصل   رد مع اقتباس