-
(4)
أجربتم العيش في أقذر بِقاع الأرض ذات مرة؟ مجرد تجربة لا للعيش الدائم، ها؟ أنا جربت، و حالياً أعيش في أقذر بقاع الأرض قذارة. لا أدري كيف و من أين وصلت إليها، و كيف بدأت بالعيش عليها، لكن كل ما أتذكره، أنني في آخر مرة كنت أتذكر فيها شيئاً كنت ملقاة على سرير ما، ممدودة عليه بكل تفاني و إتقان بعيداً عن تلك البقعة الأقذر في الأرض. لست من أراد التمدد على السرير ذاك، لكن هذا الشيء المؤلم بين فخذيّ إلا قليلاً أجبرني على فعل ذلك. لم يكن ذلك السرير كذلك الذي أنا من تمدد عليه باختيار، قد أجربت على التمدد عليه فحسب. هذا ما أذكره الآن، في آخر مرة كنت ملقاة هنالك، كانت الأصوات ترن من حولي تارة و تزفُر في تارة أخرى. شعرت بخفة و أنا أرتفع عن جسدي و كأنما لستُ سوى بالونٍ منفوخ ممتلئ. كنت أطفو في الهواء كالسحاب ربما، أتصاعد عالياً عالياً. لم يكن بمقدوري فعل شيء محدد، لم أحاول فعل شيء آنذاك، كانت المتعة التي أشعر بها تطغى على تفكيري بمحاولة فعل شيء ما تجاه هذا الطفو في الهواء. كانت الحبيبات في الهواء تدغدغ كامل جسدي، كنت عارية شعورياً و من غير جسد ملموس. شعرتُ بلذة و كأن الفراغ يعم المكان، الفراغ الذي منحني شعوراً كهذا كان علي لزاماً شكره. المحير أنني لا أذكر المكان الأخير الذي التقينا فيه أنا و هذا الفراغ. أذكر أنني كنت ممدودة على فراش لم يكن من اختياري و لا ضمن خياراتي، لكن لا أذكر حينها أن الفراغ كان قريباً معي. الآن و الآن فقط أشعر أنه ليس معي، إنه بداخلي حتماً، هذا الشعور لا يمكن لأحد منحه لي سواه، هو الوحيد الذي يعرف كيف يمنحني شعور كهذا، لكنني لا أجده رغم شعوري به. أتُراه قريب؟ أتُراه كان أبدي القرب؟ سأفترض الحقيقة الأبدية في قربه، كون أن الشعور لازال يعتليني و يعتلي هذا الهواء الذي لا ينفك عن مداعبة جسدي معه كما يظهر لي. هذا الهواء و حبيباته التي لا أعلم ما هي و ماهيتها، يخبرانني أن الفراغ كان كذلك كما افترضتْ، كان أبدي القرب. ما يستفزني هو أني لم أجد فرصة لسؤلهما: كان الفراغ أبدي القرب لمن يا ترى؟
شعرت بارتطامي بجسدي قبل أن أحصل على تلك الفرصة لسألهما، ارتطمت بجسدي و أظن أن العملية التي كانت تقام عليه سرت بشكل جيد كما يبدو ليّ. أنا الآن أشعر بالجسد الذي يحاصرني من الطفو عالياً مرة أخرى. لكن لا بأس، سأحاول التمدد مرة أخرى بذات السرير و لكن هذه المرة عن اختيار كامل، و سأسال الهواء و حبيباته تلك التي لا أعرفها، عن أبدية القرب للفراغ! سأسألهما حتماً و سأعود بإجابةٍ ترضي جموحي هذا عما قريب.